بقلم/ د. كاميلا سوارت أريس
في العاشر من يوليو، أعرب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا عن تعازيه الحارّة بوفاة فرانك فان دير هورست، الرئيس السابق لمجلس جنوب إفريقيا للرياضة، والناشط المناهض للفصل العنصري، فأولئك الذين نشأوا ومارسوا الرياضة خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا يدركون جيدًا أن الرياضة والسياسة مرتبطان بشكلٍ وثيق، وهو ما يعكسه شعار مجلس جنوب إفريقيا للرياضة آنذاك: "لا وجود لرياضة طبيعية في مجتمع غير طبيعي"، وخلال حقبة الفصل العنصري، مع انقسام الرياضة في جنوب إفريقيا على أسس عنصرية، كانت حملات المقاطعة والاحتجاجات أمرًا شائعًا، وبلغت ذروتها في نهاية المطاف بعزل البلاد عن الرياضة الدولية، وقد أدت اللجنة الأولمبية الدولية دورًا رئيسيًا في ذلك، حيث منعت رياضيي جنوب إفريقيا من المشاركة في الرياضة الدولية منذ أولمبياد طوكيو 1964 وحتى أولمبياد برشلونة 1992، وشملت العقوبات الأخرى طرد اللجنة الأولمبية الجنوب إفريقية عام 1970، والذي جاء بعد 11 عامًا من قرار الفيفا بطرد جنوب إفريقيا من المنافسات الدولية لكرة القدم.
وفي الآونة الأخيرة، كان رد الفعل الأول لكل من اللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) تجاه غزو روسيا لأوكرانيا هو حظر الرياضيين الروس والبيلاروسيين من المشاركة في المنافسات الدولية، لكن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعتبر أن الحظر الشامل المفروض على هؤلاء الرياضيين ينطوي على تحيزٍ وانتهاكٍ لحقوق الإنسان، ولذلك، أوصت اللجنة الأولمبية الدولية في مارس 2023 بالسماح للرياضيين الروس والبيلاروسيين بالمشاركة تحت صفة "رياضيين فرديين محايدين"، بشرط استيفاء معايير معينة.
ويمكن تطبيق المعيار نفسه على إسرائيل قبل انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في باريس ردًا على الصراع الدائر في غزة، إلا أنّ اللجنة الأولمبية الدولية تنظر إلى الحالتين بشكل مختلف تمامًا، مما ينمّ عن ازدواجيةٍ في المعايير.
وعلى الرغم من أن هذه الحالات يمكن النظر إليها كمرجعية، إلا أن اللجنة الأولمبية الدولية بررت استبعادها لجنوب إفريقيا بناءً على عقوبات الأمم المتحدة وحقيقة أن الفصل العنصري كان يُمارس أيضًا في الرياضة في جنوب إفريقيا، ولذلك، لم يكن مفاجئًا أن تتقدم جنوب إفريقيا بدعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر 2023، متهمةً إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية في غزة، كما أن جنوب إفريقيا وضعت قضيتها في سياقٍ أوسع يتضمن نظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين منذ 75 عامًا، ومع تفجر الصراع الحالي، دعا الرياضيون والنشطاء الفلسطينيون أيضًا اللجنة الأولمبية الدولية إلى تطبيق المعايير نفسها على إسرائيل واستبعاد رياضييها من دورة باريس 2024.
في أعقاب الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني، أرسلت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان رسالة مفتوحة إلى رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ، تطالب فيها اللجنة بأن تلتزم بمبادئ المساواة وحقوق الإنسان وعدم التمييز، من خلال التعامل مع الوضع الحالي بنفس القدر من الحزم والحيادية الذي أظهرته سابقًا، وبالمثل، بعثت اللجنة الأولمبية الفلسطينية برسالة إلى باخ تطالبه فيها بحظر إسرائيل من المشاركة، مشيرةً إلى القصف المستمر الذي يتعرض له قطاع غزة المحاصر كخرقٍ للهدنة الأولمبية، كما أشارت الرسالة إلى معاناة الرياضيين الفلسطينيين، بما في ذلك مقتل نحو 400 رياضي فلسطيني وتدمير المنشآت الرياضية، واستشهدت بقرارات محكمة العدل الدولية، وكذلك ألمحت الرسالة إلى أن أفعال إسرائيل تشكل انتهاكاتٍ فادحة للميثاق الأولمبي.
يُذكر أنّ قرار الفيفا بتأجيل البت في مسألة إيقاف إسرائيل عن المشاركة في مسابقات كرة القدم حتى 31 أغسطس يتيح لإسرائيل فرصة المشاركة في المنافسات القادمة، رغم الضغوط المتزايدة الصادرة عن الاتحادات والنشطاء والمنظمات غير الربحية، والتي تطالب باتخاذ موقف حازم.
ومع انطلاق الألعاب الأولمبية وارتفاع الأصوات المطالبة بحظر إسرائيل من المشاركة، من الصعب تصديق أن الهيئات الرياضية الدولية، مثل اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا، تفتقر إلى الإرادة السياسية للتصرف بنفس الحزم الذي أبدته مع قضايا الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فآنذاك، كانت حملات المقاطعة والإجراءات الحاسمة الأخرى التي اتخذوها جزءًا من حملةٍ أوسع كانت لها مساهمة محورية في تفكيك النظام القمعي هناك. إن هذا النوع من الضغط من جميع الأطراف، بما في ذلك المنظمات الرياضية الدولية والدول المشاركة ورياضييها وغيرهم، هو الذي سيُفضي في نهاية المطاف إلى إنهاء الاحتلال غير القانوني لغزة وجميع الأراضي الفلسطينية، تمامًا كما حدث في جنوب إفريقيا.
** الدكتورة كاميلا سوارت أريس، أستاذ مشارك، ومدير برنامج ماجستير العلوم في إدارة الأنشطة الرياضية والفعاليات في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة.
** تم تقديم هذا المقال من قبل إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابة عن مؤلفته، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عنها ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.