يحل اليوم العالمي للسرطان في 4 فبراير من كل عام، وهي مناسبة لتعزيز الوعي حول هذا المرض، الذي شهدت وسائله العلاجية مؤخرًا تقدمًا كبيرًا، حيث تمثل الأبحاث التي تجري في جامعة حمد بن خليفة جزءًا مهمًا ضمن هذه الجهود القيّمة
يُعد السرطان واحدًا من التحديات الصحية الرئيسة التي تواجه عالم اليوم، ويأتي كسبب أساسي للمرض والوفاة، حيث تتحدث الإحصاءات عن 9.6 مليون وفاة في العالم خلال عام 2018 نتيجة الإصابة بالسرطان (https://www.who.int/cancer/PRGlobocanFinal.pdf)، وأصبح توفير العلاج الفعال لهذا المرض واحدًا من الأولويات الصحية الكبرى المحددة في استراتيجية قطر الوطنية للبحوث.
تضطلع جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، بدور مهم في التصدي لهذا التحدي العالمي من خلال اثنين من معاهدها البحثية وإحدى كلياتها، عبر إجراء الأبحاث العلمية المتقدمة في منشآتها البحثية المتطورة وعلى يد هيئتها التدريسية العالمية.
يضطلع بجميع البحوث الأساسية التي تُجرى لتوفير حلول علاجية للسرطان معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، ومعهد قطر لبحوث الحوسبة، وكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.
معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
يتمتع معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بمكانة رائدة في توفير حلول الرعاية الصحية، وجاء فوز المعهد بجائز أفضل مؤسسة بحثية في العالم العربي للعام 2017 تتويجًا لإنجازات المعهد وتقديرًا لمكانته المرموقة، حيث يعمل بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية على بحوث السرطان، وموخرًا وقَّع اتفاقية تعاون في الأبحاث العلمية مع مركز الحسين للسرطان في المملكة الأردنية الهاشمية.
ويركز مركز بحوث السرطان التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي على إيجاد حلول أساسية لمرض السرطان، الذي يشكل ثاني سبب للوفاة في العالم. كما يعمل المركز على تحسين طرق تشخيص وعلاج مرضى السرطان، مع تركيز خاص على سرطان الثدي، كونه النوع الأكثر شيوعًا في قطر، ويشكل 31٪ من حالات السرطان لدى النساء.
إن متوسط عمر الكشف عن سرطان الثدي لدى النساء العربيات أصغر بعشر سنوات من مثيلاتهن في الغرب. وتفيد التقارير بأن سرطان الثدي لدى النساء الأصغر سنًا له خصائص أكثر شراسة، لذا فإن إيجاد الحلول الناجعة للمرض تمثل أهمية كبيرة لقطر وللمنطقة كلها.
وقد استحضر أحد المنشورات التي أجراها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي مؤخراً ذكرًا في واحدة من أقدم وأكبر جمعيات علم المناعة وأكثرها نشاطًا في العالم - الجمعية البريطانية لعلم المناعة - وتم إدراجها ضمن مجموعة / قائمة العلاج المناعي للسرطان - جائزة نوبل ٢٠١٨
يُعد علم المناعة السرطاني والعلاج المناعي مجالاً رئيسيًا من مجالات التركيز في مركز بحوث السرطان التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، مثلما هو واقع الحال بين العلماء في آنحاء العالم. ففي عام 2013، أُطلق على العلاج المناعي للسرطان، الذي يقوم على تحفيز الجهاز المناعي في علاج المرض مسمى "إنجاز العام" من قبل المجلة الأكاديمية المحكمة ’ساينس’، بينما في عام 2018، مُنحت جائزة نوبل للطب إلى اثنين من العلماء البارزين وهم (جيمس أليسون وتاسوكو هونجو) عن اكتشافاتهما في مجال العلاج المناعي للسرطان.
ويسعى معهد قطر لبحوث الطب الحيوي لتبوء دور قيادي في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لبحوث السرطان، وترسيخ مكانته كمؤسسة رائدة في هذا المجال. فالبحوث التي يجريها حول الأسباب الكامنة وراء سرطان الثدي في قطر والمنطقة، وجهوده لتطوير استراتيجيات تشخيصية وعلاجية مبتكرة، تهدف إلى تحسين فرص التكهن بالمرض ومعدلات بقاء المرضى على قيد الحياة في قطر.
وقد صرح الدكتور إياد الكرد، باحث رئيسي في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي: "على مر السنين، تحسنت قدرتنا على تشخيص وعلاج السرطان بشكل كبير. وقد أدى التقدم في طرق الكشف المبكر وتوافر الوسائل العلاجية المختلفة إلى تحسن كبير في تشخيص المرض وبقاء المرضى على قيد الحياة. وفي السنوات الأخيرة، تطور علاج السرطان من الطرق التقليدية الأكثر شراسة مثل العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي إلى طرق علاجية فعالة ومحددة بدرجة أكبر."
ويضيف الدكتور الكرد: "وتتوالى الطفرات البحثية، ويصاحب هذه النجاحات الأخيرة للعلاج المناعي للسرطان الكثير من الحماس والترقب، وهو نوع من الأدوية التي تحفز جهاز المناعة في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية".
لا شك أن مناهج العلاج المناعي تتميز بإمكانات كبيرة في مكافحة السرطان بشكل أكثر فعالية، في ظل وجود آثار جانبية أقل من العلاجات الأخرى، على الرغم من نجاح هذه العلاجات مع نسبة صغيرة من مرضى السرطان. إنه مجال مهم للبحث والتمحيص الذي يستهدف تحقيق زيادة في معدل استجابة المرضى للعلاج.
معهد قطر لبحوث الحوسبة
ويشرح العالم محمد سعد، المتخصص في علم الوراثة الإحصائية والمعلوماتية الحيوية في معهد قطر لبحوث الحوسبة، الوضع الحالي، فيقول: "لا يستجيب كل المرضى بشكل جيد لنفس العلاج. وقد أظهرت الأبحاث أن الخلايا تستجيب أو تتفاعل بشكل مختلف مع الأدوية باختلاف الأشخاص. كما تَبيّن أن الأورام التي يعاني منها المريض تحدث لها تغيرات جينية تحفز الورم إما على النمو أو الانتشار، أو الإستجابة للعلاج".
ويضيف الدكتور سعد: "إذا تمكنا من تحديد العوامل التي تؤثر على معدل الاستجابة للعلاج، سنكون قادرين على تطوير نماذج إحصائية أو نماذج تعليمية آلية للتنبؤ بإمكانية الاستجابة للوسائل العلاجية لكل مريض."
ويستخدم الدكتور راغفيندرا مول، العالم في تحليل البيانات بمعهد قطر لبحوث الحوسبة، الذكاء الاصطناعي لدراسة السرطان. وقد أفاد السيد مول قائلاً أن "واحدة من أكثر الطرق فعالية في مكافحة السرطان هي العلاج المناعي. ومع ظهور تكنولوجيات متقدمة مثل تتابع الجيل القادم، من الممكن أن نجمع كميات كبيرة من البيانات ذات الصلة بالسرطان في الأنسجة المختلفة، مثل الرئتين، والثدي، والمبيض، والدماغ، إلخ، والحصول على استجابات جزيئية لدى المرضى الذين يعانون من هذه الأنواع المختلفة من الأورام السرطانية".
ويضيف: "نحن في معهد قطر لبحوث الحوسبة، نستفيد من الذكاء الاصطناعي في تحديد الأنماط من خلال هذه البيانات للإجابة على الأسئلة المهمة التي يمكن أن تساعدنا في النهاية على تعزيز استجابة المرضى للعلاج المناعي."
ويستكمل حديثه: "بالتعاون مع أطلس جينوم السرطان، نقوم بتحليل البيانات من أكثر من 10,000 مريض وأكثر من 120 عقارًا. لا غنى عن الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي في تحليل مثل هذه البيانات واسعة النطاق. نحن نستخدم طرقًا متعمقة قائمة على التعلم للتنبؤ باستجابة المريض للدواء، لذلك وإذا ما أنتجت شركة أدوية في الغد دواءً جديدًا، يمكننا عندئذ التنبؤ بمدى فعاليته للمرضى الذين يعانون من أنواع مختلفة من الأورام السرطانية ".
كلية العلوم الصحية والحيوية
تقدم كلية العلوم الصحية والحيوية برنامجين لطلاب الماجستير، وبرنامجين مستقلين لطلاب الدكتوراه، أحدهما في العلوم البيولوجية والعلوم الطبية، والثاني في علم الجينوم والطب الدقيق، وتساعد الكلية في تخريج متخصصين في بيولوجيا السرطان نظرًا للحاجة الملحة للمتخصصين في هذا المجالس.
ويقول الدكتور عمر خان، الأستاذ المساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية: "لدينا في الكلية أحدث الأجهزة والمعدات، وبالتعاون مع معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، أستطيع أن أقول بثقة تامة بأن لدينا وبشكل عملي كل المعدات التي نحتاج إليها لإجراء البحوث العلمية المتقدمة".
ويضيف الدكتور خان: "من المتوقع أن يُصاب واحد من كل ستة أفراد من سكان العالم بالسرطان في مرحلة ما من حياتهم، لذا فمن الأهمية بمكان أن تُجرى مثل هذه البحوث".
وعن علاقة السرطان بالجينات الوراثية، يقول الدكتور خان: "لقد اكتشفت الأبحاث الحديثة وجود علاقة قوية تربط بين السرطان والجينات الوراثية ونمط الحياة، لذلك يمكن أن يؤثر سلوكنا وخياراتنا بقوة على إمكانية عدم الإصابة بالسرطان. على سبيل المثال، فإن السمنة، والتدخين، وتناول الكحوليات، ونقص تناول الفاكهة أو الخضروات، وتدني النشاط البدني، كلها عوامل خطيرة يمكن أن تتسبب في الإصابة بالسرطان، كما هو الحال فيما يتعلق بالأسباب ذات الصلة بالتاريخ الأسري تجاه الإصابة بالسرطان، لذا من المهم حقًا أن نتعلم قدر ما نستطيع حول كيفية منع المرض وتوفير العلاجات الناجعة."
ويعتقد الدكتور خان أن أبحاث السرطان في جميع أنحاء العالم تؤتي ثمارها، موضحًا وجهة نظره قائلاً: "من بين كل 21 نوع سرطان، هناك 12 نوعًا يبقى المصابون بها على قيد الحياة لمدة 10 سنوات وهي تمثل ما يعادل أو يزيد عن 50٪. أما مرضى سرطان الخصيتين، وسرطان الجلد، وسرطان البروستاتا، وسرطان الغدد الليمفاوية فمعدلات البقاء على قيد الحياة بين مرضاها تزيد عن 80%، في حين أن معدل الشفاء من سرطان الثدي في مرحلته الأولى يقدر أيضًا بقرابة 80%. كل هذا يرجع إلى بحوث مكثفة."
وتستمر مواجهة السرطان مع استمرار التحسن في معدلات البقاء على قيد الحياة، وكذلك التحسن الحادث في جودة ونوعية حياة مرضى السرطان، وهذا كله يرجع إلى الأبحاث العالمية المتقدمة التي تجري في جامعة حمد بن خليفة وفي أماكن أخرى حول العالم.