الدوحة، قطر: أظهرت دراسة حديثة في مجلة قطر الطبية التي تنشرها منصة QScience.com التابعة لدار جامعة حمد بن خليفة للنشر أن محاولات الإقلاع عن التدخين تحقق معدلات أعلى من النجاح حينما تتزامن مع شهر رمضان المبارك، وحثّت الدراسة المدخنين المسلمين على اغتنام فرصة حلول الشهر الفضيل والأجواء الإيمانية والروحانية التي تصاحبه كنقطة انطلاق للامتناع عن هذه العادة المدمرة للصحة.
ووفقاً للمسح العالمي للتبغ بين البالغين (2013) فإن هناك حالياً 12.6٪ من مجموع سكان قطر البالغين (10.9٪ مواطنون قطريون و 13.5٪ غير قطريين) يستهلكون منتجات التبغ بشتى أشكالها (سواء كانت منتجات يتم تعاطيها عن طريق التدخين أو غيره من سُبل التعاطي). ورغم ما يراه البعض من أن معدلات انتشار التدخين هذه تعتبر معدلات منخفضة عموماً (وهي أشد انخفاضاً بين الإناث)، فإن المسح العالمي للتبغ بين البالغين ( الذي أُجري في عام 2013) قد حذر من أن التدخين سوف يمثل قضية رئيسية خلال السنوات العشرة المقبلة، وذلك نظراً إلى أن هناك حالياً ما نسبته 15.7٪ بين الفئات العمرية التي تتراوح أعمارها بين 13-15 سنة، قد جربوا منتجات التبغ (22.8٪ من الذكور و 8.8٪ من الفتيات)، ومن بين هذه النسبة هناك 12.3٪ يدخنون التبغ حالياً أو يتعاطون بعض الأشكال الأخرى التي لا تعتمد على التدخين.
وكانت الدراسة التي اُستخدم فيها المنهج شبه التجريبي ونشرها سورياني اسماعيل وآخرون في مجلة قطر الطبية قد أُجريت خلال شهر رمضان من العام 2015، حيث جرى خلالها التدخل بهدف تعزيز النية وضبط السلوك من أجل امتناع المدخنين المسلمين عن التدخين خلال شهر رمضان. وقد تم قياس نتائج الاعتماد على النيكوتين عبر اختبار فاجيرستروم للاعتماد على النيكوتين، واستناداً إلى مستويات الكوتينين في اللعاب (مستقلب النيكوتين). وتم جمع البيانات بناء على خط الأساس (5 أيام قبل حلول رمضان)، وأثناء شهر رمضان (في 21 من رمضان) وبعد انتهاء رمضان (21 يوماً بعد انقضاء رمضان) لمجموعتي اختبار: مجموعة التدخل التي تلقت الإرشاد الديني للإقلاع عن التدخين والمجموعة الضابطة التي لم تتلق ذلك.
وانطلاقاً من أنI المدخنين يتعين عليهم في الأصل الامتناع عن التدخين خلال ساعات الصيام نهاراً، فقد تم تزويد المدخنين في مجموعة التدخل بالدعم اللازم والمعلومات والنصائح المستندة إلى منطلقات دينية بغية تحفيزهم على الإقلاع عن التدخين بشكل دائم. وبالإضافة إلى الأجواء الفريدة التي يوفرها رمضان، والتي تتيح للمدخنين التغلب على التأثيرات البيئية المعتادة التي ينظر إليها بوصفها عقبات في سبيل التوقف عن التدخين (مثل أماكن العمل والسكن والعادات الاجتماعية المتسامحة مع التدخين) فإنه يسهل التغلب على هذه العقبات بشكل طبيعي خلال شهر رمضان نظراً إلى أن الجميع تقريباً يتحاشى التدخين في العلن خلال ساعات النهار في هذا الشهر الكريم.
وأظهرت النتائج أنه على الرغم من انخفاض مستويات الكوتينين بين مجموعة التدخل ومجموعة الاختبار بشكل ملحوظ خلال شهر رمضان، إلا أنه مستويات الكوتينين بقيت منخفضة بعد شهر رمضان بشكل دائم في مجموعة التدخل فقط، ما يعني انخفاضاً في الاعتماد على النيكوتين والتأثير الإيجابي للتدخل المدعوم ثقافياً ومجتمعياً لتشجيع الإقلاع عن التدخين خلال شهر رمضان.
واستكمالاً لهذه الدراسة، فقد حثّت عيادة الإقلاع عن التدخين التابعة لمؤسسة حمد الطبية المدخنين على اغتنام بلوغهم شهر رمضان الكريم باعتباره فرصة للإقلاع عن هذه العادة ومحاولة تبني نمط حياة صحية. وحول ذلك، علّق الدكتور أحمد الملا، مدير عيادة الإقلاع عن التدخين، بقوله: "لا شك أن الصوم في رمضان يوفر فرصة مثالية للمدخنين للإقلاع عن التدخين، ولذلك فإن عدد الأشخاص الذين يزوروننا بقصد الإقلاع عن التدخين خلال هذا الوقت يكون أعلى من الفترات الأخرى خلال السنة."
ويوضح الدكتور الملا قائلا: "نحن نشجع الناس على التوقف عن التدخين، ليس فقط عن طريق تزويدهم بالحقائق التي تبيّن مدى الضرر الذي يلحقه التدخين بصحتهم"، مشيرا إلى أنّ الكثير من الأشخاص يدركون جيداً المخاطر الصحية التي يجرّها عليهم التدخين. "وإنما نسعى للتركيز على البعد الديني الذي يعتبر التدخين حراماً، ولا سيما أن المسلمين يرون في شهر رمضان فرصة سنوية لمراجعة علاقاتهم مع الله سبحانه وتعالي ومن ثم يسعون لتعزيز إيمانهم عبر الامتناع عن كل ما يرون فيه ذنباً أو اثماً. ولذلك، إذا وُجد ذلك الشخص الذي يمكنه التوقف عن التدخين لمدة قد تصل إلى 12 أو 13 ساعة هي ساعات النهار، فإننا نشجعه على إكمال اليوم كله بدون السيجارة. كما نشجع الناس أيضاً على إنفاق المال الذي كانوا سوف يهدرونه على شراء السجائر في أوجه الخير مثل التبرع للجمعيات الخيرية أو للزكاة".
وأشارت الدراسة أيضاً إلى أنّ الأنشطة المرتبطة بالشهر الكريم مثل تبادل الزيارات العائلية والمواظبة على الصلاة في جماعة، تساعد أيضاً على شغل أوقات الفراغ لدى الأفراد بشكل دائم ومن ثم تعينهم على التوقف عن التدخين.
ويرى الدكتور الملا أن السبب وراء ارتفاع معدلات الإقلاع عن التدخين الذي أظهرته الدراسة بين المدخنين الذين توقفوا عن التدخين خلال شهر رمضان يمكن إرجاعه إلى التعزيز الإيجابي المستند إلى إيقاظ الوازع الديني. ويضيف قائلاً: "من المنطقي أنه إذا توقف شخص ما عن التدخين خلال شهر رمضان، فإنه سيكون أقدر على الإقلاع عن التدخين بعد انتهاء الشهر، ولا سيما أنه سيكون قد تلقى جرعة روحانية أكبر تحفزه على ذلك حتى بعد انتهاء الشهر الكريم."
ويرتبط الإقلاع عن التدخين بالعديد من الفوائد الصحية مثل تحسن مستويات السكر في الدم وتنشيط الدورة الدموية وزيادة استقبال الأنسولين (وخاصة لدى مرضى السكري)، وانخفاض مستويات الكوليسترول وتضاؤل الآثار الصحية السلبية.
ويمكن الاطلاع على الدراسة تحت عنوان: "تأثير التدخل من خلال الوازع الديني في الإقلاع عن التدخين خلال شهر رمضان بين مدخني الملايو" عبر شبكة الإنترنت في مجلة قطر الطبية، وهي واحدة من العديد من المجلات التي تتبع نهج الوصول الحر وتخضع لتحكيم الأقران وتستضيفها منصة QScience.com التي تضم مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تسهم في نشر المعلومات وتحفيز النقاشات البحثية التي تتناول القضايا المحلية والدولية.
وقال الدكتور الوليد الخاجة، وهو محرر أول لدى دار جامعة حمد بن خليفة للنشر: "إن منصة QScience.com التابعة لدار جامعة حمد بن خليفة للنشر، قد أصبحت المصدر الأمثل للبحوث التي تخص طائفة واسعة من الموضوعات مثل الرعاية الصحية والتعليم والقانون وغيرها من قضايا ثقافية واجتماعية. وتشمل المعلومات التي توفرها منصات الوصول الحر الأبحاث التي يتم إجراؤها محليا أو دوليا، والتي تخضع لعملية تحكيم صارمة من قبل الأقران وذلك لضمان أن المعلومات الأكثر دقة والأحدث هي فقط ما تصل إلى الجمهور".