في الوقت الذي تعتبر فيه استدامة المياه من الأولويات الأساسية لدولة قطر، يقوم الدكتور سامي الغامدي، الأستاذ المساعد في قسم التنمية المستدامة بكلية العلوم والهندسة ومجموعته البحثية بتحليل تكنولوجيا إمدادات المياه في المناطق الحضرية والأثر البيئي للدورات المائية في البيئة المبنية والاستراتيجيات الممكنة للتخفيف من هذا الأثر في قطر، مثل استخدام الطاقة المتجددة. وتضم المجموعة البحثية كلا من محمد الحاج (مرشح لنيل درجة الدكتوراه) ومهزابين منان (طالبة ماجستير) الذين يعملان على مشروعين بحثيين على صلة بالأثر البيئي لتحلية المياه في قطر. وعند الانتهاء من المشروعين في وقت لاحق من هذا العام، ستكون نتائج الدراسة بمثابة أساس لصانعي القرار ومؤسسات إدارة الموارد المائية لوضع نظام مياه فعال سيعود بالفائدة على البيئة المبنية في قطر.
ونظرًا لموقعها الجغرافي ومناخها الصحراوي، فإن دولة قطر لا تمتلك وصولًا مباشرًا إلى موارد المياه العذبة أو شبكات الأنهار، وتعتمد قطر اليوم بشكل رئيسي على تقنيات التحلية الحرارية التي تستخدم الغاز الطبيعي. وهو ما يشكل مصدر قلق كون تقنيات التحلية الحرارية تستخدم الطاقة بشكل مكثف ولها تأثير كبير على البيئة. وأوضحت منان: "على غرار دول مجلس التعاون الأخرى، تنتج قطر كميات هائلة من المياه المحلاة كل عام. ومع ذلك، فإن الأثر البيئي لعملية تحلية المياه في هذه المنطقة غير مفهوم بشكل جيد. وهو ما دفعنا للتركيز على تطوير إطار عمل قائم على دورة الحياة لتقييم الأثر الشامل لهذه العملية".
ويتم استهلاك المياه المحلاة من قبل أعداد السكان المتنامية في البلاد وقطاع الإنتاج الزراعي والغذائي المحلي المزدهر. وفي معرض حديثه عن بحثه عن حلول بديلة، قال الحاج: "بما أن المياه المالحة هي مصدر متاح بوفرة وسهولة، سعينا إلى تحديد حلّ بديل لتقنيات تحلية المياه يكون صديقًا للبيئة ومناسبًا من الناحية الفنية ومجديًا اقتصاديًا".
وخلال المراحل الأول من المشروع، قامت مهزابين بدراسة الأثر البيئي للمياه الناتجة عن التحلية الحرارية على دورة الحياة في البيئة المبنية. وفي سياق عملها هذا، أجرت أبحاثًا حول انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة من محطات مختلفة في قطر. وتبين بأن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تقارب 12.6 كيلوغرام للمتر المكعب. وبعد ذلك، قدمت دراسة الحاج التي تحمل عنوان "توصيات على صعيد السياسات لإدارة مستدامة لموارد المياه في قطر" تقييمًا شاملًا للموارد المائية المتوفرة ومستويات الاستهلاك في قطر بالمقارنة مع بقية دول العالم. وتم تكريم هذه المساهمة الاستقصائية والعلمية بجائزة قطر للاستدامة 2017 لفئة البحوث الخضراء.
واليوم، يعمل الفريق على نموذج حاسوبي قوي باستخدام بيانات الإشعاع الشمسي في الوقت الحقيقي. وأوضح الحاج: "نستخدم نظام محاكاة حاسوبية متخصصة لاختبار إمكانية استخدام الطاقة الشمسية كحلّ طويل الأجل. وتم تطوير هذا النموذج الحاسوبي باستخدام برنامج لحل المعادلات الهندسية يستخدم أكثر من 500 معادلة لوصف أداء محطة التحلية العاملة بالطاقة الشمسية في ظروف متغيرة".
إن ما يميز هذه الدراسة هو نهجها الشامل في دراسة الجوانب الاقتصادية والبيئية والفنية لتحلية المياه بالطاقة الشمسية. وأضاف الحاج: "اقترحنا هنا استخدام تقنية تعرف باسم ’مجمع فرنسل الخطي للطاقة الشمسية‘، وهي مجموعة مرايا عاكسة تقوم بتركيز الطاقة الشمسية المنعكسة عليها ليتم استخدامها في إنتاج البخار الذي يمد محطات التحلية الحرارية بالطاقة التي تستخدم عملية تقطير ذات مراحل متعددة. قد تكون محطات التحلية قادرة على محاكاة هذا الاعتماد المبتكر على مصادر الطاقة المتجددة بشكل مفيد اقتصاديًا. وبالتالي يمكن لهذه التكنولوجيا أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل الإدارة المستدامة لموارد المياه في قطر على وجه الخصوص وفي المنطقة عمومًا".
واستنادًا إلى ذلك، تعمل مهزابين على دراسة إمكانية خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال دمج محطات الطاقة الشمسية الحرارية مع محطات التحلية الحرارية.
وفي معرض حديثه عن مشروعه، الذي جرى بتمويل كامل من قبل جامعة حمد بن خليفة ودعم تقني من معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لها، قال الدكتور الغامدي: "شهدنا تطور البحث الذي نقوم به من دراسة جماعية إلى مرحلة من التجارب الرقمية، حيث تم اختبار نموذجنا عبر محاكاة مجموعة متنوعة من الظروف والسيناريوهات. وفي كل يوم نزداد قناعة وفضلًا عن توليد الطاقة، فإن الطاقة الشمسية هي المفتاح لمساعدة قطر في تحقيق أمن المياه. ولأننا نهتم بالبيئة في قطر، قمنا باستخدام أدوات متقدمة لتقييم دورة الحياة البيئية من أجل استكشاف محور بالغ الأهمية غالبًا ما يتم التغاضي عنه في الأبحاث التقنية البحتة".
جدير بالذكر أن مجموعة الدكتور الغامدي البحثية تضم 17 عضوًا يركزون على مجموعة من القضايا المرتبطة باستدامة البيئة المبنية بينهم باحثون في ما بعد الدكتوراه وطلاب في مرحلتي الدكتوراه والماجستير.
وبما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030 واستراتيجية قطر الوطنية للبحوث، يعمل الباحثون والعلماء باستمرار للتعامل مع الأولويات الوطنية المتعلقة بالبيئة والمياه والطاقة. وتضم جامعة حمد بن خليفة مرافق حديثة تمكن الطلاب والباحثين من دراسة تقنيات الطاقة الشمسية في ظروف تحاكي العالم الحقيقي ومن خلال بيانات آنية. ويعد هذا الأمر بالغ الأهمية لمساعدة الباحثين في تطوير ونشر أجهزة طاقة شمسية تناسب بيئة وصناعة قطر.
وفي ضوء تنامي الفهم العالمي لأهمية تقاسم المسؤولية تجاه رعاية الموارد الطبيعية والحفاظ عليها، فإن المساعي الوطنية لتحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة 2030 تنعكس في إطار عالمي أشمل للتحديات المتعلقة بالمياه. وتؤكد الجهود البحثية المستمرة في مجال الاستدامة، مثل المجموعة البحثية لدراسة استدامة البيئة المبنية، بأن قطر هي مثال للدولة التي تسعى لإيجاد توازن تدريجي في تطلعاتها لتحقيق أهدافها الاقتصادية مع تحمل مسؤولياتها البيئية من خلال التقدم المستمر باتجاه الإدارة الفعالة للموارد.