الإنسان ما حالنا في العزل المنزلي؟
سارة زهران*
ما بين عشية وضحاها، وجدنا أنفسنا نعيش مع أسرتنا في كل ساعة من اليوم، بل كل دقيقة، بكل تفاصيل حياتنا اليومية، حيث اضطرتنا الأوضاع الراهنة لانتشار فيروس كورونا إلى أداء مهام أعمالنا من المنزل، وبات على الطلاب متابعة دراساتهم على اختلاف مراحلها عن بعد من منازلهم، وأصبح لزامًا على أولياء الأمور الاضطلاع بمسؤولياتهم الأسرية والتربوية أثناء أدائهم لأعمالهم من المنزل. كل ذلك امتزج وتواجد في مكان واحد وفي وقت واحد. ويختلف وقع هذا التوحد المكاني والتزامن الوقتي على كل فرد؛ حيث تختلف المرأة عن الرجل، الذي يختلف بدوره عن الطفل، والشيخ المُسِّن. وأعتقد أن كل منا وقف مع نفسه ولو للحظة ليتفكر كيف سيعيش هذه الفترة؟ كيف سينظم حياته؟ هل هناك مسؤوليات جديدة وقعت على عاتقه؟ هل خفت عن عاتقه أعباءًا؟ والعديد من التساؤلات التي قد تتغير من يوم لآخر أو أسبوع لآخر.
الحاجة لمراجعة الحسابات
من الأهمية بمكان في الفترة الحالية أن يعيد كل شخص حساباته ومسؤولياته، وأن يعيد التفكير في أسلوب حياته. هل كان نمط حياته صحيحاً؟ هل كل ما كان يعتقد أنه من أولوياته لا زال منها؟ هل وجد نفسه أمام مسؤوليات أو مهام لم يكن يعلم عنها شيئًا؟ والمطلوب منه الآن أن يتعامل معها وينغمس في مشكلاتها؟
ويجب أن يقف المرء مع نفسه وقفة صلبة ليست وقتية فقط بل نصوحة، وأن يصارح نفسه ويتساءل ويتأمل في أسلوب حياته ومفاهيم الرضا لديه مع إعادة ترتيب أولوياته في هذه المحنة أو الابتلاء الذي نعيشه وفيما بعده.
التفاؤل وحسن الظن بالله
ينبغي أن نتفهم جيدًا أنه مهما كانت إجاباتنا عن تلك الأسئلة، يجب أن نتفاءل ونظن بالله خيراً دائمًا وأبدًا، فقد تكون هذه الفترة بمثابة الحمى التي يعود منها الإنسان من جديد كما ولدته أمه بلا ذنوب، كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" رواه أنس بن مالك. فقد نخرج من هذه المحنة ونحن في حال جديدة وتفكير أعمق وطريق منير بإذن الله.
ويجدر بنا أن نستحضر حياة حبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بيته، حيث كان رسولنا الكريم حنونًا ولطيفًا، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر، كان يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا أحضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأةً ولا خادمًا".
دعوة للتأمل
ويجب أن نتأمل فيما قالته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هذا أول تساؤل نسأله لأنفسنا. هل نحن بسامين ضحاكين كرماء؟ هل نتشارك مع أهل بيتنا في مهام البيت؟ وهل نتشارك في تربية وتعليم الأبناء؟ أو أي مساعدة كانت بحسب كل أسرة؟ ومن المهم أن نستحضر عند مساعدة أهل بيتنا أيًا كانت درجة قرابتهم إلينا، حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحُمّى".
ونخص بالذكر هنا الزوج والزوجة، حيث أن التعاون والمساعدة بين كليهما مطلوب ومهم جدًا أيًا كانت تلك المهام والمسؤوليات، لتعضد الحياة الزوجية، وتحقق المعنى الحقيقي للزواج في الإسلام وهو "السكن"، كما في الآية القرآنية الكريمة (21) بسورة الروم: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة".
هي دعوة للتأمل في تلك الكلمات والتفكر في أسلوب حياة رسولنا الكريم والتعلم مهما طال بنا الأمد. نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد وأن يتقبل منا توبتنا وأن يرفع عنا البلاء. آمين.
* تشغل سارة زهران منصب زميل أبحاث بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.