كتاب "ليتني كنت أعلم" للكاتبة سهى أبو شقرا
فتاة تنجذب نحو بريق الضوء المنبعث من شاشة الكمبيوتر. وعن طيب خاطر، تتحدث إلى أحد الغرباء وتشاركه صورها ومعلوماتها الشخصية، ثم تستشعر أن هذا التواصل يقتحم حياتها الخاصة بأسلوب مريب، وسرعان ما تضطر إلى طلب النجدة.
إنها قصة صامتة تثري خيال الصغار والكبار، وتدفعهم إلى الانخراط بمناقشة في غاية الأهمية، علَّها تجنبهم المرور بموقف شبيه بما حصل مع الفتاة، فلا يجدون أنفسهم مضطرين للقول مثلها: 'ليتني كنت أعلم".
عبارات مؤثرة تصف أول كتاب صامت من إصدار دار جامعة حمد بن خليفة للنشر "ليتني كنت أعلم" للكاتبة القديرة سهى أبو شقرا والرسامة التعبيرية صاحبة الجوائز العالمية زهرة غوديني. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب هو الأول من نوعه من إصدار دار النشر القطرية، فإنه ليس أول الأعمال الرائدة للدار، إذ إن الدار كعادتها تسعى عبر تشكيلتها الواسعة من الإصدارات إلى إشباع نهم القراء من مختلف الأعمار والمستويات، وتقدم لهم ما يثير اهتماماتهم من العناوين نوعًا وكمًا، مؤدية بذلك رسالتها التي تُعنى بإنتاج كتب تثقيفية عالية الجودة.
"ليتني كنت أعلم" حكاية سُردت بأسلوب فريد، وتدعو الجميع بلا استثناء إلى التنبه للآثار الضارة المحققة والمحتملة الناجمة عن التعامل مع شبكة الإنترنت واستخدامها لفترات طويلة. كما يتمتع الكتاب بقدرة استثنائية على الدعوة للحوار البنَّاء، وإثارة ردود الفعل الحقيقية الصريحة دون استخدام كلمة واحدة! فالكتاب يحكي قصة كاملةً عبر الرسوم الإبداعية فحسب.
وعن هذا الكتاب المتميز، تقول السيدة ريما إسماعيل، مدير التواصل والمشاريع الخاصة في دار جامعة حمد بن خليفة للنشر: "تعمل الدار على إصدار مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأعمال الأدبية، وتخص بالاهتمام أدب الطفل، كما أن إصداراتنا تركز بشدة على تيسير النمو المعرفي الشامل للقراء الناشئين، ومن ثم نضع معايير قيّمة تضمن ملاءمة الموضوعات للأطفال، وقد أُعدَّت كتبنا من الألف إلى الياء بطريقة توقد خيال القراء، وتثري تفكيرهم النقدي، وتقودهم إلى طرح أسئلة على قدر بالغ من الأهمية".
وفي الواقع، يُمثل هذا الكتاب نقطة تحوُّل في المسيرة الملهمة التي تقودها الدار، بوصفه أول كتاب من نوعه يصدر من دارها. وعن هذه الفكرة، تُعلق السيدة ريما إسماعيل، قائلةً: "لطالما كانت القصة الصامتة من أنواع الكتب التي تثير اهتمامنا بشدة، حتى وصلتنا أخيرًا قصةٌ تفي بكل معاييرنا، وإننا نؤمن بقيمة الرسالة التي تحملها، والتي تسلط الضوء على علاقة الأطفال بالإنترنت، الأمر الذي يُعد حتمًا مصدرًا أساسيًا للمخاوف الجدية التي تقلق الآباء والمُربين".
سرد الأقاصيص بلا كلمات
لقد صرنا اليوم في أمس الحاجة إلى قصص مثل "ليتني كنت أعلم"، بعدما ازداد اعتمادنا على الإنترنت في حياتنا اليومية، وبخاصة مع تطور الوسائل المتاحة للناس في التعلم والتواصل الاجتماعي، وقد أصبح من السهل على الأطفال أن يدخلوا إلى عدد لا حصر له من منصات التعليم والتواصل الاجتماعي، وأصبحت الحاجة إلى دراسة سُبل استخدام تلك المنصات ومزاياها وعيوبها المحتملة ضرورة ملحة من كل الزوايا.
وكتاب "ليتني كنت أعلم" يضرب مثلًا لهذا الأمر، ويحكي عن فتاة صغيرة تخطو أولى خطواتها في عالم الإنترنت، وتتفاعل مع مختلف ميزاته وجهات التواصل عبره، ثم تجد نفسها قد انجرفت نحو منزلق خطير، بعد أن كشفت عن خصوصيات كثيرة في حياتها، الأمر الذي أوقعها، على غفلة منها، في دوامة من القلق والخوف، وكان من حُسن حظها أنها هرعت إلى والديها لنجدتها قبل فوات الأوان، وبالفعل تصرفا بحكمة لحل المشكلة.
فهذا الكتاب يدق ناقوس الخطر لكي يتخذ الأبناء والآباء معًا الحيطة من خلال الوعي بالمخاطر وتجنب الوقوع في أخطاء مماثلة، ويضمن تقديم رسالة مهمة بطريقة معبرة تعالج المضمون بذكاء. وقد نجح الكتاب في تقديم قصة مكتملة العناصر باستخدام الرسوم فحسب، وذلك في حدِّ ذاته نجاح كبير علاوةً على أنه ينشر الرسالة المرجوة بين جموع القراء في أنحاء العالم بمختلف لغاتهم من أجل ارتشاف فحواها. وإن نشر كتاب كهذا يقدم مستوىً جديدًا من المعالجة والانتشار عبر صياغة رسالة عالمية بلغة يفهمها الجميع.
حديث كاتبة القصة الصامتة
هذا الكتاب من تأليف سهى أبو شقرا، الكاتبة صاحبة الإنتاج الغزير والعديد من الأعمال التي تحظى بإشادة النقاد، والصادرة عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، مثل "كرات الصوف"، و"من أنا؟"، و"القبعات"، والقصة الحائزة على الجوائز العالمية "الهدهد المهاجر"، ولها خبرة عمل سابقة مع قناة الجزيرة للأطفال في إعداد البرامج ومراقبة المحتوى وكتابة عشرات الأغاني والقصص.
وفي جلسة حوارية مع الكاتبة سهى أبو شقرا، قالت إن قصة 'ليتني كنت أعلم' تسرد تجربة طفلة مع عالم الإنترنت بما تحمله من مواقف عديدة، فالبدايات كانت مفرحة ومغرية، لكن مع تصاعد الأحداث تصبح المواقف صعبة، وتلقي بظلال الريبة والخوف على حياة الطفلة بما يفوق قدرتها على الاحتمال.
وأشارت الكاتبة إلى اهتمامها الدائم بالعلاقة بين الأطفال والإنترنت، ليس لافتقار الصغار إلى البصيرة والانضباط الذاتي في العالم الافتراضي الواسع والشائك فحسب، بل لاحتمال تعرضهم لمواقف مؤذية تسبب لهم أزمات قد لا يستطيعون مواجهتها بمفردهم. بالإضافة إلى احتمال تخوفهم من طلب المساعدة، وبخاصة من العائلة.
وأضافت سهى أبو شقرا: "إن ترك الأطفال يديرون شؤونهم بأنفسهم، ويخوضون تجاربهم الخاصة عبر الإنترنت عمومًا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، وقلة وعي أولياء الأمور بمدى الخطورة المحتملة التي تهدد صغارهم، وتضعهم في مآزق غير مأمونة العواقب، يتطلب من البالغين بذل جهود حثيثة في مراقبة تحركات أبنائهم".
وتنصح الكاتبة بأن يُوجِّه الآباء أبناءهم خطوةً بخطوة عند استخدامهم المواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، علاوةً على تفعيل القيود التي تحول دون دخول صغارهم إلى المواقع الإلكترونية غير المناسبة، وحجب أي مصدر أو شخص مثير للشبهة وعدم الارتياح.
وعن القصة الصامتة، تقول الكاتبة: "تفتح القصة الصامتة الباب على مصراعيه أمام خيال الطفل وإعمال عقله بطريقة تساعده على فهم المحتوى وكأنه يقرأ نصًا مكتوبًا، بل تحملهم القصة الصامتة إلى حدود واحتمالات أبعد مما لو كان الكاتب قد كتبها فعليًا بين ضفتي كتابه، علاوةً على تشجيعهم على الغوص في أعماق الرسوم وسبر أغوارها".
وترى الكاتبة أن "القصة الصامتة تعزز مهارات الحوار والنقاش بين الأطفال، وتمكنهم من طرح أفكارهم على البالغين، الأمر الذي من شأنه تمكينهم من اختبار معلوماتهم التي جمعوها وتعلموها وطوروها".
واختتمت أبو شقرا حديثها بدعوة أولياء الأمور والمدارس إلى اقتناء القصة لأهمية موضوعها، وتقول في ذلك: "تمهد القصة الطريق نحو توعية النشء بما قد يصادفونه في العالم الافتراضي، وآمل أن توجِّههم نحو إدراك ضرورة اللجوء إلى الآباء والمعلمين عندما يواجهون مواقف مريبة تُشعرهم بعدم الأمان".
تجسيد الأحاسيس برسوم حائزة على الجوائز
"ليتني كنت أعلم" كتاب نابع من قصة تشبه ما يحصل في الواقع، غير أنه لا يعتمد بشكل أو بآخر على الكلمات المكتوبة، وإنما يرتكز كليًا على قدرة المؤلف على تشكيل منحنى منضبط الإيقاع، يمكن التعبير عنه بالكامل عن طريق الرسوم، ولا شك أن القدرة الإبداعية للرسامة التعبيرية زهرة غوديني كانت حاضرة بقوة وبذكاء في هذا العمل الإبداعي.
وقد أثنت الكاتبة كثيرًا على عمل الفنانة زهرة غوديني، ووصفت رسومها التعبيرية بأنها "مميزة" وفي غاية الأهمية بالنسبة إلى العمل كونها تمكنت بجدارة من "بلورة المحتوى بأدق تفاصيله". وقد نجحت غوديني في التعويض عن غياب الكلمات عبر رسومها المعبرة، فعكست مشاعرها كاملةً تجاه موضوع القصة، وقدمت للأطفال عملًا فنيًا عالي الاحترافية، يهتم بأدق التفاصيل.
وحينما حاورنا الفنانة زهرة غوديني، لخصت لنا مسيرتها الفنية بقولها: "إن حياتي تدور في فلك رسومي، وذاك أمر يشعرني بالامتنان والسرور. وقد وصلني ملخص مقتضب للقصة، وعلى أساسه بنيت رسومي، وأحيانًا لا يمكن وصف المعنى المجرد وفحوى النص أو القصة بالكلمات، وذلك في رأيي سر جمال الرسوم التعبيرية".
وعند سؤالها عن عملها في هذا الكتاب، أجابت: "عندما يراودك إحساس معين لا يسع الكلمات وصفه، يصبح الأقرب لوصفه استخدام الإبداع في الرسم، فإن محاكاة الإحساس بتجسيد الحركة أو الموقف أو اصطباغه باللون أو أي شيء له دلالة أو مثيل لا يمكن حصره بالكلمات... فذاك هو جوهر الإبداع. والإحساس الذي تحاكيه هذه القصة يبدأ بشعور الفتاة بالوحدة ثم يتحول إلى افتقادها الأمن والشجاعة الكافيين لإشراك والديها في مشكلتها، وذلك يخيم بظلاله على حياتها، لذا يغوص هذا الكتاب ما بين علم النفس والإبداع في الرسوم".
تنعكس الموهبة الملهمة للرسامة التعبيرية في تكريمها بالعديد من المسابقات العالمية، والتي كان آخرها التكريم الشرفي في مسابقة "جائزة اليعسوب البنفسجي" لعام 2023 عن فئة أفضل الرسوم التعبيرية، وكذلك تأهلت قصة "ليتني كنت أعلم" لهذا العام للترشيحات النهائية في جائزة "ناشيونال إندي إكسلنس" ضمن فئة الكتب المصورة لجميع الأعمار.
جدير بالذكر، أن كتاب "ليتني كنت أعلم" للكاتبة سهى أبو شقرا ورسوم زهرة غوديني متوفر في متاجر بيع الكتب وعبر الإنترنت.