البيانات الصحفية من فيروس كورونا إلى أزمة كورونا والعكس
بقلم الدكتور هادي ياسين، عضو هيئة التدريس المساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة؛ وهبة الخطيب، طالبة دكتوراه بالسنة النهائية في قسم العلوم البيولوجية والعلوم الطبية بجامعة حمد بن خليفة
التغطية الإعلامية المكثفة والأخبار الزائفة تعزز من انتشار الذعر إزاء فيروس كورونا وضع الأمور في نصابها الصحيح قد يساعد في تهدئة المخاوف.
خلال شهر ديسمبر 2019، بدأ مرض جديد في الاستحواذ على اهتمام وكالات الأنباء والقنوات الإخبارية حول العالم. واكتشف العلماء بسرعة أن هذا المرض، وهو فيروس كورونا، الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية، هو فيروس جديد لا يوجد له أي علاج حاسم في الوقت الراهن. ومنذ ذلك الحين، تزايدت مخاوف الجماهير بالتوازي مع التغطية الإعلامية الكبيرة وانتشار الفيروس إلى أجزاء أخرى من العالم. ولكن، هل من الصواب أن نشعر بالقلق الشديد إزاء فيروس كورونا؟
الفيروس بالأرقام
وتحدث حالات العدوى التنفسية بسبب عوامل بكتيرية وطفيلية وفيروسية، حيث تتسبب العوامل الفيروسية في حدوث 50% تقريبًا من جميع الحالات. وتتراوح أعراض حالات العدوى التنفسية من الأعراض البسيطة إلى الخطيرة، وتشتمل على الالتهاب الرئوي، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، ومرض توسع القصبات الهوائية. ومع استبعاد مرض السل، تُشكل عدوى الجهاز التنفسي السفلي ثالث مسبب للوفاة على مستوى العالم، حيث تودي بحياة حوالي 3.2 مليون شخص سنويًا. ويُشكل عبئها المرضي العالمي ما يقرب من 95 مليون عام على مقياس معدل السنة الحياتية للإعاقة.
بالإضافة إلى الأنفلونزا، تشتمل قائمة الفيروسات الأخرى القادرة على التسبب في حدوث العدوى التنفسية على فيروس كورونا. وتصنف هذه الفيروسات إلى قائمتين هي: الفيروسات الموسمية التي تنتقل باستمرار بين البشر، والفيروسات الجديدة، وهي فيروسات حيوانية المنشأ في الأساس، وهو ما يعني أنها يمكن أن تنتقل من الحيوانات إلى البشر. ويُعتقد أن فيروس كورونا يُشكل حوالي 10% من إجمالي حالات العدوى التنفسية في جميع أنحاء العالم. وتؤدي الإصابة بفيروس كورونا الموسمي إلى حدوث أعراض من بينها الحمى، وآلام العضلات، والسعال، والتهاب الحلق، والإجهاد. والمرض المرتبط بفيروس كورونا الجديد وحيواني المنشأ أكثر خطورة، بسبب غياب المناعة الجماعية لهذه الفيروسات الجديدة.
وقد شهدت السنوات الأخيرة وقوع سلسلتين من سلاسل التفشي الكبرى لفيروسات كورونا على الأقل، حيث ظهرت السلسلة الأولى من تفشي متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الخطير (السارس) للمرة الأولى في عام 2002، وهو ما أدى إلى ظهور 8098 حالة إصابة مؤكدة وحدوث 774 حالة وفاة من جراء الإصابة بالمرض في جميع أنحاء العالم. ووقعت معظم حالات انتقال الفيروس، الذي ظهر للمرة الأولى في مقاطعة جوانجدونج الصينية، ويرجع أسباب حدوثه إلى انتشار القطط الموبوءة، بين البشر في أوضاع رعاية صحية تميزت بغياب السيطرة الكافية على العدوى. وساهمت ممارسات التحكم الصارمة في انتشار العدوى إلى القضاء على هذا الفيروس العالمي خلال أقل من عامين.
وكما هو الحال بالنسبة لمرض السارس، انتقلت معظم حالات الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية داخل المستشفيات. وأدى الفيروس، الذي جرى التعرف عليه للمرة الأولى خلال عام 2012، إلى حدوث 2500 حالة إصابة تقريبًا، وتسبب في وقوع 858 حالة وفاة في جميع أنحاء العالم. ويستمر هذا الفيروس، وهو فيروس جديد في الأصل لديه خصائص حيوانية المصدر، في الانتقال بين الإبل في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ أساسي. ولحسن الحظ، فإن هذا الفيروس لم ينتقل بين البشر بنفس درجة سهولة انتشار مرض السارس.
وبعد ذلك، ظهر فيروس كورونا، الذي تفوق ظاهريًا في معدل انتشاره على مرض السارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بشكلٍ خطيرٍ. وفي وقت كتابة هذا المقال، تجاوزت حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس 50500 حالة في 26 دولة، وتسبب الفيروس في وقوع 1450 حالة وفاة على الأقل. والأسوأ من ذلك أن معدل الإصابة بهذا الفيروس، أو حجم انتشاره حسبما تشير الإحصائيات، يُعدُ مرتفعًا بشكلٍ يدعو للقلق. وبلغة المواطن العادي، تهتم هذه المعادلة بسرعة انتشار المرض ومتوسط أعداد الأشخاص المصابين بالمرض بعد تعرضهم للعدوى من شخص آخر. وتشير دراسة حديثة إلى أن معدل انتشار فيروس كورونا يبلغ 4.08 مقارنة بمعدل انتشار مرض السارس (قبل التدخل) الذي بلغ وقتها 2.0، ومعدل انتشار متلازمة الشرق الأوسط التنفسية الذي بلغ 0.7 فقط. وقد جرت العادة أن تختفي الفيروسات التي لديها معدل انتشار أقل من 1.0 تدريجيًا.
الجهود المبذولة لمكافحة الفيروس
ولا تنتهي الأخبار السيئة عند هذا الحد، حيث لا يوجد حاليًا علاج محدد لهذا الفيروس الجديد رغم إظهار تركيبة من العقاقير المقاومة للفيروسات وتدابير الرعاية الداعمة لمؤشرات واعدة. وبينما يُشكل تطوير لقاح للوقاية من المرض عنصرًا مهمًا في إطار الجهود العالمية المبذولة للتصدي لهذا الفيروس، فإن الاعتماد العالمي لهذا اللقاح عادة ما يستغرق سنوات طويلة، وهو الأمر الذي ينطبق أيضًا على إنتاج كميات كافية لتلبية الطلب العالمي على اللقاح. وحسبما تشير مجموعة كبيرة من التقارير الإعلامية العالمية اليومية، لا يزال الجمع بين جهود احتواء الفيروس واتباع إجراءات النظافة الصارمة من بين التدابير الرئيسية لمواجهة فيروس كورونا.
وتعمل مؤسسات أكاديمية وصحية وشركات أدوية حول العالم، بلا خوف، على تطوير خيارات علاج فعالة. ولتحقيق هذه الغاية، يضع المجتمع الطبي آمالًا عريضة على الدراسات الأخيرة التي أظهرت فعالية مزيج مكون من مادة الإنترفيرون بيتا وريمدسفير (وهو عقار مقاوم للفيروسات واسع النطاق) في علاج متلازمة الشرق الأوسط التنفسية وغيرها من الفيروسات الأخرى. وهناك قدر أقل من الحماس، بشكلٍ مفهومٍ، لعدد متزايد من طرق العلاج الطبيعية التي توصف بأنها وسائل علاج فعالة.
ولدى دول الخليج أكثر من مجرد مصلحة عابرة في مكافحة فيروس كورونا نظرًا للأعداد الكبيرة من المهاجرين العاملين فيها ومكانتها المتنامية كمراكز للتجارة العالمية والنقل الدولي. وعلى سبيل المثال، تتعاون وزارة الصحة العامة في قطر مع مؤسسة حمد الطبية، وجامعة قطر، وجامعة حمد بن خليفة، في دراسة تطور فيروس كورونا، وخصوصًا متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، لدى الحيوانات والبشر. وتأمل هذه المؤسسات، من خلال تلك الشراكة، في التعرف على الصفات الوراثية لفهم مسببات هذه الفيروسات وعوامل انتشارها بشكل أفضل. وللمساعدة في ذلك، حصلت جامعة قطر، مؤخرًا، على أول مختبر للسلامة الأحيائية من المستوى الثالث للأغراض البحثية. وسيمثل هذا المرفق الحديث عنصرًا قيَّما في حال وصول فيروس كورونا، لا قدر الله، إلى قطر.
تطبيق إجراءات مكافحة الفيروس
ومع مرور الأيام، ووقوع ضحايا جديدة، تشعر الجماهير الخائفة في جميع أنحاء العالم بالقلق من أن أسوأ السيناريوهات لم يحدث بعد. وتتعزز هذه المخاوف بفعل التغطية الإعلامية الواسعة والمستمرة للأخبار المتعلقة بفيروس كورونا، التي يشتمل بعضها على تحذيرات صارمة من أن أكثر من 50% من سكان العالم عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا. ولا تجدي نظريات المؤامرة التي تزعم بأن الفيروس مجرد سلاح حيوي مصنّع في المختبر وغيرها من أمثلة الأخبار الزائفة نفعًا على الإطلاق. وقد حان الوقت لوضع الأمور في نصابها الصحيح.
ويصرف القلق الزائد بشأن فيروس كورونا الانتباه بعيدًا عن فيروس يجب أن يحظى بنفس القدر من الاهتمام على الأقل. ففي كل عام، يؤدي فيروس الأنفلونزا، الذي يتسبب في حدوث عدوى كثيرًا ما يُخلط بينها وبين نزلات البرد العادية، إلى مقتل عدد يتراوح ما بين 250,000 إلى 500,000 شخص. وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تتسبب الأنفلونزا في حدوث عدد يتراوح ما بين 10 – 45 مليون حالة عدوى سنويًا، وهو ما يؤدي إلى دخول عدد يتراوح ما بين 140,000 – 810,000 من الأشخاص المصابين إلى المستشفيات لتلقي العلاج، فضلًا عن وفاة عدد يتراوح ما بين 12,000 و61,000 شخص من المصابين بهذه العدوى. وعند مقارنة فيروس كورونا بالأنفلونزا، فإنه يبدو أنه فيروس يحتاج إلى تطوير علاج له بدلًا من تصويره على أنه الوباء الكبير المقبل.
ورغم ذلك، يجب ألا يؤدي وضع الأمور في نصابها الصحيح إلى أن نفسح المجال للتهاون فيما يتعلق بالفيروس الذي أشار إليه تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية، مؤخرًا، في خطاب تناول أيضًا تفشي مرض الإيبولا. وحسب رؤية غيبريسوس، فإن حالات تفشي الفيروسات تؤكد على حاجة الدول للاستثمار في التأهب لمكافحة الأمراض والفيروسات بدلًا من الشعور بالذعر منها. وحتى وقتنا هذا، تُوفي ثلاثة أشخاص فقط من جراء إصابتهم بفيروس كورونا خارج الصين، وهو رقم يبرر يمكن أن يبرر تبني توجهات "المنطق السليم" إزاء احتواء المرض. وسوف تبدي الأيام ما إذا "مثل هذه التوجهات" ستكون مجدية لأخصائيي الرعاية الصحية الذين يعملون على تطوير خيارات العلاج من هذا الفيروس.