يجد الشباب الذين يمتلكون الدافع لجعل العالم أكثر عدلاً ومساواةً وشمولاً منصةً تعليميةً متطورة تساعدهم على التفكير بشكل إبداعي ومبتكر من خلال مبادرة مجلس المبدعين التابعة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة.
وتكمن الفكرة من وراء إطلاق هذه المبادرة في إيجاد طرق تُمَكِن الشباب من ربط القيم الإسلامية بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والعمل الجماعي للتعرف على المشاكل وطرح حلول لها.
الأهداف والقيم
يمثل مجلس المبدعين الأبعاد التطبيقية متعددة التخصصات للبرامج الأكاديمية التي تُقدَّم في كلية الدراسات الإسلامية، وكيف يدمج المجلس الأسس الأكاديمية الإسلامية مع العلوم الاجتماعية المعاصرة.
ومنذ إطلاقه في عام 2019، ركز هذا الفضاء المتكامل للتدريس والتعلم على تعزيز الحوار وجهود التعاون والتآزر التي تساهم في تحقيق تحول إيجابي في المجتمع. وتُمَكِن الأنشطة المرتكزة حول تبادل الأفكار والتحديات والحلول الشباب من التأثير بشكل إيجابي على المجتمعات بصفتهم رواد أعمال اجتماعيين على المستويين المحلي والعالمي. وتشتمل مجموعة منتقاة من الأدوات التعليمية على ألعاب الليجو الجادة، والتدريب على تصميم البرامج التي تتمحور حول الإنسان، وتخطيط المفاهيم الرقمية، والتوجيه.
انتشار متنامي
جمعت الفعالية الأولى التي نظمها مجلس المبدعين بعنوان "الإسلام في عالم موحد" خلال شهر سبتمبر 2019 أكثر من 2,000 شاب وفتاة. ومنذ ذلك الحين، شهد المجلس انتشارًا ونموًا كبيرًا، حيث أُدرج رسميًا ضمن فعاليات الاحتفال باختيار الدوحة عاصمةً للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2021، وأصبح مؤخرًا عضوًا في مجتمع الشباب التابع لشبكة حلول التنمية المستدامة بمنظمة الأمم المتحدة، وهو ما وسع من نطاق انتشاره وشبكته.
ويستدعي الدكتور محمد إفرين توك، مؤسس مبادرة مجلس المبدعين والأستاذ المشارك في الإسلام والشؤون الدولية بكلية الدراسات الإسلامية والعميد المساعد لمبادرات الإبداع والتقدم المجتمعي في الكلية، مراحل تطور المبادرة فيقول: "لقد كان من الرائع رؤية مراحل تطور مجلس المبدعين وبروزه على الساحة العالمية ودوره في دمج بيئة فضاء الإبداع في التعليم العالي. ونحن نؤمن بأن ثقافة الإبداع تمكّن الشباب الذين ينتمون إلى خلفيات متنوعة من الاستكشاف والإبداع والتواصل بطرق جديدة وبناء المجتمع والقدرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بشكل أكثر فعالية". ويحظى الدكتور توك بدعم من بيان خالد، وهي منظم وباحث زميل، وألينا زمان، وهي باحث مساعد.
شبكة داعمة
تساهم برامج التعاون مع الأطراف المعنية في مؤسسة قطر والمنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية، بما في ذلك برامج الأمم المتحدة العالمية ومنتدى شباب التعاون الإسلامي، في فتح المجال أمام الشباب للإبداع والابتكار في جميع المجالات. كما تساعد الروابط والعلاقات القوية مع شبكة عالمية من أبرز الخبراء المتخصصين في العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وفي دولة قطر، قدَّم مجلس المبدعين مبادرات تعليمية تركز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالتعاون مع جائزة أخلاقنا، والنادي العلمي القطري، ومبادرة مستقبل أخضر، وشبكة جيل أهداف التنمية المستدامة، وحديقة القرآن النباتية، وشركة ابتكار، وغيرها من المؤسسات الأخرى.
إطلاق العنان للقدرات التحويلية للشباب
في خضم التحديات الناجمة عن انتشار الجائحة، ساعد برنامج افتراضي قوي على توفير فضاءات آمنة رقمية لتعزيز السلوك والتفكير الأخلاقي.
وكان من أهم هذه الفضاءات وأكثرها جاذبية برنامج "تصميم إنسانية ما بعد كوفيد-19" الذي ضم ثلاث مبادرات منفصلة هي: "المدرسة الصيفية لتصميم الوضع الطبيعي لمرحلة ما بعد انتهاء جائحة كوفيد-19"، وبرنامج "تعارف وتعاون وتراحم"، و"العهد الاجتماعي".
وأثبتت المدرسة الصيفية أن مجلس المبدعين لا يطور الحلول للمشاكل الحالية فحسب، بل يصمم أنظمة الغد كذلك. وتقول الدكتورة حراء أمين، الأستاذ المشارك بالكلية وعضو الفريق الأساسي بمجلس المبدعين: "في مواجهتنا لأوقات مليئة بالتحديات، انطلقنا بهدف سماع المزيد من الأصوات والخبرات الفردية، وحشد الموارد بالطريقة الأكثر جدوى، وتطوير الحلول الإبداعية بشكل تعاوني."
ومع تأكيدها على فضائل التعارف والتعاون والتراحم، نجحت المدرسة الصيفية في توفير فضاء تعليمي مدمج ومتعدد مع متعاونين إقليميين ودوليين بما في ذلك كلية السياسات العامة بجامعة حمد بن خليفة ومعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة. وقد حول "العهد الاجتماعي لإنسانية ما بعد كوفيد-19" بشكل جماعي توقعات المشاركين إلى تعهد قابل للتنفيذ والقياس وموضعي مرتبط بأهداف التنمية المستدامة.
وحول ذلك، يقول الدكتور عماد شاهين، عميد كلية الدراسات الإسلامية: "التفكير الإبداعي والقيادة والأخلاق ستساعد الشباب على القيام بدورهم في عمليات صنع القرار الرئيسية. وقد زودت المدرسة الصيفية لتصميم الوضع الطبيعي لمرحلة ما بعد انتهاء جائحة كوفيد-19 الشباب من قطر ودول أخرى بالمعرفة والمهارات اللازمة بالإضافة إلى عقلية حل المشكلات التي تركز على الأخلاق لتحقيق ذلك. ومن خلال مبادرات مثل فعالية اليوم العالمي للاجئين، تمكن الشباب من المشاركة في الحوار البناء والدعوة للتغيير."
شفاء
انطلق برنامج "العلم والإيمان والابتكار من أجل الكرامة الإنسانية"، أو "شفاء"، بالتعاون مع شركاء وطنيين وعالميين في عام 2021. ويستكشف الشباب خلال هذا البرنامج العلاقة بين العلم والإيمان والابتكار في استجاباتهم للتحديات العالمية التي تقوض التماسك الاجتماعي والكرامة الإنسانية. ومن خلال التفكير المنهجي والتصميم الذي يركز على الإنسان، يتعلم الشباب كيفية استخدام الأدوات والموارد المتاحة لهم للتفكير بشكلٍ نقدي وتطوير محتوى استثنائي.
وحول ذلك، يقول الدكتور مصطفى الأمين، أستاذ الإسلام والشؤون الدولية ووزير الخارجية الأسبق في السودان: "يهدف برنامج شفاء في الأساس إلى تحويل عقلية التواصل العلمي الحالية إلى حوارات علمية أكثر تركيزًا على الإنسان حتى نتمكن في نهاية المطاف من جعل الإيمان جزءًا لا يتجزأ من تطوير الابتكارات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. ويتعرف المشاركون في البرنامج على الممارسات المدفوعة بالعقيدة الدينية في بناء عالم أكثر استدامة ومرونة لتعزيز كرامة الإنسان."
وتتمثل الفكرة الأساسية لبرنامج شفاء في أن النهوض بالاستدامة مسؤولية عالمية، حيث يمثل البرنامج "دعوةً موجهة إلى جميع المعنيين للعمل على تحقيق الاستدامة، بغض النظر عن عقائدهم، ويُعدُ البرنامج من المبادرات العالمية الشاملة."
وقد انتهى البرنامج، الذي شهد مشاركة أكثر من 300 شخص، في شهر مايو 2022.
الدراسات الإسلامية المعاصرة
تؤكد كلية الدراسات الإسلامية، من خلال مجلس المبدعين، دورها الرائد باعتبارها مركزًا مهمًا للدراسات الإسلامية المعاصرة. وفي عام 2021، مثَّل مجلس المبدعين الكلية في "مؤتمر تمكين الشباب" الذي نظمته "مؤسسة أيادي الخير نحو آسيا" (روتا) ومؤسسة التعليم فوق الجميع، و"أسبوع الاستدامة في قطر"، ومؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم (وايز)، وغيرها من الفعاليات. وقد تفاعلت مع مؤسسة قطر الخيرية وبرنامج الجيل المبهر، ودعت الطلاب والمعلمين لابتكار أدواتهم التعليمية الفريدة المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة.
المستقبل
مع تنامي تأثير هذه الجهود، حصل مجلس المبدعين على جائزة الشيخة حسينة العالمية للمتطوعين الشباب في شهر ديسمبر 2021، حيث فاز بالجائزة عن فئة "أفضل فكرة إبداعية" في الشرق الأوسط. واحتفت الجائزة، التي قُدِمت تحت رعاية فعالية "دكا عاصمة شباب منظمة التعاون الإسلامي لعام 2020"، بالتأثير الذي أحدثه المجلس في حياة الشباب عبر تمكينهم من تجسيد أهداف التنمية المستدامة.
واختتم الدكتور توك تصريحاته بقوله: "يساعد مجلس المبدعين الشباب في قطر عبر ربطهم بالأهداف العالمية وتعزيز صلتها بحياتهم وتطلعاتهم وطريقة معيشتهم. ويمكن القول إن عملنا هو مجرد بداية، حيث سنواصل السعي لمنحهم صوتًا ومساعدتهم على توظيف تعليمهم في بناء مستقبل أكثر استدامة وإنصافًا وعدالة."