الدوحة، قطر: تتميز الحكايات الكلاسيكية بقدرتها الخاصة على تجاوز حدود الزمان والمكان، ومن ثم التأثير في حياة الأجيال المتعاقبة. وهذه الحكايات تَخلُد في ذاكرة كل قارئ لأنها تأتي محُمَّلة بالدروس الملهمة التي يتعلمها عبر مواقف غير عادية، كما أنها تنطوي على لمسة من الفانتازيا والخيال. ولذلك تُولي دار جامعة حمد بن خليفة للنشر أهمية كبيرة لنشر القصص التي تحمل هذه السمات، وقد اعتبرت قصة "غصون أخت الغزال" نموذجاً مثالياً لهذه الحكايات.
وحول هذه الحكاية، تقول الكاتبة القطرية الدكتورة كلثم بنت علي الغانم، أستاذ علم الاجتماع في جامعة قطر، إنها سمعت حكاية "غصون أخت الغزال" للمرة الأولى في عام 1989 من امرأة في الثمانين من عمرها، وعقلت بذهنها منذ ذلك الحين وعلى مدى أكثر من 25 عاماً.
وتضيف الدكتورة الغانم قائلة: "لقد كانت المرأة التي روت لي الحكاية على دراية بحكايات شعبية كثيرة من الفولكلور القطري، وفوق ذلك كانت بارعة في رواية هذه الحكايات. وكانت لديها طريقتها الخاصة في إضفاء عنصريّ التشويق والحيوية على القصة التي تحكيها، ولذلك علقت هذه الحكاية بذهني أكثر من غيرها، حيث وجدتني منجذبة إلى العلاقة الخاصة التي تجمع بين الفتاة وشقيقها، وعلاقتهما مع الكلبة. وبعد سنوات، حينما بدأتُ الكتابة للأطفال، تذكرت هذه الحكاية، وأدركت أن عليّ مشاركتها مع هذا الجيل من الأطفال وصياغتها بطريقة جذابة تجعلها تبقى بأذهانهم كما بقيت بذهني رغم كل هذه السنين".
وهكذا، فقد أسهمت حكاية "غصون أخت الغزال" الصادرة عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر والمتوفرة حاليا في مكتبات قطر، في تناقل حكاية من حكايات التراث القطري الجذابة من جيل إلى جيل.
وتصور الحكاية التي تدور حول معاني الحب والفقدان والإخلاص والخيانة، حياة سالم وأخته غصون اللذين يعيشان مع أبويهما في سلام وأمان، برفقة كلبتهما الوفية "سلفة". لكن الموت يخطف الأم، فيتزوج الأب من امرأة أخرى لا تلبث أن تتآمر عليهما وعلى كلبتهما الوفية مع غراب شرير، وتُفلح في التخلص من الطفلين ومعهما كلبتهما.
وهكذا يجد الأخ والأخت ومعهما الكلبة الوفية أنهما أمام حياة لم يألفاها بعيداً عن البيت والأهل، ويبدآن معاً رحلة محفوفة بالمصاعب والمؤامرات وأعمال السحر، ولكنهما مع ذلك يظلان يتشبثان بالأمل في أن يعيشا حياة هانئة مرة أخرى. ويقول السيد فخري صالح، رئيس قسم النشر العربي في دار جامعة حمد بن خليفة للنشر: "عندما اقترحت علينا الدكتورة الغانم حكايتها، لم نتحمس بشدة لنشر هذه الحكاية ذات الصياغة الجيدة وحسب، ولكننا أكدنا لها أن نشر مثل هذه الحكايات المستوحاة من التراث القطري يقع في صميم اهتمامات الدار باعتبارنا دار نشر قطرية تشجع وتدعم الكتّاب المحليين وتهدف إلى تخليد هذه الحكايات الشعبية.
أما فيما يتعلق بالرسوم الخاصة بالحكاية، فقد رأت الدكتورة الغانم ومحررو دار جامعة حمد بن خليفة للنشر أن ابتهاج الحارثي هي الخيار الأمثل لتقديم الرسوم الخاصة بهذه الحكاية.
وعنها تقول الدكتورة الغانم: "إن لمساتها الفنية قادرة على تجسيد شخصيات الحكاية وتصوير أفعالهم ببراعة".
كما تحمست الكاتبة والرسامة العمانية ابتهاج الحارثي والتي فازت بالعديد من الجوائز وأسهمت برسومها في كتاب أطفال آخر لدار جامعة حمد بن خليفة للنشر هو "أنا وماه"، للمشاركة في هذا الكتاب.
وتقول الحارثي: "لقد كنت دائما متحمسة للحكايات الخيالية وقيمتها الثقافية. فقد فتنتني في طفولتي ولا تزال تبهرني بعدما كبرت". وتضيف: "لهذه القصة مكانة خاصة لديّ، وذلك بسبب روحها الثقافية. لقد أدخلت المؤلفة بذكاء بعض مفردات اللهجة العامية في الحكاية وهو ما أضفى عليها روحاً خليجية صادقة. وقد كنت محظوظة حقاً لأنني مُنحت فرصة المساهمة في هذا الكتاب.
وربما يكون تصوير هذه الروح والأجواء الخليجية وإتاحة الفرصة أمام المواهب المحلية لمشاركة مثل هذه الحكايات مع جيل جديد هي الغاية التي جمعت الأطراف الثلاثة الذين شاركوا في إخراج هذا الكتاب إلى النور. فمع إصدار هذا الكتاب، "غصون أخت الغزال"، تكون الكاتبة والرسامة ودار النشر قد نجحوا معاً في تحقيق هذه الغاية، وهو ما تشير إليه الدكتورة الغانم بقولها:"ما آمله حقا هو أن أربط جيل الشباب بتراثه الثقافي وأن يسمعوا الحكايات التي أنتجتها شعوب هذه المنطقة. كما أريد لهم أن يفهموا طبيعة حياتهم في الماضي وأن يدركوا أن تراثهم الثقافي يضم كنوزاً يمكنهم الاستفادة منها والاستمتاع بها".