شراكة أمريكية قطرية للبحث عن المياه الجوفية في صحراء

شراكة أمريكية قطرية للبحث عن المياه الجوفية في صحراء الكرة الأرضية

02 ديسمبر 2020

شراكة أمريكية قطرية للبحث عن المياه الجوفية في صحراء الكرة الأرضية

تُعد دراسة البيئات الأكثر جفافًا على كوكب الأرض من أكثر الدراسات صعوبة، وذلك لنوعية الأراضي التي تخضع للفحص والدراسة، مثل المساحات الرملية الموجودة في الأجواء شديدة الحرارة مثل الصحراء الكبرى أو المناطق الجليدية شديدة البرودة، مثل تلك الموجودة في جزيرة جرينلاند الواقعة بين منطقة القطب الشمالي والمحيط الأطلسي، وفي القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا).
تتعرض هذه المناطق القاحلة لكمية قليلة جدًا من هطول الأمطار على مدار السنة، ومن ناحية أخرى، فإن تأثير تغيّر المناخ على هذه البيئات غير واضح بشكل جيد. من هنا، تهدف الجهود المشتركة للإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) ومؤسسة قطر  إلى معالجة هذه التحديات، وبالتالي، مساعدة المجتمعات التي تتأثر بالتغيّر المناخي.

يعمل الباحثون في مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية في الوقت الحالي على تصميم مهمة تنفذ عبر الأقمار الصناعية؛ لاستكشاف الكثبان الرملية والغطاء الجليدي لبعض المناطق الأكثر جفافًا على كوكب الأرض، باستخدام تقنية رادارية مماثلة لتلك التي تستخدمها مركبة استطلاع كوكب المريخ التابعة لناسا. يهدف هذا المشروع بشكل أساسي إلى اكتشاف ورصد مصادر المياه العذبة الجوفية، التي تُسمى بطبقات أو خزانات المياه الجوفية، حيث أن العديد من هذه الخزانات تتواجد في صحراء شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، فضلاً عن مناطق أخرى في طور النضوب السريع نتيجة لدعم الاحتياجات المحلية للمجتمعات. 

في نفس الوقت، تتعرض طبقات المياه الجوفية في المناطق الساحلية للتهديد بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن ذوبان الكتل الجليدية في مناطق مثل جرينلاند. وبالتالي، تعمل المياه المالحة الناتجة عن ارتفاع منسوب البحار على تلويث المياه العذبة في طبقات المياه الجوفية، وهذا يعني أنها لن تؤثر فقط على مياه الشرب، ولكن أيضًا على الزراعة الإقليمية والأمن الغذائي. وهنالك هدف آخر ثانوي للمشروع وهو اكتساب فهم أفضل لكيفية مساهمة ذوبان الكتل الجليدية في ارتفاع مستوى سطح البحر.

بموجب اتفاقية قانون الفضاء المبرمة بين ناسا ومؤسسة قطر، ممثلة في جامعة حمد بن خليفة ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لها، من المقرر أن يعمل باحثون من مختبر الدفع النفاث التابع للوكالة، ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، على تصميم المهمة البحثية لمشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية؛ لدراسة المياه الجوفية بالمناطق الصحراوية، وسُمك الطبقات الجليدية بالمناطق القطبية. 

أبحاث علمية في الصحراء

يسعى المشروع إلى تثبيت قمر صناعي في مدار كوكب الأرض لرسم خرائط تعكس توزيع طبقات المياه الجوفية الضحلة تحت أسطح المناطق الصحراوية في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية. ويخطط العلماء لاستخدام أداة رادارية لقمر صناعي لدراسة كيفية نشأة خزانات المياه الجوفية، وكيفية تحركها تحت الصحاري من خلال نظام معقد من التشققات الجوفية التي تنتشر كالشبكة العنكبوتية بين طبقات المياه الجوفية. ومن المتوقع أن تساعد البيانات التي يتم جمعها خلال هذه العملية في كيفية إدارة خزانات المياه الجوفية.

وفي هذا الصدد، قال جيمس جراف، مدير علوم وتكنولوجيا الأرض في مختبر الدفع النفاث في جنوب كاليفورنيا: "المجتمع العلمي متحمس لهذه المهمة، ومن المقرر أن يكون مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية أول رادار محمول في الفضاء مصمم خصيصًا للكشف المباشر عن المياه الجوفية على سطح الكرة الأرضية."

من جهة أخرى، يعتزم باحثو المشروع أيضًا دراسة تضاريس الأرض تحت الغطاء الجليدي في جزيرة جرينلاند وقارة أنتاركتيكا؛ لتحديد خصائص مثل سُمك هذا الغطاء الجليدي والمسارات التي يتدفق من خلالها الجليد إلى المحيط. ويمكن أن تغذي هذه المعلومات نماذج لاستجابات الغطاء الجليدي حاليًا ومستقبلاً لظاهرة التغيّر المناخي، مما سيساعد الباحثين على فهم أفضل لمساهمات الغطاء الجليدي في ارتفاع منسوب سطح البحر.

من جانبه، صرح الدكتور عصام حجي، الباحث الرئيسي في المشروع ورئيس فريق العلماء ومدير الأبحاث في برنامج علوم الأرض في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، قائلاً: "تستجيب المناطق الصحراوية الدافئة والباردة للتغيّرات المناخية من خلال التمدد والانكماش على التوالي،" وأردف قائلاً إن "دراسة القوى الدافعة لهذه التحولات ستمنحنا نظرة ثاقبة بشأن تطور المناطق الصحراوية على كوكب الأرض."

وفي دراسة مسحية لتحديد مجالات تركيز علوم الأرض، من المقرر أن تستمر لعقد من الزمان بين عامي 2017 و2027، أشارت الأكاديميات الوطنية للعلوم إلى أن اكتساب فهم أفضل لهذه المناطق القاحلة كان أحد الأولويات المتعددة. 

وفي هذا الصدد، قال جيرالد باودن، عالم ببرنامج ناسا في مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية: "حددت الدراسة الاستقصائية العقدية للأكاديميات الوطنية لعام 2017 لعلوم وتطبيقات الأرض من الفضاء الحاجة إلى فهم ديناميكيات الخزانات الجوفية ومساهمات الغطاء الجليدي في ارتفاع مستوى سطح البحر. ومن المقرر أن يستكشف المشروع نهجًا تكميليًا واعدًا للرصد، يمكنه أن يساهم في صياغة فهمنا لهذين المجالين من أبحاث علوم الأرض."

عودة الإشارة

وسيصمم فريق المشروع، الذي يقوده أرتور شيملوفيسكي، مدير دراسات مشروع الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية في مختبر الدفع النفاث، والدكتور حجي، مهمة عبر الفضاء، تستخدم تقنية رادارية مماثلة لتلك التي طوَّرتها مركبة استطلاع كوكب المريخ لاستكشافها تحت سطح المريخ. ومن المتوقع لهذا الجهاز قيد النظر والتقييم لمشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية، وهو رادار مسباري بقوة 50 ميغاهرتز، أن يرصد ما يصل إلى 1.8 ميل (3 كيلو مترات) من الجليد وحوالي 330 قدمًا (100 مترًا) من الرمال.

تتميز إشارة الرادار بحساسيتها للتغييرات الواقعة في الخواص الكهربائية تحت سطح الأرض التي تسببها الصخور، والرواسب، والتربة المشبعة بالمياه، والجليد، وبرك المياه. وتمتص بعض من هذه المواد الإشارة أكثر من غيرها. ويفحص الباحثون مقدار ارتداد الإشارة إلى الجهاز، وكذلك المدة التي تستغرقها الإشارة للعودة، من أجل تطوير صورة لما تبدو عليه منطقة محددة تحت سطح الأرض. 

وفي مهمة لإثبات صحة هذه المفاهيم عام 2011، طار الباحثون بطائرة هليكوبتر فوق خزانات المياه الجوفية المعروفة جيدًا في باطن أرض صحراء الكويت، للتأكد من أن أداة المسبار الرادارية يمكن أن تكتشف هذه الخزانات. وقام الباحثون بعدة رحلات جوية مماثلة فوق أراضٍ صحراوية أخرى في سلطنة عمان والمملكة المغربية. وسوف يوسع مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية نطاق تلك الجهود الأولية من أجل صورة أكثر عالمية.

من جانبه، صرح الدكتور مارك فيرميرش، المدير التنفيذي لمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، قائلاً: "أصبح الأمن المائي قضية عالمية لعدد متزايد من البلدان في جميع أنحاء العالم وخارج ما تسمى بالمناطق القاحلة."

وأردف قائلاً: "يأتي هذا المشروع في طليعة البحوث التي تتناول هذا المجال، وسيزود قطر والمجتمع العلمي بأسره بأداة مبتكرة، من شأنها أن تؤسس لاستجابات رئيسية في هذا المجال، وأن تدعم عملية صنع القرار فيما يتعلق بالموارد المائية، وأن تساعد في تحديد المسارات اللازمة لتأمين الحصول على المياه للسكان. إنني سعيد وفخور بشكل خاص أن معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة يتعاون مع ناسا من أجل عالم أفضل ومستقبل علمي أكثر ازدهارًا."

ومن المقرر أن يقضي الباحثون والمهندسون المشاركون في مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية العامين المقبلين في صياغة مفاهيم هذه المهمة.