جسّدت جائحة كورونا (كوفيد-19) غياب المساواة في جميع أنحاء العالم، حيث كان أثرها على الفقراء أكثر من الأغنياء، وعلى كبار السن أكثر من الشباب، وعلى العمال أكثر من الموظفين الذي يعملون عن بُعد. وتُظهر إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن البلدان الأكثر تضررًا ليست فقط تلك التي لديها أنظمة رعاية صحية منخفضة الجودة، ولكن أيضًا الدول الأكثر فقرًا والأكثر هشاشة، والدول التي مزقتها الحروب، إلى جانب الدول غير القادرة على اتخاذ تدابير فعالة في مواجهة الفيروس. وبات غياب المساواة واضحًا في سباق الحصول على اللقاحات، حيث تتنافس البلدان ذات الإيرادات المرتفعة للحصول على أفضل اللقاحات، بينما تسعى البلدان الأقل مواردًا إلى "التحرر" من التزامات الاتفاق المتعلق بجوانب الملكية الفكرية المتصلة بالتجارة "TRIPS" وإنتاج لقاحات من دون دفع المبالغ التي يفرضها أصحاب براءات الاختراع.
ويأتي تأثير تفشي كوفيد-19 على الفنون وحماية التراث والقطاع الثقافي كأحد جوانب الجائحة التي لم تلق الكثير من التعليقات. فقد تأثرت المؤسسات الثقافية وعالم الفنون بدرجة كبيرة، وبعضها يكافح من أجل البقاء. كما فقد الكثير من الفنانين والفنانين الأدائيين الذين يعملون بشكل مؤقت وظائفهم، حيث أُلغيت الحفلات الموسيقية والمهرجانات في جميع أنحاء العالم. وأغلقت المتاحف وصالات العرض أبوابها في إطار تدابير الإغلاق العام. فعلى سبيل المثال، أصدر تحالف المتاحف الأمريكية بيانًا في شهر يوليو 2020، حيث أعرب في البيان عن الأسف لاستمرار إغلاق ثُلث المتاحف الأمريكية. وفي الوقت نفسه، شهدت جائحة كوفيد-19 ارتفاعًا هائلاً في التنقيب غير القانوني في المواقع الأثرية، وعمليات النهب، وتهريب الأعمال الفنية في ظل غياب الحماية الشُرَطية. كما كان لإغلاق الحدود الدولية بهدف الحد من انتشار الفيروس تأثير على استيراد السلع الثقافية وتصديرها كما يتضح من قواعد بيانات منظمة الشرطة الجنائية الدولية “الإنتربول”.
وتختلف الطريقة التي أثرت بها الجائحة على المؤسسات الثقافية حول العالم، مما يثير تساؤلات حول المساواة والعدالة العالمية، وهنا يمكن التمييز بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية. ففي تلك الأوقات الصعبة من جائحة كوفيد-19، أكد كل من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة على التزام الدول الأعضاء بإظهار التضامن والحاجة إلى تعزيز التعاون الدولي. وبالنسبة للمؤسسات والمتاحف والمتخصصين في مجال الفنون في البلدان منخفضة الدخل والبلدان التي لديها آليات استجابة ضعيفة للكوارث، فإن الحاجة إلى هذا التضامن يُعد أمرًا حيويًا. وكانت الخسائر في مجال السياحة الثقافية على وجه الخصوص، والتي "تشكل ما يقرب من 40٪ من السياحة العالمية" وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، هائلة خلال هذه الجائحة.
تُعد الحقوق الثقافية جزءًا لا يتجزأ من النظام العالمي لحقوق الإنسان، الذي يكفل الحق في المشاركة في الحياة الثقافية لجميع الأفراد. ومع ذلك، تستغل بعض الدول تفشي الفيروس كوسيلة لتجنب التزاماتها بموجب معاهدات حقوق الإنسان. كما يجب أن نتذكر أن الحد الأدنى من الالتزامات ذات الصلة بحماية وضمان الحقوق الثقافية هي مُلزمة في كل الأوقات، بما في ذلك أيضًا أثناء الأزمات وحالات الطوارئ مثل تفشي فيروس كوفيد-19. وينطبق هذا بشكل خاص على الحق في "المشاركة في الحياة الثقافية" وهو الذي يتضمن حق الجمهور في معايشة الحياة الثقافية دون تمييز. ويعتبر الفنانون والكُتّاب والمؤدون، الذين هم في نفس الوقت نشطاء في مجال حقوق الإنسان، أو أولئك الذين ينتمون إلى أقليات إثنية وعرقية، والفنانون من ذوي الإعاقة، من بين أكثر الفئات تضررًا، حيث يتأثر هؤلاء الفنانون بشكل غير متناسب خلال أوقات الأزمات، ومع ذلك، فهم يعكسون صوت المجموعات الأكثر احتياجًا وتهميشًا.
تعزز مبادئ العدالة العالمية المساواة والتضامن بين الشعوب، فضلاً عن "التعايش السلمي والمزدهر في الدول وفيما بينها"، ولا شك أن حماية وتعزيز الحقوق الثقافية للجميع دون تمييز من شأنه أن يحقق هذا التضامن بطريقة فريدة.