منصة "تنبيه" تكافح الأخبار المزيفة من مصدرها
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- منصة "تنبيه" تكافح الأخبار المزيفة من مصدرها
المنصة التي طورها معهد قطر لبحوث الحوسبة تأمل في اكتشاف الأخبار المزيفة قبل كتابتها باستخدام وسائل الذكاء الاصطناعي والشبكات العصبية العميقة
منذ أربعة عقود تقريبًا، ظهرت الرسائل الإلكترونية المزعجة في العالم الافتراضي للمرة الأولى، باعتبارها واحدةً من وسائل الإزعاج الأكثر انتشارًا لدى مستخدمي شبكة الإنترنت. واليوم، تواجه المجتمعات والدول تهديدًا أكثر خطورةً على الساحة العالمية يتمثل في الانتشار السريع للأخبار المزيفة على شبكة الإنترنت. ورغم أن دوافع الرسائل الإلكترونية المزعجة والأخبار المزيفة غالبًا ما تكون متشابهة، يوضح خبراء معهد قطر لبحوث الحوسبة أن آثارها السلبية متعددة.
يقول الدكتور بريسلاف ناكوف، عالم أول بمعهد قطر لبحوث الحوسبة: "من المهم في البداية أن نفهم أنّ مصطلح ’الأخبار المزيفة‘ يُعدُ متناقضًا من حيث المضمون، لأننا نربط تلقائيًا ما بين الأخبار والحقيقة. ولهذا السبب، فإن التعريف يبدو مضللًا تمامًا على الرغم من أنه يُوَضِح نفسه."
ومن المفهوم عمومًا أن انتشار الأخبار المزيفة أصبح السلاح السياسي الأكثر تعقيدًا الذي نعرفه اليوم. ولكن ما لا يعرفه الناس بنفس القدر هو كيفية تكوين الأخبار المزيفة لكرات الثلج. يقول الدكتور ناكوف: "قبل ظهور التكنولوجيا، كان لدينا الصحف الصفراء، وحتى قبل ذلك بكثير، وُجِدَ أن بعضًا من أعرق الحضارات في العالم كانت تروج للأخبار المزيفة كأداة للدعاية عبر الكتابة ووسائل التواصل الأساسية. وما عزز من انتشار هذه الأخبار المزيفة في الوقت الحالي هو التطور التكنولوجي، مما قد يترتب عليه تداعيات مدمرة، تتمثل في التعبئة الجماهيرية، والهجمات الشخصية، وحتى العواقب الصحية الخطيرة، على سبيل المثال لا الحصر."
اكتشاف التحيز الإعلامي
تتعاون فرق تكنولوجيا اللغة العربية والحوسبة الاجتماعية بمعهد قطر لبحوث الحوسبة مع مختبرات علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا بهدف تطوير بوابة "تنبيه"، وهي بوابة إلكترونية مصممة لتحليل الأخبار المزيفة واكتشافها منذ بدايتها. وتستخدم التكنولوجيا شبكات عصبية اصطناعية لترميز النص وإعادة تنظيمه واستعراضه في مساحة متعددة الأبعاد. ومن خلال سلسلة معقدة من الخوارزميات التحليلية، تتمكن البوابة من التعرف على المحتوى المضلل وتحديد أصله بدقة.
ويوضح الدكتور ناكوف بقوله: "تتميز المنصة بتفردها على عدة جبهات، إذ أنها تحول التكنولوجيا إلى منتج فعلي يمكن أن يشغّله المستخدمون بسهولة، ولكنها أُنشئت كذلك بحيث تكون معنية بمنطقة محددة، ولذلك فإنها تولي اهتمامًا كبيرًا لما هو مطلوب في هذا الجزء من العالم، وتطرح طرقًا لتلبية تلك الاحتياجات."
ويُبَين الدكتور ناكوف أن الشيء المهم هو أن المنصة تتعرف على الطرق الدعائية المحددة سلفًا والمتوقعة للغاية، حيث يقول: "المنصة ذكية بدرجة كافية تمكنها من التوصل إلى تفسير منطقي للتحيزات الإعلامية؛ وسواء أكان ذلك يرجع إلى الاستغلال العاطفي أو التزلف إلى السلطات، فإن بإمكان التكنولوجيا فهم الأسباب الرئيسية لانتشار الأخبار المزيفة. وهذه الوظيفة مبتكرة تمامًا، وستُوجه الحلول العالمية في المستقبل لأنها تطرح إمكانية تفسير أسباب انتشار الأخبار المفبركة، وبالتي يمكنها تدريجيًا تدريب المستخدمين على معرفتها بأنفسهم."
وكثيرًا ما يُشَّبِه الدكتور ناكوف ’الأخبار المزيفة‘ و’الرسائل المزعجة‘ بـ ’المنشطات الضارة‘ و’الأسلحة الفيروسية‘ وتدعم الدراسات الحديثة هذه الفكرة، حيث يقول: "لقد أظهرت دراسة واسعة النطاق أجراها مختبر الإعلام بمعهد ماساشوستس للتكنولوجيا أن الأخبار المزيفة تنتشر فعليًا بمعدل ستة أضعاف الأخبار الحقيقية. وأشارت دراسة أخرى إلى أن 50 بالمائة من الأخبار المزيفة تنتشر خلال الدقائق العشر الأولى من طرحها. ولهذا السبب، تُعدُ السرعة عاملًا في غاية الأهمية عند محاولة التعرف على المحتوى المضلل على شبكة الإنترنت."
من الذي يتحقق من المتحققين؟
تعتمد منصة "تنبيه"، باعتبارها بوابة لتجميع الأخبار، على سلسلة من التحليلات المعتمدة على البيانات لإنتاج ملامح عن التوجهات الإعلامية، حيث تحاول اكتشاف معلومات مهمة حول الموقف الإعلامي، والمركزية، والتحيز المفرط، والميول عندما يتعلق الأمر بموضوعات رائجة مثل تغير المناخ، وعقوبة الإعدام، أو الحصار المفروض على قطر.
ويشير الدكتور ناكوف: "لا تظهر أفضل الخوارزميات أي آفاق، وهو ما يتركنا أحيانًا في مفترق طرق فيما يتعلق بالمسائل الأخلاقية، حيث تتواجد التحيزات، وستستمر دائمًا في التواجد، ولكن الشيء المهم يتمثل دائمًا في السعي لتحقيق التوازن والحياد."
ويعتقد الدكتور ناكوف أن النقطة المحورية في هذه المسألة هي الحصول على أفضل البيانات الممكنة، حيث يقول: "تعتمد منصات تجميع البيانات على مجموعة من البيانات المُجَمَعة من عدة مصادر، ومن بينها تفاعلات مواقع التواصل الاجتماعي، والمصادر الصحفية، وتُعدُ تصنيفات أليكسا خير مثالٍ على ذلك. وتُعتبر جودة البيانات في تلك المصادر عنصرًا أساسيًا للنتائج الإجمالية، فكلما كانت البيانات رديئة، زادت احتمالات قصور النتائج وضعفها."
القابلية للتكيف مع اللغة العربية
من العناصر الرئيسية لهذه التكنولوجيا قدرتها على فك شفرة المحتوى الإعلامي الصادر باللغة العربية وتحليله، حيث تظهر المنصة، التي تمر حاليًا بمرحلة تنفيذية متقدمة، آفاقًا واعدةً إلى حدٍ كبيرٍ.
ويوضح الدكتور ناكوف: "تدعم المنصة المحتوى العربي إذ أنها تفهم الفوارق الدقيقة في تعريفات التحيز الإعلامي. ولا معنى لتصنيف المحتوى الإعلامي على أنه يميني أو يساري في العالم العربي، ولكن التصنيف المنطقي في هذه المنطقة هو تقسيم المحتوى الإعلامي إلى محتوى متحرر أو محافظ."
ومن بين العوائق التي ينبغي التغلب عليها موثوقية البيانات التي تستنتج المنصة التحيزات الإعلامية بناءً عليها. وحول ذلك، يقول الدكتور ناكوف: "لقد كان معدل نمو المحتوى العربي على شبكة الإنترنت بطيئًا نسبيًا، حيث يتعرض لمعوقات إضافية بفعل غياب التحليل الموثوق."
الأخبار المزيفة: هل هي مشكلة أزلية؟
على الرغم من الآفاق القاتمة التي لاحت في البداية، يعتقد خبراء معهد قطر لبحوث الحوسبة أن ما بدا أنه تهديد كلي الوجود سوف يتلاشى في النهاية. وحول ذلك، يقول الدكتور ناكوف: "العنصر الأساسي في هذا الصدد هو الوعي الجماهيري العام، حيث تغدو الحملات الدعائية غير فاعلة بمجرد أن يصبح الناس أكثر وعيًا، وهناك الكثير من الجهود التي تُبذل لنشر الوعي حول هذه المسألة."
ويدعم هذه الجهود التطبيق الصارم للتشريعات التي تحظر التشهير، وتشويه السمعة، وخطاب الكراهية في جميع أنحاء العالم. وبهذا الخصوص، يوضح الدكتور ناكوف: "يمكن أن تكون هذه الإجراءات فعالة جدًا عندما تُستخدم الأخبار المزيفة لانتحال شخصيات الناس أو شن هجمات شخصية."
والأهم من ذلك هو أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها قوةً لتحقيق الصالح العام يمكن أن يكون عنصرًا فعالًا في حد ذاته. وبهذا الخصوص، يقول الدكتور ناكوف: "لقد شنت شبكات الفيسبوك وتويتر بالفعل حربًا مستعرةً ضد الأخبار المزيفة، حيث حذفت تلقائيًا الحسابات المزعجة والمزيفة. وتدمج العديد من منصات التواصل الاجتماعي الآن حلولًا ذكية تضع الأخبار المزيفة في الجزء السفلي جدًا من قصصنا الإخبارية. ولا تهتم منصات التواصل الاجتماعي كثيرًا بتلك الجهود لأنها لا ترغب في أن يُنظر إليها على أنها هيئات تنظيمية."
ويتعاون فريقنا البحثي مع شبكة الجزيرة الإخبارية، وقناة آر تي إي الأيرلندية؛ ووكالة أسوشييتد برس؛ وشركات تيك ماهيندرا، وفي نوفا، وميتاليكويد، في إطار مشروع لاستكشاف طرق لأتمتة عملية التعرف على محتوى البث المباشر المفبرك أو المتحيز بذكاء باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد فاز المشروع بجائزة "المحفز الرائد" في المؤتمر الدولي للبث 2019، وهو أكبر مؤتمر للبيث الإعلامي والترفيه والتكنولوجيا. وقد شهد هذا المؤتمر العالمي مشاركة أكثر من 50,000 خبير وباحث متخصص من 150 دولة لعرض أحدث ابتكاراتهم، والمشاركة في عدد من المناقشات المتخصصة.
وقال الدكتور جيوفاني دا سان مارتينو، وهو عالم بمعهد قطر لبحوث الحوسبة: "منحنا التعاون مع شبكة الجزيرة الإخبارية فرصةً فريدةً لتصميم أبحاثنا وفقًا لاحتياجات المتخصصين، والصحفيين، وأخصائيي تكنولوجيا المعلومات، وهو ما سيساعد بالتالي في تحقيق تأثير حقيقي في عملنا."