الابتكار تيسير الوصول للخدمات في زمن الجائحة: لماذا يجب ألا نتخلى عن أحد
الدكتورة دينا آل ثاني
"توضح الجائحة الدور الحيوي للتقنيات الرقمية. و يلتزم الاتحاد الآن أكثر من أي وقت مضى بالاستفادة من عضويته المتنوعة لجعل البشرية أكثر أمانًا وترابطًا."
الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات هولين جاو
تسبب فيروس كوفيد-19 في تسريع المبادرات الرقمية على العديد من المستويات. وبدءًا من المنظمات الحكومية ووصولًا إلى مقدمي الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية، أصبحت شبكة الإنترنت أكثر شيوعًا. ويتطلب واقع اليوم تحولًا افتراضيًا للمؤتمرات الدولية وخدمات الرعاية الصحية، حيث أصبح التعلم عن بعد هو المعيار الجديد للعديد من المؤسسات الإرشادية. ولعل الأهم من ذلك أن الحكومات والهيئات التابعة لها تتواصل الآن مع الجمهور من خلال الوسائل الرقمية.
ويعني واقعنا الذي نعيشه اليوم أنه لا يمكننا التواصل والاستمرار إلا من خلال الوسائل الرقمية. ولهذا السبب، يجب أن تكون هذه المنصات متاحة للجميع. كما يعني الوضع الحالي أن تيسير سُبل الوصول إلى المعلومات والخدمات لم يعد أمرًا اختياريًا، حيث يمتلك الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل المعاقين وكبار السن، حقًا إنسانيًا وأساسيًا في الحماية التوعوية. ويمكن أن تؤدي عدم المساواة الرقمية إلى نقص الوصول إلى المعلومات بشأن التدابير المهمة لضمان السلامة العامة، مما يعرض الأشخاص ذوي الإعاقة لخطر الإصابة بالعدوى.
تيسير وصول الجميع للخدمات
الجهود العالمية لضمان تيسير سبل وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات قائمة منذ عقدين على الأقل. فقد أكدت اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي تم الإعلان عنها لأول مرة في عام 2007، على الصلة المهمة بين تيسير الوصول إلى المعلومات والتعريف المتطور للإعاقة من خلال المادة 22. كما حظيت الاتفاقية بدعم واضح كواحدة من أهم المستندات المعنية بحقوق الإنسان في التاريخ. وسرعان ما وقعت مائة وستون دولة على الاتفاقية في نسختها الأولى في عام 2007، وصادقت 126 دولة عليها في غضون السنوات الخمس الأولى. وقد كانت دولة قطر من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2008.
وقامت العديد من الحكومات بدمج تيسير سبل الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أنظمتها التشريعية من خلال تنفيذ المبادئ التوجيهية الخاصة بها، أو اعتماد المبادئ التوجيهية للاتحاد الدولي للاتصالات. وفي أبريل من عام 2015، سنت دولة قطر قانونًا بشأن الأشخاص ذوي الإعاقة، شمل جميع الحقوق المحددة في بنود الاتفاقية. وقبل ذلك، شاركت دولة قطر في جهود واعية لدعم إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات. ففي عام 2009، أنشأ المجلس الأعلى لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات مؤسسة مدى (مركز قطر للتكنولوجيا المساعدة)، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة على الاستعانة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
المناصرة خلال الجائحة
وفي إطار جهودها للتوافق مع الاتفاقية، أصدرت دولة قطر أيضًا سياسة تيسير الوصول الإلكترونية الوطنية في عام 2011، التي تهدف إلى رفع تيسير الوصول عبر جميع المنصات الرقمية المعتمدة محليًا. وتستمر الدولة في تبني دور أساسي وحاسم في الدفاع عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. ففي عام 2019، عقد المؤتمر الدولي للإعاقة والتنمية بتوجيه ورعاية من سمو الشيخة موزا بنت ناصر، مؤسس مؤسسة قطر للعمل الاجتماعي. وشهد المؤتمر، الذي حضره قادة العالم و1500 من صانعي السياسات والممارسين، إعلان مدينة الدوحة الذي وجهت فيه المادة 5 نداءً مؤثراً "لضمان عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من نظام التعليم، عبر تعزيز نظام تعليمي يتسم بالشمولية، بما في ذلك تبني البيئات والمرافق والتقنيات المساعدة للإعاقة. "
وفي ضوء الجائحة، اتخذ العالم عددًا من التدابير لضمان تيسير الوصول إلى المنصات الرقمية في الشركات والمؤسسات التعليمية، وربما الأهم من ذلك، خدمات الرعاية الصحية. كما أصدر برنامج الإدماج الرقمي للاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية مجموعة من المبادئ التوجيهية لإعادة تأكيد إمكانية الوصول إلى المعلومات والخدمات والمنتجات الرقمية لجميع الأشخاص، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، خلال الجائحة. وبالمثل، أطلقت الأمم المتحدة نداءً للعمل مايو 2020، سعت من خلاله إلى تحقيق أعلى المستويات الصحية الممكنة للأشخاص ذوي الإعاقة، مع التشديد على دور إمكانية الوصول الرقمي في تحقيق هذا الهدف. كما لفتت الانتباه إلى الطرق العديدة التي يمكن من خلالها للتكنولوجيا تمكين الترابط الاجتماعي. وأخيرا، أطلق مركز مدى في دولة قطر منصتين لدعم الوصول إلى المعلومات الشاملة في قطاعات التعليم والثقافة والمجتمع.
عالم خالٍ من الاستبعاد الرقمي
وعلى الرغم من هذه الجهود، لا تزال نسبة كبيرة من الأشخاص ذوي الإعاقة حول العالم مستبعدين رقميًا بسبب العقبات التقنية وعدم قدرتهم على تحمل التكاليف المرافقة لها. ويضيف غياب المساواة عبئًا إضافيًا مع زيادة فرص التعرض للفيروس نفسه، والعواقب الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية الأخرى للجائحة. ولقد حان الوقت ليجتمع العالم ولا يترك أحدًا خلفه، كما يجب أن تكون جهودنا منسقة وأن تكون أعمالنا متسقة. وفي هذا الصدد، لدى صناع السياسة العالمية والقادة والباحثين والأفراد العاديين دور مهم في إحداث هذا التغيير. وعندما يحدث تغيير مهم، سيكون العالم الذي نعيش فيه اليوم قادرًا على حماية الشمول الرقمي، مرة واحدة وإلى الأبد.