الإنسان كوفيد-19: هل حان الوقت للإقلاع عن التدخين؟
الدكتور عمر خان*
رغم أن الإقلاع عن التدخين في أي وقت يُعدُ من أفضل القرارات التي يمكن أن يتخذها المُدخن في حياته، لم يدع فيروس كوفيد-19 للمدخنين فرصة للاختيار، والنظر في عواقب التأخر في اتخاذ هذا القرار، والسعي للحصول على النصيحة والدعم والدعم المهني. صحيح أن هذا القرار صعب، ولكنه ليس مستحيلًا بأي حال من الأحوال.
ولا يزال فهمنا لفيروس كوفيد-19، المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة التي يسببها الفيروس التاجي المستجد SARS-nCoV-2 ، يتطور باستمرار. وفي الوضع الحالي، تركز الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع العلمي على فهم العدوى التي أوصلت العالم إلى طريق مسدود. ويتمثل هدفهم النهائي والواضح في التوصل إلى لقاح محتمل أو نظام علاج فعال وقوي للفيروس.
وبخلاف العدد المتزايد من الأعراض الشائعة لفيروس كوفيد-19، إليك ما نعرفه بالفعل عنه. فمن بين عدد حالات الوفاة بفعل الإصابة بالفيروس التي وصلت حتى الآن إلى 400 ألف حالة تقريبًا، كان 98٪ من الضحايا يعانون من مشاكل صحية رئيسية إضافية، بما في ذلك السرطان وداء السكري. ورغم وقوع حالات وفاة في جميع الفئات العمرية، فقد تحمَّل كبار السن على وجه الخصوص وطأة هذه الجائحة. لذلك، تُعتبر المشاكل الطبية الموجودة مسبقًا وعامل السن من العوامل المهمة التي تساهم في ارتفاع خطر الإصابة بفيروس كوفيد-19.
ومن بين الحقائق الثابتة التي لا يمكن إنكارها، حتى قبل ظهور الوضع الحالي، أن التدخين لا يزال يمثل أحد أكبر التحديات التي عرفها العالم على الإطلاق في مجال الرعاية الصحية. ويزاول ما يقرب من 1.5 مليار شخص، أو خُمس الأشخاص البالغين، عادة مرتبطة بحوالي 20٪ من الوفيات العالمية سنويًا. وبخلاف تسببه في الإصابة بأمراض السرطان والسكري، يُعد التدخين سببًا رئيسيًا للإصابة بالسكتة الدماغية، ومرض الانسداد الرئوي المزمن، والتهاب الشعب الهوائية. ونتيجةً لضعف جهاز المناعة، يتعرض المدخنون أيضًا للعدوى والأمراض الالتهابية، بما في ذلك السل والتهاب المفاصل الروماتويدي.
وما يدعو للأسى هو أن معظم المدخنين يدركون المخاطر الصحية الشديدة لتدخين السجائر ومنتجات التبغ الأخرى. وتسلط الحملات التوعوية العامة الضوء على فوائد الإقلاع عن التدخين، بما في ذلك خفض مستوى ضغط الدم، وعودة الجسم إلى المستويات "الطبيعية" لامتصاص غاز أول أكسيد الكربون، وتقليل خطر الإصابة بالسكتات الدماغية. وقد أشارت بعض الدراسات الاستقصائية إلى أن ما يقرب من 70٪ من المدخنين يرغبون في الإقلاع عن هذه العادة السيئة، ولكنهم لا يستمرون في الامتناع عن التدخين بشكلٍ يكفي لمساعدتهم على تحقيق هذا الطموح.
ورغم المشاكل الصحية المؤكدة التي يسببها التدخين، لم يتضح بعد كيفية تعامل جهاز المناعة لدى المدخن في النهاية مع فيروس كوفيد-19. ومع ذلك، وفي ضوء ما نعرفه بالفعل عن كليهما، فقد يكون الإقلاع عن التدخين هو الإجراء الأنسب لحياة أفضل وأكثر صحةً.
ويترتب على التدخين ملامسة متكررة بين الأصابع والفم، وهو ما يساعد على انتشار فيروس SARS-nCoV-2 في الجهاز التنفسي، وبالتالي زيادة احتمال إصابة المدخن بالفيروس. فما هو الوقت الأفضل لتحقيق هدف مهم ومنقذ للحياة أكثر من انتشار جائحة تتسبب في حدوث مرض تنفسي حاد؟
وتتميز العلامات المبكرة بأنها مشجعة، حيث أفاد استطلاع رأي حديث نشرته صحيفة الجارديان إلى أن أكثر من 300 ألف بريطاني أقلعوا عن التدخين أثناء تفشي الجائحة. وفي أعقاب التحذيرات التي أشارت إلى أن المدخنين يتعرضون بشكل متزايد لخطر الإصابة بالمضاعفات الشديدة لفيروس كوفيد-19، شهدت عيادة الإقلاع عن التدخين في ويلز زيادة بنسبة 51٪ في حالات الإحالة للعيادة.
وفي الهند، توصل مسح أجرته شركة إنديا إنفولاين للأوراق المالية إلى أن ما يقرب من 58٪ من المشاركين في المسح أقلعوا عن التدخين بعد تنفيذ قرار الإغلاق على المستوى الوطني، الذي قيَّد أيضًا بيع السجائر. وأظهر المسح كذلك أن 73٪ من الذين توقفوا عن التدخين لا يخططون للرجوع إلى هذه العادة بمجرد رفع الإغلاق. ووفقًا لدراسة أجراها مركز معلومات الكحول والأدوية في سريلانكا، ساهم الإغلاق في خفض استهلاك التبغ بنسبة 48٪ في البلاد، بالإضافة إلى الإقلاع عن التدخين بنسبة 20٪.
ومع ذلك، يتطلب الإقلاع عن التدخين قدرًا كبيرًا من التصميم والدعم المهني، حسبما يذكر معظم المدخنين السابقين. وبسبب الإغلاق، لا تتوافر خدمات الدعم المهني بشكلٍ كبيرٍ في الوقت الراهن، ولكنها لا تزال موجودة ولو بصورة محدودة. وفي غياب الأنشطة الفردية والجماعية، انضم العديد من المدخنين الذين لا يزالون مصممين على الإقلاع عن التدخين إلى مجتمعات قائمة على شبكة الإنترنت أو شكّلوا مجتمعات خاصة بهم. وتوفر هذه المجتمعات مساحات مطلوبة للغاية لتبادل التجارب والقصص التي ترفع من الروح المعنوية. وتوفر الواجبات المنزلية، وتخفيض ساعات العمل أيضًا، فرصًا للبحث عن أكبر قدر ممكن من المعلومات على شبكة الإنترنت لدعم الجهود الفردية. وتشتمل مصادر هذه المعلومات على مواقع smokefree.gov، وموقع "عش جيدًا" التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، والبرامج الأخرى القائمة على شبكة الإنترنت.
ورغم أن أبواب مستشاري الإقلاع عن التدخين والمتخصصين قد تكون مغلقة حاليًا، فإن هذا لا يعني أن الخبراء المتخصصين في هذا الأمر لا يمكن الوصول إليهم. وفي العديد من الحالات، لا يزال من الممكن طلب المساعدة والمشورة عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف. وتشير الأبحاث إلى أن احتمال إقلاع المدخنين عن التدخين يتزايد بمقدار أربعة أضعاف بمساعدة خدمات "الإقلاع عن التدخين" المحلية والاستفادة من الخدمات التي تقدم عن بُعد، مثل الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي. وأخيرًا، تسمح التطبيقات المجانية القابلة للتنزيل للمدخنين بوضع استراتيجياتهم الخاصة للإقلاع عن التدخين، ومتابعة عدد السجائر التي قاموا بتدخينها أو بالتوقف عن تدخينها، وتسجيل الأموال التي وفروها.
ويمكن أن تلعب تدابير التباعد الاجتماعي أيضًا دورًا مهمًا في مساعدة الناس على الإقلاع عن التدخين أثناء الجائحة. فقد أدى الانعزال عن العائلات والأصدقاء والزملاء إلى تعطيل الأنماط الاجتماعية القديمة للتدخين، وبالتالي الحد من الحالات التي يدخن فيها الناس في كثير من الأحيان. كما أن انخفاض الضغط الاجتماعي في غياب التجمعات، لا سيّما في الحانات والمقاهي والمطاعم، يمنح المدخنين أيضًا حوافز أكبر للإقلاع عن التدخين.
ورغم الأدلة الدامغة على فوائد الإقلاع عن التدخين، يعتقد البعض أن أزمة كوفيد-19 ليست الوقت الأمثل للإقلاع عنه. وتشير التقارير الواردة من فرنسا والصين، بشكل استفزازي، إلى أنه على الرغم من وجود عدد كبير من المدخنين في تلك البلدان، فإن عدد المدخنين الذين يتلقون العلاج في المستشفيات بعد إصابتهم بأعراض الفيروس منخفض بشكلٍ كبير. ويبدو الفرنسيون مقتنعين بهذا الأمر بعدما شجعت وزارة الصحة الفرنسية معهد باستور على إعداد تجارب سريرية لاختبار فعالية لصقات النيكوتين في علاج الفيروس.
ورغم أن هذا التطور قد يبدو مشجعًا، لا ينبغي لأحد أن ينخدع بافتراض أن التدخين يمنع أو يقلل من آثار الفيروس، وذلك ببساطة لأن البيانات المتاحة أولية للغاية، وتفتقر إلى أدلة علمية سليمة لدعم الافتراضات المقدمة. وفي مراجعة حديثة للدراسات التي أجراها خبراء الصحة العامة في منظمة الصحة العالمية، اتضح أن المدخنين أكثر عرضة للإصابة بحالات حادة من الفيروس مقارنةً بغير المدخنين. بالتالي، هناك حاجة إلى إجراء دراسة أكبر مستندة على السكان بأثر رجعي لإثبات العلاقة بين التدخين وفيروس كوفيد-19.
وإلى أن يحدث ذلك، يظل استخدام منتجات التبغ أو النيكوتين لعلاج الفيروس أو الوقاية منه مسألة افتراضية وليست حقيقية. ويجب أن يكون تأكيد الفوائد المرجوة للإقلاع عن التدخين سببًا كافيًا للتوقف عنه والتركيز على العلاجات البديلة للنيكوتين مثل لاصقات النيكوتين والعلكة. ولا تعد هذه البدائل خيارات صحية فحسب، بل إنها تؤكد أيضًا الأدلة الدامغة على أن التدخين يسبب مشاكل صحية خطيرة، سواء في حالة وجود الجائحة أو غيابها.
* يشغل الدكتور عمر خان منصب أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.