بقلم/ الدكتور عبدالكريم إبراهيم امحمد
في خطوةٍ نوعيةٍ نحو تحقيق الاستدامة البيئية، حقق معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، مؤخرًا إنجازًا هامًا في مشروعه الطموح للاحتفاظ بثاني أكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS).
وقد أثمر المشروع عن تسجيل ست براءات اختراع حتى الآن في مجال إدارة الكربون، كذلك تم تطوير نموذجين أوليين بنجاح وإطلاق الشركة الناشئة (acDAC12)، التي تجسّد تقدمًا ملموسًا نحو التطبيق العملي، وشارك في المشروع 16 طالبًا من مرحلتيْ الدراسات العليا والبكالوريوس، مما أتاح لهم الفرصة لاكتساب خبرةٍ قيمةٍ في مجال البحوث المتقدمة في ميدانٍ بالغ الأهمية.
ويهدف مشروع (CCUS)، الممول بمنحة من مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار، إلى تطوير تكنولوجيا مبتكرة للالتقاط المباشر للهواء للاحتفاظ بثاني أكسيد الكربون وتحويله، وهو نهج متطور قد يُحدِث ثورة في ممارسات إدارة الكربون على نطاق عالمي.
ويضم هذا المشروع فريقًا من 37 باحثًا، من بينهم 10 طلاب، حيث يعملون معًا لتوسيع نطاق الاستفادة من تقنيات الاحتفاظ بالكربون، ويسخّر هذا الفريق المتنوع الخبرات المتعددة لباحثيه من مختلف المجالات للمساهمة في إيجاد حلول مبتكرة ضرورية لتحقيق استخدامٍ مستدام للكربون. وتجمع هذه المبادرة بين عدة مؤسسات، من بينها وزارة البيئة والتغير المناخي، ووزارة البلدية والبيئة، ومؤسسة عبد الله بن حمد العطية الدولية للطاقة والتنمية المستدامة، والمؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء (كهرماء)، وشركة شِل قطر، وشركة أجريكو قطر، وجامعة قطر، وجامعة تكساس إي أند أم في قطر، ويشغل خبراء بارزون من كل مؤسسة مناصب في اللجنة التوجيهية التي تشرف على المشروع.
وينسجم مشروع (CCUS) استراتيجيًا مع العديد من أهداف دولة قطر الأساسية، فهو يدعم التزام دولة قطر بالتصدي لتحديات تغير المناخ، ويُساهم في تطوير التقنيات الرامية إلى تحقيق صافي انبعاثات صفري، ويساعد في رسم خارطة طريق للاقتصاد الدائري للكربون في قطر، ويُؤدي دورًا بارزًا في بناء قدرات الباحثين والمهندسين الموهوبين في الدولة، ويعزز الشراكات المحلية مع وزارة البيئة والتغير المناخي، ووزارة البلدية والبيئة، ومؤسسة كهرماء، لدفع عجلة الاستراتيجية الوطنية لإدارة الكربون قُدُمًا.
ما الدافع وراء إدارة الكربون؟
تستخرج تقنيات الالتقاط المباشر للهواء ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي في أي مكان، على عكس تقنيات التقاط الكربون التقليدية التي تسحب ثاني أكسيد الكربون مباشرة من مصادر الانبعاثات، مثل مصانع معالجة الغاز ومصانع الصلب، ويمكن تخزين ثاني أكسيد الكربون بشكل دائم في تكوينات جيولوجية عميقة، أو تحويله إلى منتجات ذات قيمة مضافة لمجموعة متنوعة من التطبيقات، وتؤدي عملية الاحتفاظ بثاني أكسيد الكربون واستخدامه وتخزينه دورًا محوريًا في مساعدة الدول في تحقيق الأهداف المتعلقة بالحد من الانبعاثات لمكافحة تغير المناخ ودعم التحوّل لمستقبل أكثر استدامة وفعالية في إدارة الكربون.
وتؤكد هذه المبادرة، التي تقودها قطر، على الحاجة الملحّة للتعامل مع انبعاثات الكربون كقضية وطنية ودولية بالغة الأهمية، ومن خلال تسخير تقنيات رائدة ومبتكرة، يسعى المشروع إلى المساهمة بشكل كبير في الجهود العالمية للتخفيف من آثار تغير المناخ، مع إدراك الترابط بين التحديات البيئية المختلفة. ويُتيح الابتكارُ في مجال الاحتفاظ بثاني أكسيد الكربون واستخدامه فرصًا لتحقيق صافي انبعاثات صفري وإنتاج الوقود الاصطناعي، ليُسهم بذلك في خفض التكاليف وفتح الأسواق أمام تقنيات الالتقاط المباشر للهواء، ويأتي تطوير نظم إدارة الكربون كأحد الجوانب الرئيسية لهذه المبادرة.
وعقدت اللجنة التوجيهية للمشروع اجتماعها الأول في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، حيث سلطت الضوء على التحول الذي حققته المبادرة بانتقالها من من مرحلة البحوث المتقدمة إلى مرحلة المشروع التجريبي. وخلال الاجتماع، قام الدكتور عبدالكريم إبراهيم امحمد، العالِم الأول ومدير برنامج الاحتفاظ بالكربون واستخدامه وتخزينه في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، بعرض تقريرٍ شاملٍ حول مستوى التقدم الذي تم إحرازه في المشروع، كما قام أعضاء اللجنة باستعراض خطة المشروع، واحتفوا بالإنجازات التي نجحوا في تحقيقها، وناقشوا الجهود المبذولة للحد من المخاطر المرتبطة بالجانب التكنولوجي من المشروع، وأبرز الاجتماع الالتزام المشترك لكلّ المساهمين بتطوير حلولٍ بيئية والتصدّي لتغير المناخ على المستوى الإقليمي، وقد أرسى نجاح الاجتماع الأول للجنة التوجيهية لمشروع (CCUS) أساسًا مَكِينًا لدعم استمرارية التعاون المشترك وتذليل سُبل تحقيق المزيد من الابتكارات المستقبلية في مجال الاحتفاظ بالكربون واستخدامه وتخزينه.
ويهدف النظام، الذي تم تصميمه ليكون متاحًا لاستهلاك المستخدمين النهائيين في قطر وخارجها، إلى توفير حلول عملية وسهلة التنفيذ لإدارة انبعاثات الكربون على نطاقٍ عالمي. ومن خلال الجمع بين تقنيات الالتقاط المباشر للهواء وتحويله باستخدام أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (HVAC)، فإنّ المشروع لا يعالج المخاوف المتعلقة بتغير المناخ وحسب، بل يساند أيضًا قطاعات الصحة العامة والاستدامة؛ حيث يركز المشروع، الذي يُمثّل حلاً شاملاً لتغير المناخ، على أركان الاستدامة المترابطة، مثل التنويع الاقتصادي وتحسين الصحة العامة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن التركيز الاستراتيجي للمشروع على دعم الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، من خلال تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى منتجات ذات قيمة مضافة، يعكس التزامًا راسخًا بتحقيق الأهداف الوطنية لدولة قطر من خلال اتباع منهجيةٍ شاملةٍ وفائقة الفعالية.
لقد أصبح نجاح مشروع (CCUS) ممكنًا بفضل دعمٍ مالي من مجلس قطر للبحوث والتطوير والابتكار وشركاءَ آخرين، كذلك حظي المشروع بدعم لا يقدر بثمن من مكتب رعاية البحوث ومكتب نائب الرئيس للبحوث بجامعة حمد بن خليفة، مما يدلّل على العنصر التعاوني والتشاركي البارز في هذه المبادرة البيئية الرائدة.
**الدكتور عبدالكريم إبراهيم امحمد عالمٌ أول ومديرُ برنامج الاحتفاظ بالكربون واستخدامه وتخزينه في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة.
**جميع الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن كاتبه، ولا تعكس بالضرورة موقف الجامعة الرسمي.