مع استمرار تطوّر مشهد التعليم في دولة قطر، أصبح من الضرورة بمكان إيجاد بيئة أكاديمية مُنصِفة وشاملة، من خلال جعل الجامعات سهلة الارتياد من قبل ذوي الإعاقة الجسدية. وتُعدّ جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، من الجامعات التي تسعى ليس لتوفير بيئة مُرحِّبة وداعمة لطلابها وحسب، بل أيضًا لتقديم المساعدة الإدارية واللوجستية لذوي الإعاقة الجسدية الذين يرغبون بالتسجيل في برامجها.
وفي سياق تعبيرها عن قلقها أثناء عملية التسجيل، قالت خلود أبو شريدة، التي دفعها شغفها لتعلم اللغات، وتشجيع أصدقائها للتسجيل في أحد برامج معهد دراسات الترجمة بجامعة حمد بن خليفة: " في كثير من الأحيان أتساءل: هل كان الناس سيتقبّلونني بسبب إعاقتي أم لا؟ فأحيانًا يكون لدى الناس مخاوف بشأن إيجاد الموارد المناسبة، ولكن حمدًا لله أن معهد دراسات الترجمة قَبِل طَلبَ تسجيلي ورحّب بي وأبدى استعداده على إجراء بعض التعديلات لتلبية احتياجاتي الخاصة".
وقد أتمّت الطالبة خلود التي تعاني من ضعف في البصر منذ الولادة كثيرًا من مراحل دراستها في الخارج. وقد ذكرت أن أربعة من أطفال عائلتها الأحد عشر مصابون بالعمى، إلّا أن والدتها ووالدها الراحل كانا على الدوام يدعمون مسيرة تطوّرها. وأضافت خلود قائلة: "لا تُخبرني والدتي أبدًا بما يتوجب علي القيام به، بل تسمح لي أن أقرّر بنفسي ما أريد وبحرية تامة. وقد اعتاد الناس أن يتساءلوا لماذا تُرسل طفلها الكفيف إلى المدرسة؟ لكنها وقفت في وجه المجتمع لدعم تعليمنا. وسوف أبقى عاجزة عن ردّ جميلها ودعمها غير المشروط ما حييت. كما شجعتني شقيقتي الأكبر سنا والكفيفة أيضًا، إذ ما انفكت تقول لي: إنه مهما كان لديكِ من أحلام وطموحات فإني سأكون سعيدة جدًا بأن أكون أنا من يحققها".
وبعد حصولها على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية والاتصال الجماهيري، بدأت خلود في العمل كمحررة نصوص في قناة الجزيرة للأطفال عام 2013. وانطلاقًا من حرصها على مواصلة دراستها، تقدمت للتسجيل في أحد برامج معهد دراسات الترجمة لترفع مستوى التحدي مع نفسها، لتكون مصدر إلهام، ليس لإخوتها فقط، بل لغيرهم من الكفيفين أيضًا.
وتقول حول ذلك: "فيما يخصّ أمثالي من ذوي الإعاقة، فإن الناس قد يتساءلون عما يمكنني القيام به. وقد أردت أن أفعل شيئًا استثنائيًا لجعل الناس يؤمنون بي، ويُشجعونني على الإيمان بنفسي. وأنا أحب خوض غمار التحدّي، وأريد أن أقول للناس أنني أستطيع أن أفعل ما يمكنكم فعله. وأنا هنا لا أستطيع أن أدّعي أنني شخص خارق، ولكن على الرغم من إعاقتي فأنا في الأساس شخص عادي مثل أي شخص آخر".
وفي الغالب تُقدّم خلود المهتمة جدًا بوضع نظرية الترجمة موضع التطبيق نظرة عميقة لمعهد دراسات الترجمة حول مشاريعه الخاصة بالترجمة السمعية الوصفية الموجّهة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يصف المترجمون بشكل صوتي الأفلام المصورة، ويُوفّرون توجيهات وصفية للمتاحف، أو يقومون بتطوير مواد لَمْسية لتفسير المحتوى المرئي. وقد أشارت الدكتورة جوسيليا نيفيز، الأستاذة المشارك في جامعة حمد بن خليفة والمسؤولة عن تعزيز مبادرات التعلم السهلة الوصول في معهد دراسات الترجمة قائلةً: "لقد أتاح عدم القدرة على الرؤية لخلود أن تكون أفضل في مجال الإصغاء، وتساعد أسئلتها حول المعلومات البصرية أولئك الذين يُبصرون في إدراك ما لا يُلاحظونه".
وتعمل خلود الطالبة الطموحة الآن على إعداد فِلْم رسوم متحركة كأطروحة نهائية لدراستها في معهد دراسات الترجمة. حيث ستقوم بكتابة النص؛ ليتم تطوير الفلم بناء على ذلك، ثم تسجيل الصوت وترجمته، وكتابة تعليق حول الأساليب التي استخدمتها. وفي معرض حديثها عن هذا المشروع، قالت: "لقد أسميت الفِلم ’الأميرة الكفيفة‘. وقد استوحيته من السؤال "لماذا تبدو الأميرات دائمًا مثاليات؟ لماذا لا تستطيع إنسانة لديها إعاقة أو لا تستطيع الرؤية أن ترى نفسها كأميرة؟". والرسالة التي أرغب في نقلها هي أن الجمال جمال الروح والقلب".
وعلى الرغم من ملاحظتها أن الصغار والكبار قد يستمتعون بمشاهدة فيلمها ويستفيدون منه، إلا أنها تستهدف به بشكل رئيس الأطفال في قطر، آملة تثقيف ذوي الإعاقات، وتحطيم الحواجز في المجتمع، ومواجهة النظرة النمطية المُضِرة تجاههم.
وقد عبّرت خلود عن امتنانها العميق وشكرها لأساتذة معهد دراسات الترجمة على تعاونهم ومساعدتها داخل الصفوف الدراسية وخارجها.
وتحدث الدكتور نيكولاس جودبودي أحد أساتذة خلود في معهد دراسات الترجمة قائلاً: "لقد تم قبول خلود في برنامج ماجستير دراسات الترجمة بسبب سجلها الأكاديمي المميز واهتمامها الكبير بمجال الترجمة. ونقوم في الصف بتزويدها بالفرص نفسها التي نُقدّمها لغيرها من الطلاب لتطوير معارفها. ونحن نراعي احتياجاتها الخاصة الناتجة عن طبيعة إعاقتها، إلّا أن هذه الاحتياجات الخاصة لم تكن أبدًا عائقًا أمامها للحصول على الاستفادى القصوى من البرنامج، بل على العكس تمامًا، منحتها تلك الإعاقة منظورًا فريدًا في مجال الترجمة".
وأضافت الدكتورة نيفيز: "إن خلود هي أحد الأصول الهامة لنا في المعهد. وقد أتاح وجود طالب يعاني من ضعف البصر في ضمن طلاب المعهد للمُعلمين إعادة التفكير في استراتيجيات التدريس والمواد التعليمية. وقد جعلتنا خلود نتساءل: هل كانت المواد التدريسية التي نقدمها واضحة، وفي متناول قرّاء شاشة العرض؟ وهل كانت المواد المصورة ذات صلة؟ وبدلاً من تقديم معهد دراسات الترجمة حلولًا خاصة لخلود فقد أتاحت خلود للمعهد فرصة لإعادة التفكير في مناهج التدريس والتعلّم، لجعل إمكانية الوصول إلى المعهد أكثر سهولة لجميع الطلاب".
وكانت جامعة حمد بن خليفة قد أعلنت عن فتح باب قبول طلبات التسجيل للعام 2016 عبر مجموعة واسعة من البرامج الأكاديمية وذلك في إطار التزامها بمساعدة طلابها لإطلاق إمكاناتهم. وسوف تستضيف الجامعة لقاءً مفتوحًا لطلاب الدراسات العليا يوم السبت الموافق 14 نوفمبر في مركز الطلاب من الساعة الخامسة مساءً حتى السابعة مساءً، حيث تُوفر للطلاب الفرصة لمعرفة المزيد عن برامج الدراسات العليا في جامعة حمد بن خليفة، وتتيح لهم لقاء أعضاء هيئة التدريس. ويمكن للمهتمين بحضور هذا اللقاء تأكيد حجزهم من خلال الإنترنت عبر الرابط الإلكتروني: http://www.hbku.edu.qa/openhouse.