العالم الرقمي يمكن أن يلبي احتياجنا للتفاعل الاجتماعي

يناقش الدكتور كريم درويش، عالم رئيسي في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، الطرق الكفيلة بمساعدة الأفراد في الحفاظ على تفاؤلهم رغم التباعد الاجتماعي.

العالم الرقمي يمكن أن يلبي احتياجنا للتفاعل الاجتماعي خلال انتشار فيروس كورونا

في ظل تطور الأوضاع الحالية لفيروس كورونا، وما ترتب عليها من إجبار معظم الأفراد على العمل عن بعد، انخفض حتمًا مستوى التفاعل الاجتماعي الذي اعتدنا عليه، وهو ما يمكن أن يجعل العديد من الأشخاص، لا سيَّما العزاب، يشعرون بالعزلة.  

ويمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث مجموعة متنوعة من الأمراض النفسية، من بينها الاكتئاب والانهيار العصبي. ولهذا السبب، من المهم الاستفادة من الخيارات المتاحة لدينا في غياب التفاعلات المباشرة.  

نحن جميعًا نحتاج إلى العديد من التفاعلات الإنسانية الإيجابية كل يوم، وهناك العديد من وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية التي قد تلبي جزئيًا الاحتياجات الاجتماعية للأفراد.   

وتشتمل هذه الوسائل على برامج المحادثة، والاتصالات المسموعة والمرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والألعاب الإلكترونية، وحفلات المشاهدة الجماعية، والتعليم التعاوني. ولكن الوسائل الرقمية لم تُصمم جميعها بنفس الطريقة، ويمكن أن تكون هذه الوسائل مفيدة أو ضارة بالفعل، اعتمادًا على طريقة استخدامنا لها.   

ومن بين أشكال التواصل الفعالة للغاية برامج المحادثة، لا سيما المرئية منها، حيث يمكن للمرء النظر إلى الكاميرا للتفاعل مع الزملاء والأصدقاء بشكلٍ يوميٍ. ورغم أن هذه المحادثات قد تبدو محرجة قليلًا في البداية، فإن وضعها على جدولك يمكن أن يحولها خلال فترة وجيزة إلى جزء من عاداتك اليومية، وهي ممارسة قد تبدأ في التطلع إلى استخدامها بسرعة. 

وعند المشاركة في هذه المحادثات، من المهم التركيز على الجوانب الإيجابية لحياتنا، مثل عائلتنا وعملنا. ومن السهل الانزلاق إلى مناقشة الوضع الحالي لفيروس كورونا وانعكاساته على حياتنا. وفي الواقع، من الوارد جدًا أن نشعر بالميل إلى مناقشته، ولكن يجب أن نحاول مقاومة هذا الإغراء.  

ومن الخيارات الرقمية الأخرى التي يمكن أن تساعدنا حقًا خلال الوضع الراهن المشاركة في أنشطة مشتركة مع الآخرين. وقد تشتمل هذه الأنشطة على عقد جلسات قراءة جماعية، وحضور دروس على شبكة الإنترنت معًا، والاتفاق على حفظ أجزاء من القرآن الكريم ومن ثم تلاوته لبعضنا البعض، وتناول الغداء مع الآخرين افتراضيًا عبر مكالمات الفيديو المرئية، ومشاهدة برنامج والدردشة في الوقت نفسه عبر المحادثات النصية، وممارسة إما ألعاب تعاونية أو تنافسية على شبكة الإنترنت مع الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء.

وهذه القائمة ليست شاملة، بأي حالٍ من الأحوال، وهناك العديد من وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية المحتملة الأخرى تحت تصرفك. ويجب أن تصبح هذه التفاعلات جزءًا من حياتنا اليومية لضمان استمرار حصولنا على جرعات متكررة من التفاعلات الاجتماعية الإيجابية في وقت يميل فيه العالم إلى التباعد الاجتماعي المادي. 

ولكن يُمكن لبعض منصات التواصل الاجتماعي أن توفر أنماطًا سلبية قد تؤدي إلى حدوث اكتئاب أو حتى شعورٍ أكبرَ بالعزلة، ولعل المنصات غير المتماثلة من بين أبرز الأمثلة على ذلك. ورغم أن هذه المنصات تُمَكن المرء من الاستماع إلى آراء الأفراد الذين يعرفهم، فإن العديد من خصائصها يمكن أن تجعلها ضارة. فبسبب طبيعتها غير المتماثلة، تكون التفاعلات المتبادلة محدودة في الأساس. وقد تكون هناك إمكانية للتعليق أو الرد، ولكن هذه المحادثات توفر شعورًا عامًا بأنها غير شخصية، ولا ترتقي لمستوى الحوار. ولهذه الأسباب، يجب أن نتجنب قضاء وقتٍ طويلٍ على هذه المنصات.

ثانيًا، يرتبط قدر كبير من المحتوى الذي يشاركه الأفراد على منصات التواصل الاجتماعي بأخبار عن فيروس كورونا معظمها سلبي. ومن بين التحيزات المعرفية البشرية ما يعرف باسم "تحيز التوفر" الذي يجعل الأشياء التي نراها كثيرًا تشغل حيزًا كبيرًا من وعينا في الغالب مقارنةً بالأشياء التي نواجهها بمعدل أقل. 

لهذا السبب، نظرًا لانتشار المعلومات السلبية على هذه المنصات، من الوارد جدًا أن تسيطر المشاعر السلبية على عقولنا، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع احتمالات الشعور بالحزن والاكتئاب. وإذا ما أصررنا على استخدام منصات التواصل الاجتماعي، يمكننا مطالبة أصدقائنا بنشر رسالة إيجابية واحدة على الأقل يوميًا، أو يمكننا الانخراط في أنشطة مشتركة مثل حفلات المشاهدة الجماعية، حيث تتوافر إمكانية مشاهدة مقطع فيديو حي أو مسجل في نفس الوقت مع أصدقائنا.  

وخلاصة القول هي إنه في ضوء القيود المفروضة على التفاعل المباشر، يمكن أن تكون بعض وسائل التواصل الاجتماعي الرقمية مجدية للغاية في تلبية احتياجاتنا للتفاعلات الاجتماعية الإيجابية اليومية بشكلٍ جزئي، ولكن يجب تقييد استخدام بعض وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، أو حتى الامتناع عن استخدامها، إذا ما أردنا الحفاظ على مشاعرنا الإيجابية خلال هذه الأوقات العصيبة. 

الدكتور كريم درويش، عالم رئيسي في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.