الأساليب الرقمية لتعزيز الصحة النفسية للمراهقين

الدكتور علاء عبد الرزاق، والدكتور عرفان أحمد، والدكتور موفق حوسة

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
الأساليب الرقمية لتعزيز الصحة النفسية للمراهقين

تُعدُ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من التدخلات المتاحة لدعم المراهقين الذين يعانون من اضطراب نفسي. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية إرشادات لتعزيز الصحة النفسية للمراهقين تتضمن نصائح لمؤسسات الصحة النفسية باستغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تقديم خدمات الصحة النفسية. وتأتي هذه التكنولوجيا في عدة أشكال، وتوفر العديد من الفوائد، ولكنها تفرض أيضًا بعض التحديات. 

تطبيقات التطبيب عن بعد

التطبيب عن بعد هو نهج تكنولوجي لديه القدرة على تعزيز إمكانية وصول المراهقين إلى أخصائيي الصحة النفسية، وخاصة في المناطق الريفية حول العالم. كما أنها تكنولوجيا واعدة للأشخاص الذين ليس لديهم الوقت أو المال اللازم لحضور المواعيد وجهًا لوجه، بالإضافة إلى من يخشون من وصمة العار. ويمكن استخدام هذه التكنولوجيا في تقديم خدمات الطب النفسي، بما في ذلك الاستشارات والتشخيصات والعلاج وتوعية المرضى وإدارة الأدوية. ومع ذلك، لا يزال هناك القليل من الأدلة على فعالية التطبيب عن بعد في تشخيص أو علاج الصحة النفسية للمراهقين. وثمة شكوك حول فعالية التطبيب عن بعد في حالات الطوارئ وقدرته على خلق جو شخصي وعاطفي.

تطبيقات الهاتف المحمول

تمتلك تطبيقات الهاتف المحمول القدرة على تحسين جودة خدمات الصحة النفسية وإمكانية الوصول إليها. وخلال السنوات الأخيرة، زاد عدد تطبيقات الصحة النفسية عبر الهواتف المحمولة بشكلٍ كبيرٍ. وتساعد تطبيقات الصحة النفسية في تقديم خدمات الإدارة الذاتية والعلاج والتشخيص والتدريب والاستشارة. وتتميز هذه التطبيقات برخص تكلفتها وتقدم العديد من المزايا، مثل إخفاء الهوية، والراحة. ومع ذلك، توفر بعض تطبيقات الصحة النفسية تدخلات غير قائمة على الأدلة، وهناك نقص في الأدلة التي تدعم جدوى استخدامها في علاج الأطفال والشباب.

الأجهزة القابلة للارتداء

تُستخدم الأجهزة القابلة للارتداء لمراقبة الحالات النفسية واكتشاف العلامات المبكرة لحدوث انتكاسة عبر جمع القياسات الحيوية بشكل مستمر مثل معدل نبضات القلب، والتنفس، ودرجة حرارة الجسم، والنشاط البدني، والكلام، والحركة، وأنماط النوم. وعادةً ما تعتمد على أجهزة استشعار مدمجة في الهواتف الذكية وساعات اليد والأقراط والخواتم والنظارات والملابس والأجهزة المحمولة. ويمكن أن تشتمل أجهزة الاستشعار على ميكروفونات أو شاشات تعمل باللمس أو كاميرات أو مقاييس تسارع أو مقاييس ارتفاع أو أدوات لتحديد الاتجاه أو مقاييس للحرارة أو أجهزة لتخطيط كهربية العضل. وتستخدم الأجهزة القابلة للارتداء بيانات موضوعية ومستمرة؛ عادةً ما تكون مريحة للمرضى ويمكنها تقييم القياسات الحيوية المختلفة. وتكون هذه الأجهزة متاحة بأسعار معقولة وعلى نطاق واسع. وتتمثل مشاكل الأجهزة القابلة للارتداء في أن البيانات المكتسبة تحتاج إلى تخزين مكلف وأدوات تحليل متطورة لاستخراج معلومات مفيدة.

الذكاء الاصطناعي

تُستخدم أساليب الذكاء الاصطناعي لبناء نماذج يمكنها اكتشاف الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة باضطرابات نفسية بشكلٍ كبير واستجاباتهم للعلاج. ففي عام 2017، أطلق موقع الفيس بوك مبادرة طموحة لمنع الانتحار من خلال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تُستخدم بمقتضاها التحليلات التنبؤية للتعرف على نمط الأفكار الانتحارية بناءً على منشورات مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تطوير نموذج للأشخاص المعرضين لخطر الانتحار بدرجة كبيرة. وتُرسِل هذه المبادرة بعد ذلك بعض المصادر وتتصل بهؤلاء الأشخاص للتدخل بشكل فعال في الوقت المناسب. ويتمثل التحدي الرئيسي لإجراء التحليلات التنبؤية في مجال الصحة النفسية في الطبيعة الفريدة ومتعددة المتغيرات والوسائط للاضطرابات النفسية، حيث يلزم وجود متغيرات لا حصر لها على عدة مستويات لبناء نموذج تنبؤي لجوانب الاضطرابات النفسية. وهناك أيضًا مشكلة كبيرة تتمثل في استخدام البيانات الشخصية دون الحصول على موافقة، ونقص الشفافية التي تحول دون التحقق من صحة الخوارزميات، ومشكلة فشل النتائج الإيجابية الزائفة والسلبية المضللة في اكتشاف الظروف.

الواقع الافتراضي والمعزز

يتمتع الواقع الافتراضي والواقع المعزز بإمكانيات كبيرة يمكن أن تساعد في فهم مشاكل الصحة النفسية لدى المراهقين وتقييمها وعلاجها. ويساهم الواقع الافتراضي في انهماك المستخدمين في عالم تفاعلي ينتجه جهاز الحاسوب، بينما يدمج الواقع المعزز المحفزات الناتجة عن الحاسوب في العالم الحقيقي. ويتعرض المرضى تدريجيًا لمواقف مختلفة بطريقة قابلة للتكرار والضبط ويتلقون تدريبات للتعامل معها بناءً على التدخلات النفسية القائمة على الأدلة. ويعتبر الواقع الافتراضي والواقع المعزز بدائل آمنة ومعقولة للتدخلات غير العملية والمحفوفة بالمخاطر والمكلفة. ويمكن استخدام هذه التقنيات لعلاج الأشخاص الذين يعانون من الرهاب واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات طيف التوحد والاضطرابات النفسية واضطرابات القلق. ورغم تسليط العديد من الدراسات للضوء على فعالية استخدام الواقع الافتراضي في علاج البالغين الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية، إلا أن هناك حاجة إلى الكثير من العمل لقياس فعالية استخدامه في تقديم خدمات الصحة النفسية للمراهقين. وقد يتسبب الواقع الافتراضي والواقع المعزز في حدوث آثار جانبية للأشخاص الذين يعانون من نوبات الهلع وأمراض القلب والصرع.

وسائل التواصل الاجتماعي

تتمتع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالقدرة على معالجة الوصمة والعزلة الاجتماعية لدى المراهقين المصابين باضطرابات نفسية والمشاكل الناجمة عن عدم تيسر سبل الوصول إلى خدمات الصحة النفسية من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي. ويمكن للمراهقين الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وتجاربهم وطلب النصيحة ودعم بعضهم البعض. وقد أظهر استبيان أن المراهقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية يميلون على الأرجح للتعبير عن آرائهم الشخصية عبر المدونات والصداقات الإلكترونية. ولكن الألعاب الجادة تعتبر المصدر الأكثر شيوعًا للتنمر عبر الإنترنت بين المراهقين. ويمكن أن يحصل المراهقون على نصائح غير موثوق فيها وضارة من أقرانهم، ويمكن أن يتحولوا إلى الاعتماد بشكل مفرط على الصداقات الإلكترونية، وهو ما قد يحد من مهارات الاتصال لديهم عند تعاملهم مع البيئات غير المتصلة بالإنترنت.

الألعاب الجادة

الألعاب الجادة هي ألعاب توفر خيارات أكثر من مجرد الترفيه ويمكن استخدامها لإجراء تدخلات علاجية في مجال الصحة النفسية. وكثيرًا ما يُنظر إلى العلاج التقليدي الذي يأخذ شكل محادثات واستبيانات وملاحظات على أنه غير مريح، حيث قد يجد المراهقون عمومًا صعوبة في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وعواطفهم بسبب قيود النمو. ومن المفارقات أن هناك دراسات كانت قد سلطت الضوء كذلك على استخدام الألعاب الجادة والتكنولوجيا كمصدر لمشاكل الصحة النفسية نظرًا لطبيعتها التي تسبب الإدمان.

خاتمة

توفر الأدوات الرقمية إمكانات هائلة لتحسين الصحة النفسية للمراهقين. ومع ذلك، تفتقر الكثير من الأبحاث في هذا المجال إلى الدقة العلمية، وهناك حاجة إلى المزيد من العمل لإرساء القواعد لأداء وظيفي قائم على الأدلة في الممارسات السريرية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي استخدام الأدوات الرقمية في مجال الصحة النفسية للمراهقين إلى إحداث فجوة رقمية بسبب عدم قدرة الأفراد الذين لا يستطيعون استخدام الأدوات الرقمية على الاستفادة منها. 

يشغل كل من الدكتور علاء عبد الرزاق والدكتور عرفان أحمد منصب زميل ما بعد الدكتوراه للمعلوماتية الصحية في كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة، بينما يشغل الدكتور موفق حوسة منصب أستاذ مشارك بالكلية.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.