الميتافيرس: التكنولوجيا ومخاطر الخصوصية والأمان وطريق المستقبل

الدكتور روبرتو دي بيترو*

الهيئة:  كلية العلوم والهندسة
الميتافيرس: التكنولوجيا ومخاطر الخصوصية والأمان وطريق المستقبل

ما هو الميتافيرس؟

الميتافيرس عبارة عن مجموعة من المساحات الافتراضية الثابتة ومتعددة المستخدمين والمشتركة ثلاثية الأبعاد والمترابطة مع العالم المادي والمدموجة معًا لإنشاء عالم افتراضي موحد ودائم. ويدخل المستخدمون عالم الميتافيرس باستخدام الصور الرمزية، ويمكنهم التفاعل مع بعضهم البعض ومع العناصر والتطبيقات والخدمات والشركات التي يحتويها هذا العالم. وعلى وجه الخصوص، يُنظر إلى الميتافيرس حاليًا على أنه التطور التالي للإنترنت، أي الإنترنت المادي الإلكتروني المدعوم بالتكنولوجيا 3.0 القادر على تجاوز نموذج الإنترنت الذي يعمل عبر الهاتف الجوال. وتوضح هذه الرؤية للميتافيرس باعتبارها تمثل القفزة التطورية التالية لكل من قدراتنا المادية واتصالاتنا الرقمية، وبالتالي أيضًا الطفرة في حياتنا الاجتماعية، تمامًا الضجيج الهائل والاهتمام المتشنج الذي أولاه البعض بسرعة للميتافيرس.

التكنولوجيا الممَّكِنة للميتافيرس

مع ظهور الميتافيرس، سيكون الوصول إلى المساحات الافتراضية عبر الإنترنت ممكنًا في البداية عبر تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي. وفي الواقع، من السمات الرئيسية والمميزة لتكنولوجيا الميتافيرس انتشارها وتشعبها، وهي سمات أمكن الوصول إليها عبر اندماج غير مسبوق بين العالمين الافتراضي والمادي. ومن بين المجالات التي يُتوقع فيها حدوث تقدم تكنولوجي سريع الواجهات التي ستسمح بالتفاعل مع الميتافيرس. وتشتمل هذه الواجهات على التكنولوجيا والأجهزة المستخدمة لإدخال الأوامر إلى الميتافيرس وكذلك لتلقي التعليقات منه، بما في ذلك واجهات التفاعل بين الدماغ والحاسوب، وهي واجهات عصبية مصممة لتجميع ومعالجة الإشارات الكهربائية التي تحدث في الدماغ البشري نتيجة لبعض الأنشطة المعرفية، وتحويلها إلى مدخلات ذات مغزى لجهاز حاسوب أو جهاز خارجي. وسوف يشارك الميتافيرس في النهاية في إجراء تجارب وتعليقات متعددة الحواس، سواء عن طريق الغرسات التي تثبت في الدماغ أو عبر تكنولوجيا أخرى مثل الأجهزة اللمسية (الأجهزة الميكانيكية التي تتوسط عملية الاتصال بين المستخدم والحاسوب). فعلى سبيل المثال، ستزود الأنظمة الحسية مستخدمي الميتافيرس بتأثيرات عودة القوة التي تحاكي التفاعلات المادية في العالم الحقيقي، اعتمادًا على نتيجة تصرفاتهم في العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد. وفي هذا الصدد، سيمثل الميتافيرس الخطوة التطورية التالية في قدرتنا على تقديم واستهلاك ليس فقط الوسائط المتعددة، بل أيضًا المحتوى متعدد الحواس، وهو تطور منطقي فيما ضوء ما نشهده فعليًا.

قضايا الأمان والخصوصية

إذا كان مستخدمو الشبكات الاجتماعية هم نتاج شبكة الإنترنت في الوقت الحالي، فسيكون كل شيء وكل فرد بالمعنى الحرفي للميتافيرس هو المنتج. وتعمل منصات الشبكات الاجتماعية حاليًا كأقطاب مغناطيس قوية لمستخدمي شبكة الإنترنت. وبالمثل، سيكون الميتافيرس مغناطيسًا أقوى بشكل أكبر ومضاعف للمستخدمين، وكذلك لمطوري المحتوى ورواد الأعمال والشركات على حد سواء. ويثير الاهتمام المكشوف مخاوف كبيرة بشأن كمية ونوع البيانات التي يمكن أن تجمعها مثل هذه المنصة الضخمة. فعلى سبيل المثال، تُستخدم المعلومات الشخصية التي تُجمع من منصات شبكات التواصل الاجتماعي بالفعل للتشهير، أي الممارسة أو التهديد للكشف عن المعلومات الخاصة للضحية بهدف الابتزاز أو التشهير عبر الإنترنت. وبالنظر إلى أن الميتافيرس سيوفر معلومات شخصية أكثر بكثير عن مستخدميه، ليس فقط للمنصات، ولكن أيضًا للمستخدمين الآخرين، فكيف سنستمر في التعرض للتشويش عن بعد؟ والجدير بالذكر أن المعلومات الشخصية والحساسة التي ستتسرب عبر الميتافيرس ستتضمن عددًا كبيرًا من المعلومات الحقيقية حول عادات المستخدم وخصائصه الفسيولوجية. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على هذه المعلومات على شبكة الإنترنت في الوضع الراهن إن لم يكن من المستحيل تمامًا الحصول عليها، فسيكون من السهل الوصول إليها في عالم الميتافيرس، نتيجة للرابط الأوثق بين العالمين الافتراضي والمادي.

الأمان: ترتبط قضية الأمان الرئيسية التي يثيرها الميتافيرس بحقيقة مؤكدة وهي أن مستوى تكامل الأنظمة المختلفة سيكون غير مسبوق. ومن شأن هذا التكامل الضروري، من ناحية، توسيع سطح الهجوم بشكل كبير، بينما يتطلب من ناحية أخرى منهجيات جديدة ومعقدة للتحكم في الدخول إلى عالم الميتافيرس. ومن بين الموضوعات الأخرى التي تستحق اهتمامًا خاصًا، هناك موضوع يتعلق بالمصادقة على المستخدمين في الميتافيرس (مع الحفاظ على خصوصيتهم في الوقت نفسه). وأخيرًا، مع استخدام الميتافيرس، من المرجح أن تصبح هجمات الهندسة الاجتماعية أكثر ملاءمة وقوة، وبالتالي أكثر تكرارًا. وبالإضافة إلى الهندسة الاجتماعية، يثير الميتافيرس مخاوف إضافية تتعلق بخصوصية سلوكيات المستخدم. ومن الأمثلة العملية لهذا النوع التجسس والمطاردة.

التدابير المضادة: ينتج عن انتشار استخدام الميتافيرس وتشعبه سياقًا مختلفًا تمامًا فيما يتعلق بالتكنولوجيا الحالية. ومن ثم، فإن حلول الخصوصية والأمان الحالية لا تعالج مشكلات الخصوصية والأمان إلا بشكلٍ جزئي. وتستدعي تكنولوجيا الميتافيرس والمجالات المعمارية والتطبيقات إجراء المزيد من البحوث التي يمكن أن تساعد في معالجة هذه المشكلات الرئيسية.

طريق المستقبل

في الوقت الحالي، لم يتحقق الاستخدام الواسع لتكنولوجيا الميتافيرس بعد. وعلى الرغم من أن هذه التكنولوجيا لم تعد مجرد تصور، حيث أنها باتت خطة تنفذها شركات التكنولوجيا الكبرى؛ بدأت شركة ميتا (الفيس بوك سابقًا) وشركة مايكروسوفت في ضخ مليارات الدولارات للاستثمار في تطوير هذه التكنولوجيا. وكشفت شركة ميتا بمفردها عن خطط لتحقيق هذا الهدف، وبدأت في توظيف 10,000 فني من ذوي المهارات العالية لتحقيق الإصدار الأول من تكنولوجيا الميتافيرس. وبدأت شركة مايكروسوفت في الاستحواذ على الشركات التي تعمل بالفعل على تحقيق هذا الهدف، بدفع مبالغ تقدر بمليارات الدولارات.

وبناءً عليه، فإن الميتافيرس هو واقع قادم، يجلب معه مجموعة من التحديات والفرص، مثل إعادة التفكير في صناعة الخدمات والتصنيع ومجال الترفيه. ورغم ذلك، يجلب هذا العالم معه مخاطر تتعلق بالأمان والخصوصية إلى حد لم يسبق له مثيل من قبل. ولا يمكن التنبؤ بالاتجاهات التي سيتخذها الكون المتعدد. وما يمكن توقعه هو أنه بغض النظر عن اتجاهات التنمية، ستكون هناك حاجة إلى فنيين ذوي مهارات عالية ومديرين أذكياء، وهذا هو المكان الذي يمكن أن تؤدي فيه دولة قطر دورًا رئيسيًا، نظرًا لاستثماراتها العالمية في مجالات التعليم والبحوث. فعلى سبيل المثال، تحرص جامعة حمد بن خليفة على تأهيل قادة المستقبل في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقانون والأخلاق. وسوف يتمتع هؤلاء القادة بوضع ممتاز يتيح لهم إمكانية دفع عجلة تنمية الكون المتعدد، والاستفادة من الفرص التي ستنجم عنه، وهو ما سيساعد دولة قطر على التقدم بقوة نحو الاقتصاد القائم على المعرفة، وتعزيز وجود الدولة في قطاع الخدمات والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية، وهو هدف تتقدم قطر بثبات واطراد نحو تحقيقه.

يشغل الدكتور روبرتو دي بيترو منصب أستاذ متفرغ في مجال الأمن السيبراني بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة. 

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.