يرى الدكتور سانجاي تشاولا أنه لا يوجد حتى الآن ما يسمى "علم الذكاء الاصطناعي"
الهيئة:  معهد قطر لبحوث الحوسبة
تطبييق DeepSeek

يرى الدكتور سانجاي تشاولا الأستاذ بجامعة حمد بن خليفة، أنه رغم قضاء ساعات من البحوث وأوراق العمل العلمية التي لا حصر لها، فلا يوجد حتى الآن ما يسمى "علم الذكاء الاصطناعي"، ولو كان هناك شيء من هذا القبيل، لما ظهر نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني"DeepSeek" المثير للجدل، والذي يريدنا صناع السياسات ووسائل الإعلام أن نقتنع به.

وقد تضمنت أولى الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية، الإعلان عن مشروع ستارغيت  الذي تقدر تكلفته بما يقارب 500 مليار دولار، وهو مشروع مشترك لشركتي OpenAI  وأوراكل الأمريكيتين، ومجموعة سوفت بنك اليابانية. ولقد تم الإعلان عن هذا المشروع في البيت الأبيض في 21 يناير 2025، بحضور رؤساء الشركات الثلاث، بهدف الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي عن طريق جذب رأس المال العالمي لبناء بنية تحتية ضخمة لمجال الحوسبة والطاقة في الولايات المتحدة.

وفي غضون أسبوع من الإعلان عن المشروع، تم إطلاق برنامج DeepSeek-R1، وهو نموذج لغوي كبير طوَّرته شركة صينية ناشئة بتكلفة أقل بكثير من تكلفة نظيراتها في الولايات المتحدة. كما تفاجأ المستثمرون بعدد هائل من التقارير الإعلامية التي تفيد بأن  برنامج  DeepSeek-R1 قد تفوق على نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية، الأمر الذي تسبب في خسارة أكثر من تريليون دولار بأسواق الأسهم الأمريكية، وأثار المخاوف حول لحظة سبوتنيك في القرن الحادي والعشرين.

ولا يجب اعتبار سلسلة الأحداث المذكورة أعلاه على أنها محاولة دولة لإثبات تفوقها على دولة أخرى أو العكس، بل هي إدانة للخبراء الذين لم يتمكنوا من إدراك أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لا تزال في بادئ تطورها، كما يحتاج الرؤساء وكبار المسؤولين إلى لجنة مكونة من خبراء حقيقيين لا يخشون إطلاع من في السلطة على كل الحقائق والمستجدات، فضلًا عن قدرتهم على التعامل بحذر مع اللغط المتزايد في مجال الذكاء الاصطناعي.

تكمن الحقيقة المرة للذكاء الاصطناعي، رغم آلاف البحوث المنشورة بهذا الخصوص كل عام، في أنه ليس هنالك علم راسخ حول الذكاء الاصطناعي، إذ يستند الاستخدام اليومي للذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على النتائج التجريبية؛ وعلاوة على ما سبق، لو كانت علوم الذكاء الاصطناعي الراسخة موجودة بالفعل، لما صدم الناس بأداء DeepSeek-R1 – ولتمكنوا من التنبؤ بأدائه الفعال. 

والجدير بالذكر أن الباحثين في "جوجل" قد أصدروا في عام 2017 نموذجًا جديدًا للذكاء الاصطناعي أطلق عليه اسم Transformer، ويوفر النموذج الأساسيات اللازمة لجميع برامج النماذج اللغوية الكبيرة الحديثة، ومن ضمنها برنامجي "ChatGPT"  و"DeepSeek" .

ويساعد نموذج Transformer على تمييز الجمل التالية بشكل صحيح:

       1- لم يدخل الكأس في الحقيبة البنية لأنه كبير جدًا (السؤال: أيهما أكبر، الحقيبة أم الكأس؟).
       2- لم يدخل الكأس في الحقيبة البنية لأنها صغيرة جدًا (السؤال: أيهما أصغر، الحقيبة أم الكأس؟).

وأظهرت التجارب المكثفة التي قدرت تكاليف إجرائها بملايين الدولارات، نتيجة تجريبية يشار إليها بقوانين الحجم، وتفيد بأنه يمكن استخدام النماذج الكبيرة والبيانات الضخمة لإعداد أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على التحدث بطلاقة حول أي موضوع. ولقد عارض بعض العاملين في جوجل إطلاق هذه النماذج وأطلقوا عليها اسم الببغاوات العشوائية، ولكن، ترأست OpenAI المشروع وأطلقت النموذج للعامة. 

لم يتحقق أي تقدم كبير جديد في علوم الذكاء الاصطناعي في الثماني السنوات الماضية، لكن في المقابل تم إحراز تقدم في ابتكار طرق أفضل لاستخلاص المعلومات من نماذج الذكاء الاصطناعي وجعلها أكثر كفاءة، ولكن هذا لا يعتبر تقدمًا علميًا. ولا يزال السؤال مطروحًا حول ما إذا كانت نماذج الذكاء الاصطناعي "تعرف كل شيء، أم هي مجرد تقنيات ماهرة ذات جمل منمقة"؛ فضلًا عن مشكلة الهلوسة، حيث تقوم نماذج الذكاء الاصطناعي باختلاق بعض الأشياء، ولا نعرف آلية حدوث ذلك، وليس بوسعنا معرفة إذا ما كانت "الهلوسة" هي ميزة أو خطأ في أنظمة الذكاء الاصطناعي. 

ويسعى العديد من الخبراء لتحديد أوجه التشابه بين مشروع "ستارغيت" الجديد، ومشروع مانهاتن، وبرنامج أبولو الفضائي، وعادة ما يتم اعتبار هذه المقارنات على أنها تقع ضمن ما يُعرف باسم أخطاء تصنيفية، وهي نوع من المغالطات المنطقية، حيث يتم تصنيف معاملة المشاريع التي تنتمي إلى فئة ما وكأنها تنتمي إلى أخرى.

وقبل البدء في مشروع مانهاتن كان علم الانشطار النووي مجالًا راسخًا بالفعل؛ ففي الفترة ما بين عام 1932 و1939، أكدت سلسلة من الدراسات العلمية أن التفاعل النووي المتسلسل بات أمرًا ممكنًا، وجل ما تبقى من ذلك هو مشروع كبير لإنتاج اليورانيوم المخصب المبني على مجرد عملية هندسية. وبالمثل، كان العلم الكامن وراء "الهبوط الناعم" على سطح القمر معروفًا قبل سنوات عديدة من بعثة أبولو، ولكن لا يزال من الصعب جدًا تحقيقه من الناحية الهندسية، وفي كلا المثالين سبق العلم مجال الهندسة، إذ لم يكن مسار الأمر أبدًا خطًا مستقيمًا. 

ويُذكر أنه في شهر ديسمبر 2024، أطلق معهد قطر لبحوث الحوسبة التابع لجامعة حمد بن خليفة منصة "فنار"، أول نموذج للذكاء الاصطناعي التوليدي يركز على اللغة العربية. ولربما يكون فنار هو أول نموذج يستوعب 7 مليارات كلمة، صُمّم ونُفّذ من الصفر بواسطة كيان جامعي. كما هناك حاجة إلى المزيد من الجهود التي تقودها الجامعة لتطوير مجال الذكاء الاصطناعي.