د. نيقولاس سفونتس-جودبادي، أستاذ مساعد ومنسق برنامج الماجستير في دراسات الترجمة، يلقي الضوء على دور الترجمة في انتقال وتبادل الإنتاج الأدبي والفني بين ثقافة ما وآخرى، وهو يتقفى أثر دعاية سنيكرز التي تنتشر بشكل فيروسي وعبارتها الشهيرة "أنت شخص آخر وأنت جائع".
هل شاهدت دعاية قطعة الحلوى، حيث يشاهد مجموعة من الشباب مباراة في كرة القدم، ويقومون بتوبيخ أحدهم لكونه تحول لشخص دراماتيكي للغاية عندما يستدعي حكم المباراة أحد اللاعبين بشكل سيء: "أحمد ... أنت تكون أسوء من المسلسلات المكسيكية الطويلة وأنت جائع!" فكيف عرف الشباب العربي عن المسلسلات المكسيكية الطويلة، وكيف يجد المشاهد العربي هذه الدعاية مضحكة؟ تمكن الإجابة على هذا السؤال في تاريخ عرض المسلسلات القادمة من دول أمريكا اللاتينية في العالم العربي.
ظهر مصطلح المسلسلات الطويلة (Soap Operas) في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانت الغاية منها جذب المشاهدين ومعظمهم في المنازل طوال فترة النهار، والمسؤولين التنفيذيين في الراديو ليتحولوا إلى الاهتمام بدراما التليفزيون. ففي أمريكا اللاتينية، كانت المسلسلات الدرامية تُسمى بالمسلسلات الطويلة، وقد خرج هذا النوع من الأعمال الفنية من رحم الروايات الرومانسية ومسرح الميلودراما التي زخر بهما القرن التاسع عشر. كما أن هذه المسلسلات ترتبط إرتباطًا وثيقًا بالحكايات الوطنية، والموضوعات التعبوية التي تهدف إلى بناء الأمة وتطورها.
وتحتل الدراما التليفزيونية، من وجهة النظر الاقتصادية، مكانة خاصة بين البرامج الترفيهية على مستوى العالم. ففي الدول التي تعوذها الإمكانيات الأساسية اللازمة لإنتاج البرامج، تعمل على إنتاح عدد كبير من الحلقات وبتكلفة قليلة، لتساعد هذه المسلسلات في الحفاظ على استقرار أعداد المشاهدين في الساعات التي تقل فيها المشاهدة. هذا هو السبب الذي يكمن وراء تدفق المسلسلات الطويلة من الولايات المتحدة الأمريكية نحو دول أمريكا اللاتينية قبل تطوير الانتاج المحلي في دول المكسيك والبرازيل وفينزويلا والارجنتين في الخمسينيات من القرن الماضي. إنه نفس السبب الذي أدى إلى انتشار مسلسلات دول أمريكا اللاتينية في أوروبا الغربية في الثمانينيات وفي أوروبا الشرقية في التسعينيات من القرن الماضي.
لكي نرى كيف ينطبق هذا على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سوف أركز على دولة المغرب وقناة 2M المغاربية، التي تأسست في 1989، وكانت أول قناة ناطقة بالعربية تعرض مسلسلات تليفزيونية من أمريكا اللاتينية مثل مسلسل (Tú o nadie) وترجمته: "أنت أو لا أحد"، ومسلسل "غوادلوبي" (Guadalupe). وقد حصل المسلسلان على شعبية كبيرة بين المشاهدين المغاربة في التسعينيات من القرن الماضي، بسبب سهولة متابعة خيوط الحبكة الدرامية وبعض الجوانب الغريبة المثيرة للانتباه، التي تختلف عما تعوده المشاهد المغربي من خبرات وعلاقات عائلية ورومانسية مختلفة. والأهم من ذلك، أن عرض هذه المسلسلات كان نهجًا اقتصاديًا لملء الفراغ الموجود في البث التليفزيوني.
أحد الجوانب المشوقة في ترجمة هذه المسلسلات للمشاهد العربي أنها كانت تذاع مدبلجة باللغة العربية الفصحى. فمن ناحية يتذكر المشاهد العربي هذه المسلسلات بنوع من الحنين للماضي حيث أنها كانت تساعده في الحفاظ على لغته العربية. ومن ناحية آخرى، كانت لغتها الرسمية والدرامية بدرجة مفرطة هي نفسها التي جرى محاكاتها في إعلان سنيكرز التي ذكرته بعاليه.
غالباً ما يهتم الناس بدراسات الترجمة رغبة منهم في التدرب على القيام بمهام المترجمين. بالطبع هذا مكون أساسي من مكونات برنامج ماجستير دراسات الترجمة في جامعة حمد بن خليفة (HBKU). لكن دراسات الترجمة عملية أشمل بكثير من كونها مجرد تطوير مهني. كما أن دراسات الترجمة - باعتبارها تخصص مستقل - تعمل على توضيح سبل انتقال وتبادل الانتاج الأدبي والفني عبر الحدود والقوميات واللغات المختلفة. كما تكشف عن كيفية تعرض هذا الانتاج للتغيير وفقًا لاحتياجات المشاهدين الجدد، وبسبل التغيير لدى هؤلاء المشاهدين من خلال هذه الأفكار الجديدة. وبينما يبدوا الأمر هامًا من الناحية العلمية أن ندرس كيف تحدث هذه العملية في "الفن الراقي"، فمن المهم أيضًا وبنفس الدرجة أن ندرس انتقال الثقافات الشعبية.
وإجمالًا نقول أنه مازال هناك الكثير الذي يجب أن نتعلمه من إعلانات التليفزيون ومسلسلاته. إذن لما لا ندرس هذه الموضوعات في (HBKU)؟