جعل غير المرئي مرئيًا: تحسين جودة الهواء في قطر

الدكتور محمد رامي الفرا

الهيئة:  معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة
جعل غير المرئي مرئيًا: تحسين جودة الهواء في قطر

لماذا الاهتمام بجودة الهواء؟

تؤثر جودة الهواء الذي نتنفسه على كل فرد من أفراد المجتمع. فقد أظهرت مجموعة كبيرة من الأدلة على مدى العقود الخمسة الماضية تظهر الآثار السلبية لتلوث الهواء على الصحة العامة والمناخ والتكلفة المرتبطة بالاقتصاد. وحيث أن حركة الهواء لا تعرف حدودًا، فإن التحدي الذي يفرضه تلوث الهواء أصبح أكثر من مجرد مشكلة محلية، بل مشكلة وطنية وإقليمية وعالمية تتطلب تبني سياسات على جميع هذه المستويات للتخفيف من آثاره السلبية على كل فرد منا وعلى كوكبنا.

تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن التعرض لتلوث الهواء في الأماكن المفتوحة يؤدي إلى تسجيل 4.2 مليون حالة وفاة سنويًا، بينما تُسجل 3.8 مليون حالة وفاة كل عام نتيجة لتلوث الهواء في الأماكن المغلقة، وهو ما يحدث في الغالب بسبب التعرض للدخان الصادر من مواقد الطهي والوقود الملوث داخل المنازل. ويستمر التعرض للجسيمات الدقيقة الناتجة عن الأنشطة البشرية في إلقاء عبء كبير على صحة الإنسان. علاوة على ذلك، يرتبط ثاني أكسيد النيتروجين بارتفاع معدل الوفيات بشكلٍ ملموس، كما أن لغاز الأوزون تأثير سلبي كبير على غلات المحاصيل، وهو ما يهدد الأمن الغذائي. من ناحية أخرى، هناك اتفاق واسع النطاق على أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الدفيئة الأخرى والمكونات التي تؤثر على المناخ الناجمة عن الأنشطة البشرية، هي المسبب الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري. ونتيجة لذلك، ينظر صانعو السياسات إلى استراتيجيات إدارة وتحسين جودة الهواء باعتبارها من الأولويات.

المصادر والتغيرات الرئيسية المرافقة لتلوث الهواء

تلوث الهواء هو مزيج معقد من المكونات الكيميائية الغازية والمكثفة التي تنشأ من مصادر طبيعية، مثل الغبار الذي تحمله الرياح ورذاذ البحر والأنشطة البركانية؛ فضلاً عن الأنشطة البشرية مثل الاحتراق والبناء والصناعة. وتُصنف الملوثات على أنها أولية أو ثانوية بناءً على مسار دخولها إلى الغلاف الجوي. تنبعث الملوثات الأولية مباشرةً في الغلاف الجوي من مصدر معين مثل انبعاثات الاحتراق، في حين تتكون الملوثات الثانوية داخل الغلاف الجوي عبر أكسدة الانبعاثات الأولية، وهو ما يؤدي إلى تكوين ملوثات غازية مثل الأوزون أو المرحلة المكثفة مثل النترات والكبريتات والمركبات العضوية الثانوية.

ويتطلب تحديد حجم عبء الملوثات، بما في ذلك الجسيمات، في الغلاف الجوي تطبيق استراتيجية شاملة ومنسقة لتحديد مصادرها وكميتها وفهم تكوينها وتركيبها وتحولها في الغلاف الجوي. وتشمل الأسئلة الرئيسية التي يجب الإجابة عنها مدى مساهمة المصادر المحلية في حدوث التلوث مقارنةً بمصادرها الإقليمية التي تصلنا مع حركة الهواء، بالإضافة إلى مساهمة المصادر الطبيعية مقارنة بالانبعاثات الناجمة عن الأنشطة البشرية في العبء الإجمالي للتلوث.

جهود المعهد: فرص متعلقة بالنواحي العلمية والسياسات في قطر

شهدت دولة قطر نموًا كبيرًا في عدد السكان والتوسع الحضري على مدار العقدين الماضيين. وبدأ العمل في عدد من مشاريع البنية التحتية الضخمة والبارزة، بما في ذلك المشاريع التي تنفذ في إطار استعدادات دولة قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، والتي تتمحور حول تطوير مناطق جديدة بالقرب من العاصمة الدوحة، وإنشاء شبكة نقل عام وبناء شبكة واسعة من الطرق. ومن الشائع أن تصاحب التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحديات وعواقب بيئية. ويجب على العلماء وواضعي السياسات مواصلة العمل عن كثب لوضع سياسات مناسبة للمساعدة في التخفيف من تأثير هذا النمو على البيئة، بما في ذلك على جودة الهواء والآثار المرتبطة به على الصحة العامة والاقتصاد.

وقد بدأ مركز البيئة والاستدامة في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة برنامجًا لأبحاث جودة الهواء يتبنى إستراتيجية تتيح إمكانية الوصول إلى اكتشافات جديدة وبناء القدرات وتهدف إلى المساهمة في تحقيق توجهات السياسة الوطنية في مجال تعزيز جودة الهواء والحد من تلوثه في قطر. ومن خلال شبكة عالمية المستوى لمراقبة جودة الهواء تغطي ستة مواقع في الدوحة الكبرى وما حولها، وأكثر من 20 مجموعة من أجهزة استشعار جودة الهواء، وقدرات المحاكاة الكيميائية الضوئية الإقليمية، شرع معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة مؤخرًا في تطبيق استراتيجية تهدف إلى قياس كمية الجزيئات الدقيقة في الجو ومعرفة تركيبها الكيميائي وتقييم تغيراتها الزمانية والمكانية. وستحدد الاستراتيجية الجديدة حجم المساهمة المحلية والإقليمية وكذلك الطبيعية والبشرية في عبء كتلة الجسيمات في قطر. وبالتوازي مع ذلك، فإننا نعكف على بناء علاقات تعاون متعددة التخصصات لتقييم وقياس تأثير تلوث الهواء على الصحة العامة وتكلفته على الاقتصاد الوطني. وسوف ندمج المعرفة التي نكتسبها من هذه الجهود ونستفيد منها في تطوير استراتيجيات التدخل الوطنية القائمة على الأدلة لإدارة جودة الهواء بشكلٍ فعالٍ في دولة قطر.

ونحن نهدف إلى معالجة المشكلة عبر توفير البيانات المطلوبة للمساعدة في تقليل الانبعاثات من مصادرها، وتخفيف تأثير جودة الهواء على صحة الإنسان، وتوعية الجمهور لمساعدتهم على فهم مخاطر تلوث الهواء وتقليل تعرضهم لمصادره في الأماكن المفتوحة والمغلقة.

يشغل الدكتور محمد رامي الفرا منصب عالم رئيسي في مركز البيئة والاستدامة بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.