تُعد الأدوية المزيفة تحديًا صحيًا عالميًا مستعصيًا، إذ تتسبب في الكثير من الوفيات التي يمكن تجنبها وتستنزف موارد الرعاية الصحية. في هذا المقال يتحدث كل من الدكتور ازاد ساين بالي والدكتور لوجان كوكران من جامعة حمد بن خليفة عن العوامل الكامنة وراء انتشار هذه التجارة والجهود الرامية للحد من انتشارها من خلال وضع وإنفاذ السياسات اللازمة.
يسعى الهدف الثالث من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDG3) إلى ضمان تمتع جميع الأفراد، في كل مكان ومن جميع الأعمار، بحياةٍ صحية، ويعزز هذا الهدف التزام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بحماية صحة الأفراد ورفاههم، وكلاهما يؤكد على أن توفير الرعاية الطبية بجودة عالية عند الحاجة هو ركن أساسي لتحقيق هذه الرؤية العالمية.
إلى جانب التحديات المتعلقة بالحصول على أدوية آمنة وفعّالة، يواجه الكثيرون مشكلة انتشار الأدوية المغشوشة أو رديئة الجودة، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، قد تصل نسبة هذه الأدوية إلى 1 من كل 10 منتجات طبية في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، كما تتسبب الأدوية المقلدة ورديئة الجودة في مئات الآلاف من الوفيات المبكرة كل عام، بما في ذلك نحو 500,000 وفاة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وحدها.
وتُظهر التحديات التي تفرضها الأدوية المغشوشة في إفريقيا ومناطق أخرى أن أفقر مناطق العالم هي الأكثر تضررًا من هذه التجارة، إلا أن مشكلة الأدوية المغشوشة ومتدنية الجودة تبقى أزمة عالمية تتطلب تحركًا دوليًا، إذ تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن إنتاج هذه الأدوية يتم عادةً في الصين أو الهند، في حين تعمل دول مثل الإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وهونغ كونغ كمحطات عبور رئيسية، وكذلك كشفت دراسة حديثة أن أكثر من 20% من الأدوية التي جرى اختبارها في إفريقيا كانت مغشوشة أو غير مطابقة للمواصفات.
وإلى جانب التسبب بمئات الآلاف من الوفيات، تؤدي الأدوية المزيفة إلى تعقيد علاج الأمراض وتزيد من الأعباء المالية على أنظمة الرعاية الصحية التي تعاني أصلًا من نقص الموارد، حيث تكلفها عشرات الملايين من الدولارات، وأكثر الأدوية المزيفة أو غير المطابقة للمواصفات التي أُبلغت بها منظمة الصحة العالمية هي أدوية علاج الملاريا والمضادات الحيوية، مع العلم أن الملاريا تقتل أكثر من 600 ألف شخص سنويًا. وبالمثل، تسهم المضادات الحيوية رديئة الجودة أو غير المطابقة للمواصفات في زيادة مقاومة الميكروبات للأدوية، وهي مشكلة تودي بحياة نحو خمسة ملايين شخص كل عام.
وتقول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن هناك عدة عوامل تساهم في انتشار الأدوية المزيفة أو غير المطابقة للمواصفات، من بينها الأرباح العالية لهذه التجارة، وانخفاض خطر كشف الجناة أو ملاحقتهم قانونيًا، ناهيك عن العقوبات المخففة في حال ضبطهم. وما يزيد الأمور تعقيدًا هو ضعف الوعي العام، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وسهولة الحصول على الأدوية (غالبًا دون وصفة طبية)، مما يدفع المرضى المحتاجين نحو اللجوء إلى هذه التجارة.
ومع ذلك، هناك جهود متضافرة لوضع سياسات لوقف انتشار الأدوية المزيفة، حيث اتخذت منظمات مثل الإنتربول ومنظمة الصحة العالمية تدابير مضادة على مدار العقد الماضي، وركزت منظمة الصحة العالمية بشكل خاص على تعزيز أنظمة الرقابة والرصد، والعمل مع الدول لتحسين أنظمة التحري والمكافحة، فضلًا عن زيادة الوعي بين عامة الناس. وعلى الصعيد الإقليمي، ساهمت مبادرات مثل برنامج مواءمة الإجراءات التنظيمية للأدوية التابع للاتحاد الأفريقي في تعزيز التعاون بين الجهات المعنية.
تؤكد الأبحاث في مجال حوكمة الأنظمة الصحية على أهمية القدرة التنظيمية أو قدرة الحكومات على توجيه وإنفاذ اللوائح التنظيمية في هذا القطاع، فبدون ذلك، تفقد، حتى أنجع السياسات، فعاليتها، وبعبارة أخرى، ما لم نتمكن من سد الفجوات والتغلب على التحديات التنظيمية التي تواجه الأنظمة الصحية في البلدان النامية، مثل الصين والهند، وغيرها من الدول التي تقع في بؤرة تجارة الأدوية المزيفة، فلن نتمكن من التصدي لهذا المدّ.
هناك تدخلات إجرائية تستحق أن يُنظر فيها، فعلى الرغم من أن استخدام الترميز في الأدوية قد تمت تجربته في العديد من الدول، إلا أنه ليس دائمًا إلزاميًا، وكنقطة بداية، لا بد من إلزام المصنّعين بطباعة رموز الاستجابة السريعة (QR) على أشرطة أو عبوات الأدوية لإتاحة الفرصة للمستخدمين للتحقق من صحة المنتج والحصول على معلومات إضافية حول كيفية استخدامه. تُعتبر هذه الخطوة تدخلًا منخفض التكلفة نسبيًا، ويمكن اختبارها على الأدوية التي يشيع تزويرها وتوظيفها لضمان مصداقية سلسلة التوريد.
سيتطلب هذا النهج أيضًا من الوكالات الصحية تنفيذ حملات توعية عامة مكثّفة لتحذير المستخدمين وإقناعهم بضرورة التحقق من الأدوية وتجنب المزيفة منها. هذه الحملات تؤدي دورًا مهمًا في جذب انتباه الجمهور وتحقيق تقدم ملموس في التصدي للتحديات الصحية العامة مثل السل أو الترويج لأهم القضايا الصحية مثل تشجيع التطعيم. وفي الختام، لا بد من التأكيد أن تكثيف الوكالات الصحية الوطنية لجهود التوعية حول مخاطر الأدوية المزيفة وسبل تجنبها أصبح ضرورة ملحة.
** الدكتور ازاد ساين بالي والدكتور لوجان كوكران أستاذان في كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة.
** جميع الأفكار والآراء الواردة في المقال تعبر عن المؤلفيْن، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.