خبير يشرح الفارق بين الذكاء الاصطناعي القوي والضعيف
لقد وُصف الذكاء الاصطناعي بأوصاف مختلفة من قبل، فتارة يوصف بأنه الدواء الشامل لكل أمراض العالم، وتارة بأنه مؤامرة ينفذها نشطاء الدولة العميقة. وسواء كان هذا أو ذاك، فإن أثر الذكاء الاصطناعي ملحوظ في كل مكان، ولكن يبقى هناك الكثير الذي نجهله عن تطبيقاته العملية وإمكاناته على المدى الطويل.
ولفهم حقيقة الذكاء الاصطناعيّ على نحو أفضل؛ لنعد إلى أصل الموضوع. تاريخيًّا، كان الذكاء الاصطناعيّ وسيلةً لتصميم الخوارزميات، بحيث يمكنها، في بعض الحالات المحددة، محاكاة الذكاء البشريّ. ولم تتجاوز التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في البداية تطوير برامج الحاسوب التي يمكنها أن تتغلب على البشر في منافسات الشطرنج.
ومع مرور الوقت، تقدمت التكنولوجيا، وأصبح الآن هناك نوعان من الذكاء الاصطناعي: الذكاء الاصطناعي الضعيف (ذو الذاكرة المحدودة)، والذكاء الاصطناعي العام أو القوي (التفاعلي).
الذكاء الاصطناعي الضعيف هو ببساطة برنامج مصمم أساسًا لإنجاز مهام محددة، مثل مكانس تنظيف الأرضيات ذاتية التشغيل أو السيارات ذاتية القيادة. أما الذكاء الاصطناعي العام أو القوي، ففكرته تقوم على تصميم برنامج يحاكي الإنسان متعدد المهام، الذي يمكنه إنجاز عدة مهام حسب مقتضيات الموقف.
وتستند معظم الابتكارات الحديثة على الذكاء الاصطناعي الضعيف، وهناك بعض الأفكار النظرية التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي العام أو القوي ربما يكاد يكون مستحيلاً.
ومع ذلك، فإننا نستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي بالفعل في كل جوانب حياتنا تقريبًا. وقد استخدمت بعض عناصر الذكاء الاصطناعي لتحسين التوقعات وإتاحة البيانات بسهولة أكبر. فعندما نحمِّل صور أصدقائنا على سبيل المثال على الفيس بوك، فإن الموقع يتعرف على تلك الصور. وعندما نستخدم محرك البحث جوجل أو تطبيق خرائط جوجل، أو نتسوق على موقع أمازون، فإن تلك الشركات تدون ملاحظات بهذا الخصوص. لذلك، من المهم فهم الفوائد والمخاطر المرتبطة به.
وللذكاء الاصطناعي القدرة على تصنيف المعلومات، بحيث لا نرى سوى الأشياء التي يعتقد البرنامج أننا مهتمون بها، وبالتالي لا يقترح أي عناصر أخرى علينا لاستكشافها. فعلى سبيل المثال، إذا اشتريت كتابًا عن البساتين من موقع أمازون، فإن نظام الاقتراحات الموجود على الموقع سيقترح عليك شراء المزيد من الكتب في نفس الموضوع، حتى لو بحثت في المرة التالية التي تزور فيها الموقع عن كتاب عن فنون الطهي. وبالطبع لن يكون هذا هو الحال إذا كنت تتصفح رفوف مكتبة، فقد تصادف أثناء تصفحك شيئًا مثيرًا للاهتمام لم تفكر فيه من ذي قبل.
ويتمثل التحدي الآخر المرتبط بالذكاء الاصطناعي في جمع بيانات عنا - تُعرف باسم البيانات الضخمة تتعقب عاداتنا اليومية بدرجات متفاوتة. ومع الانتشار العالمي لكاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة (CCTV) المستخدمة في المدن، على سبيل المثال، فإن هذا يعني أنه من المحتمل أن تظهر في تلك الكاميرات عدة مرات يوميًّا.
ولأننا نميل إلى قضاء الكثير من الوقت على الإنترنت، فإن عاداتنا وأولوياتنا يمكن التعرف عليها بسهولة من خلال ما يسمى بالذكاء الاصطناعي الضعيف. فعلى سبيل المثال، يستطيع برنامج خرائط جوجل تحديد الوقت الذي تسافر فيه كل يوم، وتحديد عنوان منزلك، ومكان عملك، والوقت الذي تستغرقه في التنقل، وما إذا كنت قد سلكت تحويلة ما في طريقك.
وبالطبع، من خلال الهواتف الذكية، وهي إحدى الكماليات الأساسية للحياة الحديثة، يمكن تدوين جميع أنشطتنا وتقييمها. واعتمادًا على مَنْ يمتلك البيانات، من الممكن أن نصبح جميعًا جزءًا من مجتمع مراقب.
الحدود التقنية
أحد الاختبارات الشائعة لنظام التعلم الآلي هو محاولة التمييز بين صورة قطة وصورة كلب، حيث تُدَرَّب مهام الذكاء الاصطناعي على تحديد الفرق، وبدقة عالية في كثير من الأحيان. ومع ذلك، إذا تغير عدد قليل فقط من البيكسلات في صورة الكلب - وهو أمر غير محسوس بالنسبة لنا كبشر - فغالبًا ما يبدأ النظام في تحديد صور الكلب على أنها صور قطة. وهو ما يثبت أن الذكاء الاصطناعي الحديث لا يسهل خداعه. وعندما يتعلق الأمر بالخدمات الحساسة، مثل النظام الدفاعي لدولة ما، فمن المهم إدراك الحدود التقنية.
ولا يناقض ما سبق ذكره أن الذكاء الاصطناعي يزداد كفاءة كل يوم، ولا سيما في قدرته على التنبؤ، مع أن تنبؤاته غالبًا ما تسيء تفسير المعلومات التي بها اختلافات دقيقة. فيسهل بالنسبة للذكاء الاصطناعي تحديد الحقائق، ولكن من الصعب عليه تحديد "كيفية" و"أسباب" حدوثها.
ومع التقدم المشهود في الذكاء الاصطناعي، إلا أنه ينبغي أن نتذكر أن التكنولوجيا لها حدود، وأن حلم (أو كابوس) الخيال العلمي المتمثل في الذكاء الاصطناعي القوي أو العام لا يزال بعيد المنال.
مخاوف بشأن الخصوصية
في محاولة لاحتواء فقدان المواطنين لخصوصيتهم، تتدخل الحكومات على نحو متزايد في محاولة لحماية حق الأفراد في التمتع بخصوصية ضد وباء جمع البيانات وسن قانون بهذا الخصوص.
ففي العام الماضي، طبَّق الاتحاد الأوروبي لائحة حماية البيانات العامة، التي تضمن لزوار المواقع الإلكترونية أن يقرروا الموافقة على تخزين معلوماتهم باستخدام ملفات تعريف الارتباط أو رفضها.
وفي نهاية المطاف، تقع على عاتق الحكومات مسؤولية وضع إطار عمل من شأنه أن يحمي حق الخصوصية، ولكن يصعب تحقيق هذا الهدف عمليًا، نظرًا إلى سرعة تقدم الابتكارات التقنية، التي تستطيع الالتفاف حول هذه القيود.
ونحن في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، نعكف على صياغة بحث يتناول الخطوات التي يتعين على الحكومات اتخاذها للاستجابة إلى التقدم الحادث في مجال الذكاء الاصطناعي.
لقد كان التقدم التقني دائمًا في صميم التقدم البشري منذ اختراع العجلة، ومن الصعب تجنب التحديات في ظل هذا التقدم. ولا شك أن الذكاء الاصطناعي قادر على إحداث ثورة في حياتنا اليومية، ولكن من الصعب التنبؤ إلى أين ستأخذنا هذه الثورة.
نُشر لسنجاي تشاولا، مدير أبحاث تحليل البيانات في معهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة، العديد من الأبحاث على مكتبة IEEE Xplore الرقميّة.