تقييم الذكاء الاصطناعي وتأثيره على سوق العمل في قطر

خبير من معهد قطر لبحوث الحوسبة يُحلل اتجاهات سوق العمل التحوّلية وفرص القوى العاملة في ضوء الأتمتة

الهيئة:  معهد قطر لبحوث الحوسبة
تقييم الذكاء الاصطناعي وتأثيره على سوق العمل في قطر

يتغلغل الذكاء الاصطناعي في كافة نواحي حياتنا اليومية، لكن ما هو مدى تأثيره على سوق العمل في قطر؟ لقد كان هذا السؤال محور دراسة مبتكرة أجراها معهد قطر لبحوث الحوسبة في جامعة حمد بن خليفة. 

تأتي هذه الورقة البيضاء كأحد مخرجات "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي"، التي كشف عنها معهد قطر لبحوث الحوسبة النقاب، مؤخراً، والتي يُعد تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي إحدى ركائزها الأساسية. وقد كُشف عن هذه الاستراتيجية خلال مؤتمر كيتكوم 2019، بعدما طوّرها مركز قطر للذكاء الاصطناعي التابع للمعهد بالكامل، بدعم من وزارة المواصلات والاتصالات. 

وتناولت الدراسة بالتحليل ما يربو عن ثلاثة ملايين براءة اختراع أمريكية، وقاعدة معلومات حول الجوانب المختلفة لأغلب الوظائف في الولايات المتحدة، تم تطويعها لتتوافق مع سوق التوظيف في قطر باستخدام المعلومات العامة التي وفرها جهاز التخطيط والإحصاء.

الذكاء الاصطناعي لن يضر بالاقتصادات

استناداً للتقرير، فإن زهاء نصف المهام الوظيفية في قطر (46.5%) يُمكن أن تستفيد وتتعزز باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي الموجودة أو الحاصلة على براءات اختراع. وبشكل خاص، تُعد وظائف الياقات البيضاء أكثر عرضة لهذه التحولات. لكن هذه النسبة الكبيرة من المهام لن تكون عاملاً من عوامل تفاوت الدخل في قطر. 

ويقول الدكتور سانجاي شاولا، مدير الأبحاث في مركز قطر للذكاء الاصطناعي: "يوجد سببان لذلك. فالعديد من القطريين على درجة عالية من التعليم ولديهم شهادات جامعية، مما يؤهلهم لتولي أدوار تحقق لهم كامل إمكانات تعليمهم. هذه الأدوار غالباً ما تكون تحليلية أكثر منها روتينية، بالتالي لا يُمكن استبدالها بسهولة من خلال التقنيات التي يدفعها الذكاء الاصطناعي. وبالنسبة للوافدين في قطر، فهم شريحة سكانية متحركة بسرعة، مما يجعل من غير المرجح ملاحظة التأثير الاقتصادي الطويل المدى عليهم، كونهم مستمرون في اختبار مسارات مهنية بديلة."

ووفقاً لدراسة يشير إليها التقرير، تُعد حصة الشرق الأوسط من الثورة الجارية في مجال الذكاء الاصطناعي كبيرة، حيث تشير الدراسة إلى أن الاقتصاد العالمي يستعد لحصد ما يناهز 15.7 تريليون دولار من المكاسب نتيجة تفعيل الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، منها نحو 320 مليار دولار أمريكي في الشرق الأوسط. ومن أجل تحقيق هذا الهدف في المنطقة، يتوجب على بعض القطاعات الاقتصادية إعادة النظر في أساليب عملها.

ويُشير التقرير بشكل خاص إلى أن لدى ثمانية قطاعات هي الحكومة والدفاع، والمال والتأمين، والمعلومات والاتصالات، والعلوم والتقنيات، والصحة والعمل الاجتماعي، والنفط والغاز، والتعليم، القابلية الأكبر لتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي. 

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أمين صديقي، وهو عالم في مركز قطر للذكاء الاصطناعي وأحد مؤلفي الدراسة: "تعتمد الدراسة على تحليل شخصيات مختلفة، وتستخدم أمثلة حيّة لإظهار كيفية تأثر الوظائف". وأضاف: "إذا أخذنا، على سبيل المثال، جمع المعلومات، وهي وظيفة يقوم بها البشر حالياً. هذه مهمة قد تتطلب عملاً دؤوباً لكنها قد تكون أيضاً مملة. ومن هنا فإنها مهمة قد تستفيد من الأتمتة. ولكن من أجل السير على هذا النحو، لا بد من تدريب الأشخاص على التفكير الاستراتيجي، والتفاعل مع التكنولوجيا، وأن يكونوا أكثر حكمة لجهة كيفية استخدامها. إن تعزيز المهارات هو نتيجة مهمة لا يُمكن تفاديها في هذا الإطار."

إمكانات الذكاء الاصطناعي في تطوير القوى العاملة

غالباً ما يُساء فهم التقنيات التي يدفعها الذكاء الاصطناعي بأنها ستأتي على حساب توفير فرص العمل. لكن، في الحقيقة، تُشير المعطيات التاريخية بأن الذكاء الاصطناعي قد يكون عاملاً محفزاً في تطوير سوق العمل.

ويقول الدكتور شاولا بهذا الخصوص: "يُعد التعليم قطاعاً قد يستفيد بشكل هائل من تحوّل الذكاء الاصطناعي. إن التغيّر الحاصل في اتجاه التعلّم الشخصي هو حقيقي وضروري. وسوف يكون التربويون القادرون على صياغة تجارب تعليمية مصممة على قياس كل فرد، واستيعاب وتحليل واستخدام مراجعة الطلاب، موضع طلب كبير. وهذا يصح بشكل أكبر في قطر، وذلك مع استثمارها الضخم في بنية تحتية تعليمية ذات مستوى عالمي."

من أجل تحقيق الأهداف المنشودة، تُشير مجموعة بحوث معهد قطر لبحوث الحوسبة إلى ضرورة تبني قطاعات الأعمال في قطر مقاربة ثلاثية الأبعاد، تبدأ بإنشاء ثقافة عمل تتمحور حول المعلومات، وتحظى بدعم استشاري جيد. ومن أجل القيام بذلك، فعليهم تخيّل استخدامات جديدة كلياً للمعلومات التي بحوزتهم، وإزالة فجوات المعلومات الظاهرة، وبذل كافة الجهود من أجل التحوّل إلى آليات عمل جديدة.

ويُضيف الدكتور شاولا: "المعلومات متوفرة بغزارة حولنا، لكنها في أحيان كثيرة قد تكون في الموقع الخطأ ومبعثرة وغير منسقة. علينا بناء أنظمة تتوافق مع الذكاء الاصطناعي، وقادرة على استيعاب كافة أشكال وأنواع المعلومات. ويعتمد التحوّل المقبل في مجال الذكاء الاصطناعي على معلومات تم جمعها وإدارتها بشكل جيد، مما يعني بأن الحاجة إلى ثقافة عمل مبنية على الأدلة، وتدفعها المعلومات، هي في غاية الأهمية."

لقد عزز تفشي فيروس كوفيد-19 من قيمة التعلّم مدى الحياة، وأهمية إعادة تصور مؤسساتنا، فضلاً عن الحاجة إلى تطوير أجيال ملمة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لسنوات طويلة مقبلة. ولكن هذا التحوّل يحمل في طياته ضرورة دعم قوى العمل الحالية في سياق انتقالها إلى بيئة عمل أكثر أتمتة.

يقول شاولا: "يطوّر معهد قطر لبحوث الحوسبة الآن منصة الذكاء الاصطناعي توغيذر، ويتجلى الاستخدام الرئيسي لهذه المنصة في تحليل التوصيف الوظيفي ومساعدة المستخدمين على فهم قدرة الذكاء الاصطناعي في تعزيز كل عمل. وهو يقترح تزويدها (من خلال آليات التعليم عبر الإنترنت) سُبلاً مختلفة يُمكن للمستخدمين سلوكها لضمان اتباعهم درب تعزيز مهاراتهم."

تأسس مركز قطر للذكاء الاصطناعي في عام 2018 بهدف دعم رؤية معهد قطر لبحوث الحوسبة الرامية إلى تبوء مركز ريادي عالمي في مجالات محددة من شأنها إحداث تغيير إيجابي في حياة المواطنين والمجتمع القطري. ويسعى المركز إلى الارتقاء بصورة قطر كمركز عالمي للابتكار التكنولوجي، من خلال إجراء بحوث رائدة، ذات اتجاه مستقبلي.             

لمزيد من المعلومات حول مركز قطر للذكاء الاصطناعي، يُرجى زيارة: qcai.qcri.org