كيف يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين تعديل الجينات بتقنية كريسبر؟ اكتشف ذلك هنا

بقلم/ الدكتور مصطفى عويضة، و الدكتور نادي الحاج

د. مصطفى عويضة و د. نادي الحاج

نشهد حاليا صعودا سريعا للذكاء الاصطناعي التوليدي وتأثيره المذهل في العديد من المجالات، بدءا من الفنون ووصولا إلى الرعاية الصحية، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي في كتابة الروايات وتحديث التعليمات البرمجية وإنشاء الصور ومقاطع الفيديو باستخدام أوامر نصية بسيطة، وتُعتبر تقنية كريسبر أداة فعَّالة في تحرير وتعديل الجينات الوراثية من خلال تعديل الحمض النووي للكائن الحي، بما في ذلك البشر، ويسعى العلماء لاستخدامها في علاج الأمراض، إذ يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين كفاءة ودقة تقنية تعديل جينات (كريسبر – كاس 9).

ومنذ اكتشاف هذه التقنية من قبل جينيفر داودنا وإيمانويل شاربنتييه في عام 2012 ، أحدثت تقنية كريسبر ثورة في الأبحاث الطبية الحيوية وقدمت طرقا جديدة لعلاج الاضطرابات الوراثية. وفي العام الماضي، كان Casgevy أول علاج جيني يعتمد على (كريسبر – كاس 9) تتم الموافقة عليه لعلاج مرض فقر الدم المنجلي. وبناء على عملهما الرائد في كريسبر، حصل كل من شاربنتييه وداودنا على جائزة نوبل في الكيمياء في عام 2020.

تم استنباط (كريسبر-كاس 9) من الآلية المضادة للفيروسات داخل البكتيريا، وإعادة استخدامها كصندوق أدوات لتعديل الجينات، وقد تم تحديدها كواحدة من أبسط الأدوات وأكثرها تنوعا ودقة في الهندسة الوراثية لتمكين كل من البحوث الأساسية والتطبيقات واسعة النطاق على النباتات والبشر.

وتعتبر (كريسبر-كاس 9) تقنية في الهندسة الوراثية يمكن من خلالها تعديل جينات الكائنات الحية، وهي طريقة من طرق تعديل الكائنات الحية وراثيًا على أساس نسخة مبسطة من بروتين كريسبر المضاد للفيروسات.

وهذه الظاهرة تتمثل في دفاع البكتيريا عن نفسها عندما تغزوها الفيروسات من خلال تكاثرها - أي الفيروسات داخل البكتيريا - فتقتلها، وللبكتيريا نظام طبيعي يفرز إنزيما يسمى (كاس 9) تصدره فيقترن بالجزء المعين من الحمض النووي للفيروس (القاتل) ويعيق استنساخه، وبالتالي يمنع تكاثره داخل البكتيريا وبالتالي تسلم البكتيريا من الموت المحقق. وقد استخدمت نفس التقنية للبحث عن تسلسلات الحمض النووي المرتبطة بصفات معينة مما يمكن معها إصلاح الجينات المعطلة واستبدالها بجينات سليمة أو معدلة.

وأحد التحديات الرئيسية لهذه التقنية هو استهداف تسلسل الحمض النووي على وجه التحديد وبدقة ليتم تعديله، وقد تحدث تأثيرات خارج الهدف عندما يقوم نظام (كريسبر-كاس 9) بإجراء تخفيضات غير مقصودة في الجينوم، حيث يُمكن أن يؤدي هذا إلى طفرات غير مرغوب فيها وقد يشكل تحديا في تعديل الجينات، مما يؤثر على سلامة ودقة العلاجات القائمة على كريسبر. 

وتم تطوير العديد من الطرق لتحسين كفاءة وخصوصية أداة تحرير الجينوم (كريسبر-كاس 9) من خلال استخدام انزيمات (كاس 9) المتعامدة الطبيعية أو المهندسة وراثيًا، أو هندسة انزيم (كاس 9)، أو توجيه الحمض النووي الريبي عن طريق تعديل حركة ومنظومة مكونات كريسبر في الخلية، أو عن طريق تغيير طريقة توصيل مكونات كريسبر أو انزيم (كاس 9).

آفاق جديدة في التعديل الوراثي

وفي هذا الصدد، كشفت شركة Profluent، وهي شركة ناشئة مقرها كاليفورنيا، النقاب عن نهجها المبتكر في استنباط نسخة مسبقة حديثة من كريسبر باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، وذلك لتوليد بروتينات (كريسبر – كاس 9) من خلال مجموعة واسعة من العائلات، حيث إن هذا الابتكار لديه القدرة على تحسين العلاج الجيني كريسبر بتعزيز الخصوصية وتقليل الآثار غير المستهدفة.

في صميم هذه التقنية توجد نماذج لغوية كبيرة مدربة على مجموعات بيانات بيولوجية ضخمة بما في ذلك عمليات كريسبر والبروتينات المرتبطة به، فمن خلال استخدام النماذج اللغوية الكبيرة المدربة على هذه البيانات، تم إنشاء معدلي الجينات الجدد بنشاط وخصوصية متفوقة مقارنة بأنظمة (كريسبر – كاس 9) التقليدية. وكان هؤلاء المعدلون الجدد على بُعد 400 طفرة بالتسلسل من إنزيم كاس9، مما يشير إلى ابتكار كبير في تصميمهم.

وتم اختبار البروتينات الشبيهة بـ (كاس 9)، التي تم تخليقها بالذكاء الاصطناعي، تجريبيا والتحقق من سلامتها في الخلايا البشرية، مما يضمن الدقة والكفاءة في تعديل الجينوم، وتشير هذه النتائج إلى أن البروتينات الشبيهة بـ (كاس 9) المتولدة بواسطة الذكاء الاصطناعي يُمكن أن تكون بديلا قابلا للتطبيق لاستخدامها في تقنيات تعديل الجينات.

وأحد هذه البروتينات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي والمعروفة باسم OpenCrispr-1 مفتوحة المصدر تم استخدامها في مجموعة متنوعة من التطبيقات بما في ذلك التطبيقات البحثية والتجارية، وهذا بدوره يضفي الطابع الديمقراطي للوصول إلى أحدث تقنيات تعديل الجينات، وبالتالي تسريع الاكتشافات العلمية.

ويفتح هذا النهج القائم على الذكاء الاصطناعي آفاقا جديدة لزيادة دقة تقنيات تعديل الجينات الحالية وسيكون له آثارا مهمة على تطوير العلاجات القائمة على جينات الاضطرابات الوراثية، وهو ما يؤكد على إمكانات الذكاء الاصطناعي لتعزيز وظائف ودقة محرري الجينوم، مما يمهد الطريق للابتكارات المستقبلية في التكنولوجيا الحيوية والطب، والجانب المثير للاهتمام في هذه التكنولوجيا هو أنها يمكن أن تطور أنظمة وظيفية جديدة لم تكن موجودة من قبل.

مستقبل تقنية التعديلات الجينية القائمة على الذكاء الاصطناعي

على الرغم من حداثة هذا النهج، نعتقد أنه لن يكون له أي تأثير مباشر على الرعاية السريرية وعلاج الاضطرابات الوراثية في الوقت الحالي، إذ يحتاج معدلو الجينات إلى الخضوع لتجارب سريرية مطولة وموافقات تنظيمية قبل استخدامها على المرضى، ورغم اختبار الجينات المعدلة والمطورة في المختبر، إلا أنه ينبغي إجراء دراسات ما قبل السريرية، والسريرية لفهم دقتها وكفاءتها وسلامتها لتحديد ما إذا كان بإمكانها القيام بأداءٍ أفضلٍ من الأنظمة الحالية في الجسم.

ومع ذلك، فإن النهج الذي قدمته شركة Profluent يُسلط الضوء على قوة الذكاء الاصطناعي للتعلم من البيانات البيولوجية الموجودة لمعرفة ما نجح في الطبيعة على مدى مليار سنة من التطور، ومن ثم البناء عليها للاستمرار في التعلم من البيانات الجديدة التي تعتبر واعدة في تحسين هذه التقنية مع مرور الوقت. بشكل عام، نعتقد أن هذه التكنولوجيا هي خطوة مهمة إلى الأمام ونأمل أن يساهم استخدام أنظمة (كريسبر كاس) لتصحيح الطفرات الجينية لعلاج العديد من الاضطرابات الوراثية البشرية.

*الدكتور مصطفى عويضة، عالم ومدير المختبرات في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة.

*الدكتور نادي الحاج، أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة.

*هذا المقال تقدمه إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابة عن المؤلفين، والأفكار والآراء التي يتضمنها المقال هي أفكارهما ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.