استضافة بكين لوزيري الخارجية السعودي والإيراني يؤكد أهمية استفادة دول الخليج من دورها المتنامي
في عالم تتنافس فيه القوى العظمى على بسط سيطرتها ونفوذها، تأتي عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، بوساطة الصين في الشهر الماضي، لتُهدّئ من التوترات السياسية التي تعيشها المنطقة، وتُعطي دفعة دبلوماسية إيجابية فريدة من نوعها.
وقد يؤدي هذا الاتفاق إلى خطوة أولى مهمة في التوصل إلى نتيجة مُرضية بشأن حرب اليمن المستمرة بين التحالف السعودي والحوثيين المدعومين من إيران منذ عام 2014. علاوة على ذلك، فإنه يفتح الباب أمام تحقيق تكامل أكبر مع الصين، لأنه يُمهد الطريق لكلٍ من المملكة العربية السعودية وإيران للانضمام إلى مجموعة "بريكس"، لتكون بمثابة تكتُل موازي لمجموعة الدول السبع G7، ويضاف إلى ذلك إعلان المملكة العربية السعودية مؤخرًا أنها ستنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) بصفة "شريك الحوار".
وبينما تسعى كلًا من الولايات المتحدة والصين إلى تعزيز علاقاتهما مع دول الخليج، فإن القوتين العالميتين تقدمان مساعدات قيّمة ونوعية بنفس القدر، ويبدو أن أفضل ما يخدم مصالح دول الخليج هو الحفاظ على علاقات قوية مع كليهما، والاستفادة من مصالحهما المشتركة في الاستقرار الإقليمي والأمن البحري.
تقليديًا، كانت الولايات المتحدة الضامن الأمني الرئيسي في الخليج، حيث قدمت الدعم العسكري وأبرمت الشراكات الحاسمة. ومع ذلك، فإن غزو العراق عام 2003 وما تبعها من أحداث أخرى في السنوات الأخيرة، أثارت تساؤلات حول مدى ثبات هذا الالتزام، ولعل عدم اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات حاسمة بشأن الحصار المفروض على دولة قطر، وهجمات المُسيّرات بدون طيار في 14 سبتمبر 2019 على منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص، فضلًا عن استبعاد مجلس التعاون الخليجي من مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، والذي أدى إلى شكوك حول مدى التزام الولايات المتحدة المستمر لحماية المصالح الأمنية لدول الخليج.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن تجاهل القوة الاقتصادية المتنامية للصين ونفوذها الدبلوماسي المتصاعد في المنطقة، ومع استعادة العلاقات الدبلوماسية مؤخرا بين المملكة العربية السعودية وإيران، أثبتت الصين قدرتها الكبيرة على التوسط في الصفقات السياسية وإبرام اتفاقيات السلام، حيث تُروج بكين لبرنامج يعتمد على التنمية أولًا ونموذج رأسمالية الدولة، لتقدم بديلًا جذابًا لدول الخليج، الأمر الذي يُعني أن هذا النفوذ الدبلوماسي المتنامي للصين، يفرض على دول الخليج أن توازن بين الفوائد التي تُقدمها كل من الولايات المتحدة والصين لتحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة، ولاشك أن الانضمام المحتمل للمملكة العربية السعودية وإيران إلى مجموعة "بريكس"، التي تَقدَم كلاهما إليها حاليًا، يُعد شهادة على النفوذ الصيني والتحول نحو عالم أكثر تعددًا للأقطاب.
وفي هذا الإطار، لابد أن نسلط الضوء على النهج الذي اتبعته سنغافورة، والذي يؤكد على أهمية الحفاظ على العلاقات مع كِلتا القوتين العالميتين، فالطريقة التي حققت بها ذلك الهدف، هي عدم تفضيل جانب على الآخر، والتأكيد على أنه من الأهمية بمكان لكل من الصين والولايات المتحدة تقليل التوترات السياسية والبحث عن مجالات لتعزيز التعاون. وغني عن القول إن واشنطن وبكين تتقاسمان مصالح مشتركة في ضمان الاستقرار والحفاظ على الأمن البحري في الشرق الأوسط، إذ يُمكن للاضطرابات في المنطقة أن تتسبب في تداعيات خطيرة على الاقتصاد العالمي وإمدادات الطاقة، فمن خلال الاعتراف بهذه الاعتبارات المشتركة، يمكن لدول الخليج الاستفادة من العلاقات مع كِلتا العاصمتين لخدمة أهدافها الاستراتيجية.
ولاشك أن أحد المجالات الرئيسية التي تثير قلق الولايات المتحدة هو التأثير المتزايد للتكنولوجيا الصينية، وخاصة في مجال البنية التحتية لتقنية الجيل الخامس، حيث تحُث الولايات المتحدة حلفاءها على استبعاد الشركات الصينية من إنشاء شبكات اتصالات الجيل الخامس 5G الخاصة بهم بسبب مخاوف أمنية، وقد يؤدي هذا النهج إلى نتائج عكسية، حيث يرى الكثيرون في المنطقة أنه يخنق التنمية ويُخضع الدول للاختيار الثنائي بين الولايات المتحدة والصين، أما بالنسبة لدول الخليج، فتعتبر التكنولوجيا والابتكار أمرين في غاية الأهمية لتحقيق التنمية والتنويع الاقتصادي على المدى الطويل، لذا فإن سياسة إجبارهم على الاختيار بين الولايات المتحدة أو الصين، يؤدي إلى مخاطرة الولايات المتحدة بنفور شركائها الإقليميين ومن ثَم الابتعاد عنها، مما يضُر في نهاية المطاف بالمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة مستقبلًا.
وبدلا من ممارسة الضغوط على دول الخليج لحملها على خيارات ثنائية، فيمكن للولايات المتحدة البحث عن علاقات قوية تستند على التعاون وتبادل المصالح المشتركة، وبالتالي، يمكن أن تتطور علاقة الولايات المتحدة مع دول الخليج إلى ما هو أبعد من تركيزها على المجالات الأمنية والدفاعية.
فضلًا عن ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد سياسة الحوار والتعاون مع الصين بشأن القضايا الإقليمية، وذلك من خلال إيجاد مجالات ذات أرضية وأهداف مشتركة والعمل على تحقيقها، كما يمكن للولايات المتحدة والصين المساهمة في إنشاء منطقة أكثر استقرارًا وازدهارًا تستفيد منها جميع الأطراف المعنية.
وفي الوقت الذي يتهيأ فيه الشرق الأوسط لعالم متعدد الأقطاب، فمن الأهمية بمكان أن تواصل دول الخليج التعامل في علاقاتها بمهارة وذكاء، حيث تظهر التغيرات الدبلوماسية الأخيرة أن المنطقة تتجه لنمط سياسي جديد، وأن التحالفات التقليدية في الماضي ربما لم تعُد تخدم مصالح دول المنطقة، فمن خلال إقامة علاقات قوية مع كِلتا القوتين العظميين، يمكن لدول الخليج تعظيم المزايا التي تحصل عليها من كل منهما، مع ضمان استمرار نموها واستقرارها. كما يمكن لدول الخليج أن تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والصين، فمن خلال استخدام نفوذ دول الخليج وموقعها الاستراتيجي، يمكنها تشجيع الحوار وتعزيز التعاون بشأن التحديات والفرص المشتركة، بل ويُمكنها أيضا أن تساهم في تخفيف حدة التوتر السياسي وتهيئة بيئة مواتية لإطلاق مبادرات مشتركة تعزز التنمية والأمن والازدهار على الصعيد الإقليمي.
إن الاعتراف بالمصالح المشتركة للولايات المتحدة والصين، وتعزيز روح التعاون والتآزر فيما بينهما، قد تتمكن دول الخليج من المواءمة بين القوتين العظميين لتحقيق نجاح ملموس في المشهد الجيوسياسي المعقد والمتغير في المنطقة، مما يضمن استمرار نموها واستقرارها وأمنها في عالم متعدد الأقطاب بشكل متنامي، حيث يمكن أن يؤدي تبني هذه التعددية القطبية، إلى دور مهم في حل النزاعات طويلة الأمد مثل حرب اليمن، والمساعدة في جعل المنطقة أكثر استقرارًا وسلامًا.
من هو الدكتور ستيفن رايت؟
ستيفن رايت، هو أستاذ مشارك في العلاقات الدولية، وعميد مشارك لشؤون الطلاب في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حمد بن خليفة، شغل سابقًا منصب عميد مشارك ورئيس قسم الشؤون الدولية في جامعة قطر، تتركز خبرته البحثية في ثلاثة مجالات رئيسية تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الخليج وهي، الجغرافيا السياسية للطاقة، والعلاقات الدولية، والاقتصاد السياسي لدول الخليج العربي. وقد كتب مقالات وأبحاث على نطاق واسع في هذه المجالات، ونُشرت أعماله باللغات العربية واليابانية والفرنسية والبولندية، كما حصل على زمالات بحثية في كلية لندن للاقتصاد وجامعة إكستر وجامعة دورهام، كما تمت دعوته كمتحدث في مجموعة واسعة من الفعاليات التي استضافتها مؤسسات رائدة مثل البنك الدولي، وحكومات مختلفة، والعديد من الشركات متعددة الجنسيات، وقد حصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة دورهام.
ملحوظة:
تم تقديم هذه المقالة من قبل إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابة عن مؤلفها، والأفكار والآراء الواردة فيها، هي أفكار المؤلف، ولا تُعبر بالضرورة عن الموقف الرسمي للجامعة.