أهمّ المبادرات للتصدّي لظاهرة فقدان التنوّع البيولوجي وحماية الطبيعة: الدور الهام للقانون البيئي الدولي

بقلم: الدكتور داميلولا أولاوي، الحاصل على لقب كبير المحامين في نيجيريا، وأستاذ القانون، وأستاذ كرسي اليونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة، و إيلينا أثوال زميلة أبحاث في كلية القانون، بجامعة حمد بن خليفة

الهيئة:  كلية القانون
يتطلب المعدل المتنامي لفقدان التنوع البيولوجي من المؤسسات في جميع أنحاء العالم تنفيذ الالتزامات الدولية المناسبة لمكافحة هذه الأزمة

في ختام مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي في نسخته الخامسة العشر، والذي انعقد بمدينة مونتريال في شهر ديسمبر 2020، احتفلت البلدان المشاركة باعتماد إطار كونمينغ - مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي، الذي حدّد أهدافًا عالمية ينبغي تحقيقها بحلول عام 2030، والتي تتمثّل في الحفاظ على التنوع الكبير للنباتات والحيوانات والموارد البيولوجية الأخرى التي تتشكل منها بيئتنا.

تُعتبر هذه الاتفاقية التاريخية الأحدث في سلسلة المبادرات العالمية، التي من ضمنها اتفاقية التنوع البيولوجي، و بروتوكولي كارتاخينا وناغويا، والتي بدورها تهدف إلى الحدّ من الفقدان السريع للموارد البيولوجية التي لا تقدّر بثمنٍ بالنسبة لكوكبنا، والتي بفقدانها لا يستطيع الكائن البشري وعناصر أخرى من النظام البيئي البقاء بشكل سليمٍ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا اختفى النحل، تتقلّص المحاصيل الزراعية، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نقص في المواد الغذائية، وتفاقم ظاهرة الجوع وانهيار صناعة الأغذية العالمية تمامًا. 

وبالإضافة إلى القيمة الجوهرية وقيمة النظام الإيكولوجي لهذه الموارد البيولوجية، والقيمة الاقتصادية الهائلة التي تقدمها، لا سيما من خلال تنويع مصادر الإيرادات المتأتية من السياحة والمجالات ذات الصلة، فإنها توفر الدعم المحوري للأجيال الحالية والمقبلة من أجل البقاء.

ومع ذلك، فإن الاجهاد البيئي الذي يتمثّل في تدمير موائل الحياة البرية، واستغلال الأنواع النباتية والحيوانية بشكلٍ عشوائيٍّ، وممارسات الصيد غير المشروعة، واستخدام مبيدات الآفات السامة، والاتجار غير المشروع بالنباتات والموارد الحيوانية، وتداعيات التغيّر المناخي، فضلًا عن غياب الوعي البيئي والتثقيف البيئي طيلة سنوات عديدة، ساهم في فقدان التنوع البيولوجي بسرعة قياسية في جميع أنحاء العالم، والذي تطلب نداء استغاثة وضرورة قصوى لوضع آليات قانونية عاجلة.

وفي هذا السياق، توصّلت مؤخّرًا إحدى الدراسات الحديثة الى أمرٍ ينذر بالخطر، وهو أن الثديات البرية على وجه الأرض تمثّل أقل من 10 % من إجمالي الكتلة الحيوية للإنسان، وأقل من 4 % من كتلة الحيوانات الأليفة، فقد ظهرت هذه النتائج إثر تقرير التقييم العالمي الأخير حول التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي الذي قدّمته المؤسسات العلمية، والتي من ضمنها المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية، وتقرير التقييم السادس، لتغير المناخ لعام 2022: الآثار والتكيف وقابلية التأثر، الذي أصدره الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، والذي حذّر من السرعة القياسية المسجّلة في ظاهرة فقدان التنوع البيولوجي وتدهور الأراضي.

وفي هذا الصدد وبعد تداعيات جائحة كوفيد 2019، تعالت الأصوات التي تنادي بضرورة إرساء علاقة أكثر توازناً مع الطبيعة وجميع عناصر النظام الإيكولوجي، وذلك من أجل العمل على الحدّ من وتيرة ظهور الأوبئة والأمراض الحيوانية المنشأ، أو بمعنى آخر الأمراض المعدية التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر، في المناطق التي لم تتواجد فيها من قبل.

على الرغم من مرور عقود من المبادرات، لا تزال الجهود المبذولة للحدّ من المخاطر البيئيّة غير ناجعة، ويرجع هذا القصور الى عدّة أسباب، ومن أهمّها غياب التنفيذ المستدام والمتّسق لعدد كبير من الاتفاقيات الدولية الهادفة للتصدّي والحدّ من فقدان التنوع البيولوجي؛ فعلى سبيل المثال، ما يسعى اليه أصحاب المشاريع ومؤسسات الأعمال في القطاعات الاقتصادية الرئيسية من خلال تخطيطهم لتجاوز تقييم الأثر البيئي، من شأنه أن يهدّد بشكل ملموسٍ الموائل النباتية والحيوانية، وفي هذا الصدد ينبغي على الجهات الفاعلة في الشركات انتهاج عقلية مختلفة غير الامتثال، وبدلًا من ذلك يجدر وضع مسألة الحفاظ على الطبيعة وحمايتها واستعادتها، في صميم صنع القرارات التجارية والخطط الاستثمارية. 

وبالتالي، فإنّ عدم إدماج التنوع البيولوجي والمحافظة على الطبيعة في تصميم جميع الجهود الإنمائية والموافقة عليها وتمويلها وتنفيذها، من شأنه أن يؤدّي إلى استمرار تفاقم فقدان التنوع البيولوجي، وفي هذا الصدد ينبغي على اللوائح والخطط الاستراتيجية لحماية الأنواع النباتية والحيوانية، تسليط الضوء على هذه المصالح المتنافسة وتحقيق التوازن بينها، وضمان دمج مبادرات الحفاظ على التنوع البيولوجي في جميع الخطط الانمائيّة، وذلك من أجل تعزيز أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والحفاظ على التنوع البيولوجي واستخدامه المستدام.

كما أنّ العالم يواجه تحدّيًا آخر، وهو الحاجة الملحة لإيجاد التمويل اللازم، الذي من شأنه أن يدفع وتيرة الجهود الرامية إلى التصدّي والحدّ من فقدان التنوع البيولوجي، وبينما تتّفق جميع الدول وكل المعنيين حول الحاجة الملحة لدمج مبادرات الحفاظ على التنوع البيولوجي في جميع الخطط الانمائيّة، فلا تزال الجهود لجمع التمويل المالي المطلوب لا تفي لغرض تنفيذ مثل هذه البرامج.

وقد أصدرت الأمم المتحدة مؤخّرًا تقريرًا يؤكّد على وجود عجزٍ ماليٍّ يقدّر بنحو 700 مليار دولار أمريكي سنويًا، ينبغي تسديده من أجل تحقيق حماية التنوع البيولوجي بحلول عام 2030؛ وبالإضافة إلى تكلفة إصلاح النظم الإيكولوجية المتدهورة، فإنه ينبغي إيجاد التمويل اللازم لتوفير الأدوات التكنولوجية، والمعدات اللازمة، وتنمية القدرات، ومركبات الدوريات، وذلك من أجل رصد الممارسات الخارجة عن القانون، وفرض الامتثال للوائح القانونية، وردع قاطعي الأشجار وممارسي الصيد الغير مشروع، وفي إطار التعافي بشكل أفضل من جائحة كورونا- كوفيد 19 وما ترتّبت عنها من تداعيات على المجالات الاقتصادية، فينبغي على جميع الدول أن تولي الأهمّية القصوى لتقديم الدعم المالي والمؤسّسي والتكنولوجي لوكالات الحفاظ على البيئة، وكذلك المؤسسات البحثية، وذلك للحفاظ على برامج رصد وتنفيذ خطط المحافظة على التنوّع البيولوجي.

وتسعى مؤسسات التعليم العالي الى تأدية أدوارٍ حاسمةٍ، في تطوير برامج مبتكرة لتدريب وتزويد المهتمّين بهذه القضايا بالمهارات المتطوّرة اللازمة، لدمج مبادرات التنوع البيولوجي في أنشطتها وسلسلة قِيمها.

وخلال مؤتمر فقهاء القانون البيئي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نسخته الرابعة، حول التنوع البيولوجي، والذي شاركت في تنظيمه كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، قام الخبراء، مثل فقهاء القانون البيئي الدولي والعلماء والمحامين وأصحاب المصلحة في القطاع الصناعي والمؤسسات المالية والمنظمات الدولية، بمحاولات حثيثةٍ لتعزيز التعليم والقدرة على التنمية، خاصّة أن هناك حاجةٌ ملحّةٌ إلى طرح المزيد من برامج تنمية قدرات الخبراء، وذلك من أجل تسريع وتيرة الوعي واكتساب المهارات لدعم التنفيذ الفعال لمجموعة من الاتفاقيّات البيئية الدولية المتعلقة بالتنوع البيولوجي.

الدكتور داميلولا أولاوي، الحاصل على لقب كبير المحامين في نيجيريا، وأستاذ القانون، وأستاذ كرسي اليونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة بجامعة حمد بن خليفة، ومؤلّف الكتاب الحائز على جوائز القانون البيئي في الدول العربية (الذي أشرفت على إصداره دار جامعة أكسفورد للنشر عام 2022). 

إيلينا أثوال طالبة بالسنة الثالثة في برنامج دكتور في القانون، وزميلة أبحاث في كرسي اليونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة بجامعة حمد بن خليفة، ومؤسّسة ورئيسة نادي جامعة حمد بن خليفة للطاقة والبيئة.

ملحوظة: الرؤى ووجهات النظر الواردة في المقال تمثل المؤلفين فقط، ولا تعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي لجامعة حمد بن خليفة.