بقلم: بسمة الخطيب
لا أوافق من يعتبرون اللغة مجرد أداة للتواصل والتعبير، إنها كذلك وأكثر، فاللغة بالنسبة لي هي إحدى أمهاتي وقد أورثتني جيناتها وإرثها وجمالياتها، وأشعر بتحدٍّ يومي بيني وبين نفسي كي أكون وريثة بارَّة بها وعلى قدر المسؤولية.
في هذا الإطار، وبعيدًا عن الكلام التنظيري، تقوم "مؤسسة قطر" و"دار جامعة حمد بن خليفة للنشر" بمشروعات بنَّاءة لدعم اللغة العربية، وسد الفجوة بينها وبين الأجيال العربية الناشئة، ممن باتوا -بحكم سطوة العولمة- يميلون إلى اللغة الإنجليزية ويستسيغونها أكثر من لغتهم الأمِّ.
وضمن عدد من المشروعات، انطلقت قبل سنوات سلسلة "كريم وحنان يتعلمان العربية"، والتي تهدف إلى تقديم قواعد اللغة العربية بشكل مبسَّط ومحبَّب للأطفال الصغار، ممن لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات. فاكتساب حبّ اللغة وإتقانها يجب أن يبدآ منذ الطفولة المبكرة، وهذا هو أحد أسباب صلة اللغة بالأمومة. ومن خلال كتب هذه السلسلة يتعرف الطفل إلى كلمات بالعربية مرفقة برسوم مبهجة ومسلية، فيرى الشخصيات تستعمل المفردات والأضداد وتصريفات الفعل الماضي والمضارع وتستخدم الضمائر وأسماء الإشارة وغيرها. وقد أُعدَّت تلك السلسلة لتُقرأ على أسماع الصغار وأمام أبصارهم، فيربطون الكلمة البسيطة بصورتها الجميلة، حيث يُعدُّ إثراء معجم الطفل اللغوي من الأهداف الرئيسية لدار جامعة حمد بن خليفة وسياستها التحريرية، وهو في قلب رسالتها الأصيلة والوفية لجذورها وثقافتها العربية.
وبعد نجاح هذه السلسلة تستعد دار جامعة حمد بن خليفة للنشر لإصدار سلسلة أخرى تُقدِّم قواعد اللغة العربية المبسَّطة لمرحلة عمرية أخرى؛ هي المرحلة الابتدائية المبكرة، وتشمل الأطفال من عمر ثماني إلى عشر سنوات، وذلك تلبية لحاجة المكتبة العربية والمؤسسات التربوية العربية لهذه النوعية من الكتب.
وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، يلفتني أمر شائك أحبُّ تسليط الضوء عليه، فهناك فكرة شائعة لدى البعض بأنَّ اللغة العربية صعبة وجافَّة. وهذا ليس دقيقًا، فاللغة العربية ثريَّة وطيِّعة ومرنة، والدليل على ذلك أنَّها تأثَّرت وأثَّرت في لغات كثيرة، وولدت ونمت في واحدة من أثرى المناطق الثقافية على مرِّ التاريخ حيث تمازجت حضارات مختلفة.
لكنَّ ما يحدث في الوعي الجمعي أنَّ الناس يألفون اللغة الإنجليزية ويجدون التعبير بها أسهل، بينما عليهم أن ينظروا إلى الأمر بطريقة معاكسة؛ إنهم يستسيغون الإنجليزية لأنهم معتادون عليها ويسمعونها على مدار اليوم، وليس لأنَّها أسهل من العربية. هو الاعتياد والاستسلام لمجرى النهر.
قارنوا بين نص أجنبي وترجمته إلى العربية، ستبهركم قدرة اللغة العربية على الاختصار والتكثيف والبلاغة وتهذيب المعنى والشكل معًا. وغالبًا ما يأتي النص العربي أقل كلمات من النصِّ الأجنبي موضوع الترجمة. والإعجاز بيِّنٌ ومبهرٌ في القرآن الكريم، وآياته احتوت على ما لا يُحصى من معانٍ وصور وقصص وجماليات وبلاغة... فهذا الثراء في لغتنا ليس مهدَّدًا بالزوال، ولكن بالإهمال والتحوُّل إلى ميراث محفوظ في المكتبات، لا يتعداها إلى بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا وإستراتيجيات تفكيرنا ورؤيتنا للمستقبل. وهو إهمال سيوهن شخصيتنا الثقافية ويُضعف مكانتها بين ثقافات الأمم الأخرى.