مقال رأي لماذا يتعين أن تتمحور أولوياتنا السياسية حول دعم العائلات في ظل انتشار فيروس كوفيد-19
الدكتور أنيس بن بريك*
تحولت جائحة فيروس كورونا إلى أكبر تحدٍ على المدى القريب يواجه المنطقة العربية، مثلها في ذلك مثل أجزاء أخرى من العالم. ويعني الوضع سريع التطور لانتشار الفيروس، بالنسبة للعديد من الأسر، تعطل مؤسسات التعليم ورعاية الأطفال، وزيادة المشاكل الصحية، والخسائر المحتملة للدخل، وانعدام الأمن الغذائي، والفقر.
ويمكن أن يترك فيروس كوفيد-19 أيضًا نتائج سلبية على نمو الأطفال ورفاهتهم، حيث تضع القيود المفروضة على حرية الحركة والتداعيات الاجتماعية والاقتصادية للأزمة الأطفال في خطر متزايد بفعل إمكانية تعرضهم لسوء المعاملة، والإهمال، والعنف، فضلًا عن تدهور الصحة النفسية والاستبعاد الاجتماعي. كما تساهم البيئة الأسرية التي تشهد ضغوطًا عاليةً في ارتفاع احتمالية تعرض الأطفال للعنف المنزلي وسوء المعاملة.
ويؤدي قضاء المزيد من الوقت في المنزل حتمًا إلى زيادة وقت مشاهدة الأطفال للتلفاز وممارستهم للألعاب الإلكترونية، وهو ما يزيد من احتمال لتعرضهم لمواد غير مناسبة. وتشير أدلة حديثة متناقلة من الصين، على سبيل المثال، إلى حدوث ارتفاع كبير في حالات العنف المنزلي ضد النساء والفتيات في أعقاب انتشار الفيروس. ووفقًا للإحصاءات، فإن 90 بالمائة من حوادث العنف المنزلي التي وقعت بين شهري يناير ومارس من العام الحالي ترجع إلى جائحة كوفيد-19.
وتشتمل بعض المخاطر المحتملة المتعلقة بحماية الطفل التي لوحظت في حالات تفشي الأمراض المعدية السابقة على سوء المعاملة الجسدية والعاطفية، والتي يمكن أن تتخذ شكل الإهمال وضعف الإشراف والتوجيه؛ وارتفاع حالات إساءة معاملة الأطفال والعنف بين الأشخاص؛ أو عدم تيسر سبل الوصول إلى خدمات حماية الأطفال.
ومن المرجح أن يؤدي وضع انتشار الجائحة الحالية إلى حدوث اضطرابات ذهنية ونفسية. ومن بين أشكال هذه الاضطرابات، زيادة معدلات القلق بين الأطفال بسبب خوفهم من الوفاة أو المرض أو الانفصال عن شخص عزيز لديهم، بالإضافة إلى الخوف من الإصابة بالفيروس. وقد يتعرض الأطفال الذين يعانون من حالات صحية نفسية موجودة مسبقًا لتفاقم أعراض هذه الاضطرابات.
ويمكن أن يؤدي فيروس كوفيد-19 بسرعة إلى تغيّر السياق الذي يعيش فيه الأطفال، حيث يتسبب إغلاق المدارس، والقيود المفروضة على الحركة، في تعطيل الدعم الاعتيادي والاجتماعي، بينما يفرض أيضًا ضغوطًا جديدة على أولياء الأمور، الذين قد يحتاجون إلى إيجاد خيارات جديدة لرعاية الأطفال، أو التوقف تمامًا عن العمل.
دعم أولياء الأمور
فضلًا عن التهديد المباشر المتمثل في إمكانية الإصابة بالفيروس أو المساهمة في نشره، يشعر العديد من أولياء الأمور بالقلق إزاء قدرة الفيروس على إرباك أنماط حياتهم الاعتيادية. وهناك حالة من الغموض المتزايد حول التطورات المحتملة للوضع الراهن. ويواجه أولياء الأمور تحديات كبيرة بفعل الدراسة من المنزل، والتعلم عبر الإنترنت، والشعور بالقلق الشديد الناجم عن التباعد الاجتماعي.
ومن الوارد أن يشعر الأطفال الذين أُلغيت دراساتهم بعدم الارتياح لأنهم يألفون الاستقرار والأوضاع الاعتيادية، ويجب على أولياء الأمور توفير آليات بديلة للتكيف مع الوضع الراهن.
وفي الوقت نفسه، يكافح أولياء الأمور لتحقيق التوازن بين العمل ورعاية الأبناء مع تجاهل مخاوفهم الشخصية. ويخطئ العديد من أولياء الأمور بالمنطقة في تفسير القلق باعتباره شكلاً من أشكال المرض النفسي.
ويمثل دعم أولياء الأمور في هذا الإطار أمرًا بالغ الأهمية. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد برامج التربية الإيجابية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى خيارات التدريب القائمة على الأدلة، في تعزيز المهارات اللازمة لإدارة سلوك الأطفال وتحسين جودة الحياة العائلية.
وترتكز جميع البرامج تقريبًا على أرضية مشتركة، فهي تعلم أولياء الأمور كيفية استخدام الثناء أو الدعم الإيجابي بشكل أكثر فعالية لتوظيف أسلوب الثناء وتعزيز السلوكيات الإيجابية. كما تُعَلِّم أولياء الأمور طريقة التأديب الفعال للأطفال الذين يسيئون التصرف، بحيث يتعلمون في النهاية كيفية تعديل سلوكياتهم، لتلبية التوقعات، والاستمتاع بتفاعلات أفضل مع أولياء أمورهم.
تعميق الفوارق
من المهم أن نفهم ونفكر في كيفية استمرار فيروس كوفيد-19 في توسيع الفوارق بين الطبقات، وزيادة تهميش الفئات الضعيفة في جميع أنحاء المنطقة العربية. وسوف تستمر أوجه التفاوت بين الطبقات، مثل انعدام الأمن الغذائي، وعدم كفاية الوصول إلى الخدمات الرقمية، ونقص الخدمات الاجتماعية الحيوية إن لم تتضخم.
وسوف تتأثر الأسر ذات الدخل المنخفض تأثرًا كبيرًا بفعل تداعيات فيروس كوفيد-19، لأنها ستكافح من أجل التكيف مع نظام الرعاية الصحية، وإغلاق المدارس، واحتمال تراجع فرص التوظيف. وتحمل جائحة فيروس كورونا معها مخاطر اقتصادية إضافية للعمال ذوي الدخل المنخفض.
دعم العائلات
يجب أن تتمثل أولوياتنا السياسية الفورية في حماية رفاهة العائلات في ظل انتشار فيروس كوفيد-19. للمساعدة في القيام بذلك، يجب على صانعي السياسات ألا يدخروا جهدًا لضمان تجهيز شبكات الضمان الاجتماعي بشكل كافٍ لتلبية احتياجات العائلات.
وعندما يتوفر حيز للسياسات، يجب أن تكون الحكومات قادرة على تحقيق هذا الهدف من خلال نهج مختلط. كما يجب تبني سياسات مواتية وموجهة للعائلات، تشتمل على اعتماد الإجازات المرضية والسنوية، وتوفير مساعدات غذائية، وتقديم خدمات التأمين الصحي، وبرامج الإسكان الاجتماعي، وإعانات البطالة، والإعفاءات الضريبية المؤقتة، وتيسير خدمات التحويلات النقدية، وتوفير بدلات الأمومة والصحة النفسية.
وعبر تزويد العائلات بالوقت، والمعلومات، والخدمات، والموارد التي تحتاج إليها للتعامل مع الأزمة، من خلال السياسات العامة مثل المساعدات المالية والمادية، يمكننا التعامل مع مشاكل لا حصر لها. وتعتبر حماية العمالة والدخل، والإجازات مدفوعة الأجر لرعاية أفراد العائلة، وترتيبات العمل المرنة وتيسير سبل تحقيق الجودة المطلوبة، ورعاية الأطفال في حالات الطوارئ، من التدابير المهمة لدعم العائلات، بحيث يحصل أفراد العائلة مجددًا على فرصة لحماية ورعاية أبنائهم وأقاربهم والاعتناء بأنفسهم.
الاستشارة والوصول إلى الخدمات
تواجه النساء خطرًا متزايدًا بفعل ارتفاع معدل العنف المنزلي والاستغلال الجنسي في أوقات الأزمات، حيث تتعرض العائلات والأسر لضغوط متزايدة. وتبرز أهمية دعم العائلات في مساعيها لمساعدة الأطفال على التكيف مع الضغوط والمخاوف المرتبطة بانتشار الجائحة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومات والمجتمعات تقديم خدمات الدعم لأولياء الأمور والأطفال الذين يتعرضون لمجموعة متنوعة من المواقف الصعبة، بما في ذلك العنف الأبوي، والخلفية التعليمية السيئة، والفقر، وتعاطي المخدرات.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي التكلفة التي سيخلفها هذا الفيروس؟ وهل يمكن للدول الموجودة في منطقتنا تحمل هذه التكلفة؟ ستعتمد الإجابات جزئيًا على كيفية موازنة الحكومات بين مخاطر انتشار هذه الجائحة وتكاليفها لمواجهة الكساد الاقتصادي المتوقع. ونحن بحاجة إلى خطة مارشال جديدة للعائلات لتمكينها من التغلب على الآثار السلبية لهذا الفيروس. ويجب على الحكومات في جميع أنحاء المنطقة أن تقود نهجًا للتضامن مع المجتمع بأسره، يربط التدابير قصيرة المدى بسياسات طويلة المدى، تدعم العائلات، وتخفف من الآثار السلبية المحتملة لفيروس كوفيد-19.
*يشغل الدكتور أنيس بن بريك منصب أستاذ مشارك بكلية السياسات العامة في جامعة حمد بن خليفة.