إعادة النظر: المواطنة العالمية لمواجهة الأزمات العالمية

إعادة النظر: المواطنة العالمية لمواجهة الأزمات العالمية

11 يناير 2021

د. ديبورا بروسنان ود. جيمس بوهلاند ود. أندرياس ريتشكيمر

إعادة النظر: المواطنة العالمية لمواجهة الأزمات العالمية
إعادة النظر: المواطنة العالمية لمواجهة الأزمات العالمية

عصر الأزمات العالمية

بعد مرور عقدين من القرن الحادي والعشرين، شهدت خلالهما البشرية كمًا هائلاً من الأزمات العالمية غير المسبوقة، التي شملت ظهور فيروس سارس-1، والعديد من سلالات فيروس إنفلونزا الطيور المستجد، وتفشي فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا عام 2013، جاءت جائحة كورونا (كوفيد-19) المستمرة حتى الآن، لتمثل أكثر الأزمات التي تواجه الصحة العامة انتشارًا وخطورة خلال قرن من الزمان على أقل تقدير. وفي حين جرى حديثًا تحديد ظاهرة تغيّر المناخ العالمي على أنها التهديد الوحيد الأكثر خطورة على البشرية وكوكب الأرض، نرى أن هذا القرن يخطو في طريقه ليصبح عصر الكوارث الطبيعية. فهو قرن فريد من نوعه في تاريخ البشرية، فيه تتزايد العواصف الاستوائية، والفيضانات، والجفاف، وموجات الحر، وحرائق الغابات، بدرجة كبيرة للغاية. أما الأوبئة، وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، والكوارث الطبيعية، فهي ليست سوى ثلاثة أشكال من الأزمات العديدة واسعة النطاق التي تلعب دورًا في فرض التعقيدات، التي تمثل تحديًا من نوع خاص أمام صُناع السياسات على مختلف مستوياتهم. ومن المتوقع أن يشهد القرن الحادي والعشرون المزيد من التحديات الصعبة التي ستواجه المجتمع الدولي، حيث سيؤثر فقدان التنوع البيولوجي، وندرة المياه، والتصحر، وانعدام الأمن الغذائي، وأزمات اللاجئين، والدول الفاشلة، وما إلى ذلك، على العديد من المجتمعات في وقت واحد، أو بشكل متتالٍ وبطرق معقدة ومتشابكة، وهي ما تطلق عليها الأمم المتحدة ومختلف المؤسسات الأخرى مسمى "التحديات الكبرى"، في محاولة لاستخلاص البيانات وتحقيق المعرفة وإيصال المشورة لصُناع القرار، وتبقى المشكلة الملحة في: كيف نبدأ في معالجة هذه المشكلات؟

التعقيدات وغياب اليقين والغموض

لا يمكن لأي دولة بمفردها حلّ ظواهر مثل تغيّر المناخ، أو الأوبئة، أو الانهيار المتتالي للحكم الديمقراطي وسيادة القانون، ناهيك عن الشعبوية والسياسات المتمركزة حول الدولة القومية التي تتحدى التعددية. كما لا يمكن معالجة تلك التحديات عن طريق تصميم السياسات التقليدية. وسيتعيّن على الإنسانية أن تجد طريقًا تلتقي فيه، لتطوير مفاهيم حكم جديدة ومبتكرة تحقق الصالح العام العالمي، وتعالج الأزمات العالمية، في ظل الظروف القاسية التي يشهدها القرن الحادي والعشرون. مثل هذه الظروف التي يشوبها الأذى، والغموض، والتفاوت، وتعدد الأسباب، والظهور المتعدد للكارثة الواحدة على نطاق كوكب الأرض. تشكل البشرية وكوكب الأرض - بكل ما عليها من كائنات حية – منظومة تعايش على نطاق واسع، وهو نظام اجتماعي بيئي، كما عرضه فيلم "أفاتار" لجيمس كاميرون في عام 2009. فالعالم لا يوجد به فضاء طبيعي نقي لم يصله تأثير الإنسان، ولم يبقى أي إنسان على وجه الأرض بمنأى عن واحد على الأقل من أشكال الاضطرابات العديدة، مثل تغيّر المناخ أو الوباء الحالي، التي تطاردنا في وقتنا الحاضر.

التحرك العالمي هو بداية الحل

في مقالاتنا السابقة، دافعنا عن أنه في مواجهة هذه الأزمات الضخمة، فإن العقد الاجتماعي الجديد أو المتجدد هو المفتاح، وأن التعلّم الاجتماعي سيوفر الوسيلة للوصول بنا إلى الغايات المرجوة. وفيها، أكدنا على أن العلماء يلعبون دورًا مهمًا إذا مكّناهم من أن يصبحوا مواطنين مشاركين في مجتمعاتهم، وأنه يجب استبدال سياسات الخدمة الذاتية للشعوبيين الواهمين والمستبدين، الذين يتزامن انتشارهم عالميًا مع تلاحق الأزمات العالمية المتسارعة. ويجب أن تكون الروايات المستقبلية الضرورية لتوجيه العمل الجماعي خلال القرن الحادي والعشرين مبنية على المبادئ، وأن تتمحور حول المرونة، وأحيانًا المقاومة، وغالبًا من خلال النُهج والعمليات التكيفية والتحويلية، إلى جانب التعليم والتعلّم والتنوير والتمكين وتعزيز المواطنة المسؤولة. مع ذلك، يجب أن تكون مثل هذه الروايات عالمية وعامة، وأن تعكس حجم وعالمية الأزمات المروعة للغاية في عالم اليوم.

الحقيقة ببساطة هي أنه يجب أن تتناسب الحلول مع حجم وفداحة المشكلات، كما هو واقع الحال في هذا الجائحة الحالية. ويجب على الإنسانية الآن أن تتجاوز منطقة الأمان، والحدود القبلية، والقومية، والمصلحة الذاتية، وإلا فإنها ستفنى. ففي مواجهة عاصفة كاملة من الأزمات العالمية الكبرى، يجب أن نتجاوز المفاهيم الأيديولوجية للدول القومية التي تحركها المصالح الذاتية، والهيمنة وإيديولوجيات توازن القوى، التي تعود إلى القرن السابع عشر، ولكنها لا تزال تقود عالمنا الحديث. لا شك أن القرن الحادي والعشرين يفرض تحديات قاسية على البشرية، ولكنه يحمل معه إمكانية حدوث قفزة إلى الأمام نحو مواطنة عالمية حقيقية وعقد اجتماعي عالمي.

تطوير مفاهيم العولمة

في غضون 10 أشهر، تسببت جائحة كوفيد-19 في تعطيل مبادئ وأساسيات رُسخت على مدار 50 عامًا من العولمة؛ من استبداد أنظمة التجارة الدولية، وإدارة سلاسل التوريد العالمية الموجهة نحو عوائد الاستثمار، والإنتاج الصناعي ذي الناتج الكربوني الكثيف، وسوق العمل القاسي والعابر للحدود، وخطط الهجرة والسفر ذات الصلة حول العالم. وتوقفت التدفقات الرأسمالية الدولية قصيرة الأجل والاستثمارات الأجنبية المباشرة لبعض الوقت، وهو أمر فشلت في تحقيقه الأزمة المالية في عام 2009، وهي الآن موضع تساؤل من قبل مصادر غير متوقعة. حتى خبراء الاقتصاد العنيدين في مدرسة شيكاغو بدأوا يستكشفون الاقتصاد الدائري، وفق مقولة: أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا! ويبدو أن الجائحة وتداعياتها فتحت أعيننا بقوة، وأجبرتنا على أن ندرك، أخيرًا، أن الكثير من "التقدم" الذي أحدثته العولمة مستعار، إن لم يكن مسروقًا، من الأجيال القادمة، ومن المخلوقات غير البشرية، والنظم البيئية، وكوكب الأرض، ونحن منقسمون بين أغنياء وفقراء، وفائزين وخاسرين، و"متقدمين" و"متخلفين". إنها غياب الاستدامة.

ترتبط جائحة كوفيد-19، وتغيّر المناخ، والعديد من "التحديات الكبرى" الأخرى الواردة أعلاه بالطبع بما يسمى بـ "الثورة الصناعية الثالثة" و50 عامًا من العولمة الليبرالية الجديدة، ورأسمالية وول ستريت. لا يحتاج المرء أن يكون اشتراكيًا كي يفهم هذه الحقيقة البسيطة. لكن، هناك في حقيقة الأمر أمل في أن تؤدي الأزمة الصحية العالمية الحالية إلى إعادة النظر - بما في ذلك مَنْ هم في السلطة - وألا يكون هناك مجرد استمرار للعمل بالوسائل التقليدية المعتادة فيما بعد الجائحة. يجب أن تتغيّر العولمة والرأسمالية، وأن تستنير وتسترشد بالتعاون والتآزر، وأن تتسم بالحكمة والبصيرة القائمة على الأفكار المتجددة للصالح العام العالمي، والمواطنة العالمية، وعقد اجتماعي عالمي جديد. وعلينا أن نفكر بطريقة "أفاتار".

كتبه:
الدكتورة ديبورا بروسنان رئيس ومؤسس ديبورا بروسنان وشركائها للحلول البيئية وأستاذ مساعد في العلوم البيولوجية بجامعة فرجينيا للتقنية.
البروفيسور جيمس بوهلاند أستاذ فخري بكلية الشؤون العامة والدولية بجامعة فرجينيا للتقنية.
البروفيسور أندرياس ريتشكيمر أستاذ السياسة العامة بجامعة حمد بن خليفة، قطر، وأستاذ منتسب للأبعاد البشرية للموارد الطبيعية بجامعة ولاية كولورادو.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب، والآراء الواردة فيه تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.