الدكتور محمد فرحان، الأستاذ المساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة
مع ارتفاع الآمال بشأن تضاؤل انتشار جائحة كوفيد-19، أصابت التقارير المتداولة عن مرض جدري القرود، وهو أحدث المخاوف الصحية، الناس بالذعر. ووفقًا للبيانات الصادرة عن موقع "بيانات عالمنا" حتى الآن، فقد تم الإبلاغ عن حدوث ما يقرب من 346 حالة إصابة بجدري القرود حول العالم. وفي حين أن بعض البلدان قد بدأت بالفعل في أخذ الأمر على محمل الجد عبر تنفيذ سياسات الحجر الصحي، لا تزال بعض الدول الأخرى تدرس عواقبه ببساطة.
ما هو مرض جدري القرود، وكيف ينتشر؟
يبدأ مرض جدري القرود بأعراض تنفسية وانتشار واضح للطفح الجلدي في الفم واليدين، وسرعان ما ينتشر تدريجيًا إلى باقي الجسم. وتشتمل الأعراض الأخرى للإصابة بالمرض على الحمى والتورم. وقد اكتشف هذا المرض للمرة الأولى في عام 1958 في مستعمرة للقرود جُلبت إلى الدنمارك من قارة أفريقيا. ورغم أن جدري القرود مرض حيواني المصدر، وهو ما يعني أنه يمكن أن ينتقل من الحيوانات المريضة إلى البشر، يشير اسم جدري القرود أيضًا إلى أن القرود تنشر هذا المرض. ولدى البشر، لا توجد علاقة كبيرة جدري القرود بحيوانات القرود. وربما تكون أنواع القوارض الصغيرة الموجودة في غرب ووسط أفريقيا هي السبب وراء انتشار المرض. وقد اكتشفت أول حالة إصابة بجدري القرود لدى الإنسان في سبعينيات القرن الماضي وانتشرت في الأساس من خلال الاتصال الوثيق بالأشخاص المصابين بالمرض. وربما يكون الأشخاص الذين يعيشون في الغابة قد تعرضوا للقوارض المصابة جدري القرود عبر الاتصال الوثيق من خلال الخدوش أو اللدغات أو أثناء تحضير لحوم الطرائد والإصابة بالعدوى.
هل تُعتبر حالات تفشي مرض جدري القرود نادرة؟
حدثت العديد من حالات انتشار مرض جدري القرود من قبل خلال فترة العشرين إلى الثلاثين عامًا الماضية. وهو مرض متوطن في العديد من البلدان الأفريقية. وفي عام 2003، حدث تفشٍ لمرض جدري القردة في الولايات المتحدة، لأول مرة خارج شبه القارة الأفريقية. وفي الولايات المتحدة، ارتبط تفشي سابق لجدري القرود بانتشار كلاب البراري، التي تعرضت للفئران المستوردة من غرب أفريقيا.
هل يرتبط مرض جدري القرود بالتطعيم ضد فيروس كوفيد -19؟
مع بدء حالات الإصابة بمرض جدري القرود في الارتفاع، ازدادت أيضًا نظريات المؤامرة حول سبب حدوث المرض، كما حدث أيضًا مع فيروس كوفيد-19. وانتشرت بعض الادعاءات الخاطئة حول تسبب بعض اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد -19 في حدوث جدري القرود. وهذه النظرية غير مثبتة وتروج لها المجموعات المناهضة للتطعيم.
هل يتسبب جدري القردة في حدوث جائحة عالمية أخرى مماثلة للجائحة التي أحدثها فيروس كوفيد -19؟
الأمر الجيد هو أن مرض جدري القرود مختلف تمامًا عن مرض كوفيد-19. ويعتقد الخبراء أنه في حين أنه من الضروري الحذر من إمكانية الإصابة بمرض جدري القرود، خاصة لدى الأشخاص القادمين من غرب أفريقيا، فمن غير المرجح أن يتصرف الفيروس مثل فيروس كوفيد-19، وبالتالي لا ينبغي أن يتسبب في حدوث جائحة عالمية. ويختلف فيروس جدري القرود وانتشاره كثيرًا عن فيروس كوفيد-19 الذي ينتشر بسرعة كبيرة. ويتطلب انتشار جدري القرود حدوث اتصال جسدي وثيق مع الجلد وقد يستغرق ظهور الأعراض من خمسة إلى 21 يومًا من بدء التعرض للمرض. ويمكن أن تكون فترة الحضانة طويلة جدًا.
ومن العوامل الأخرى التي تحدد انتشار الفيروس معدل العدوى. وتحدد قيمة المعدل 0 درجة انتشار العدوى، وهو متوسط عدد الأشخاص الذين يتعرضون للإصابة بعد مخالطتهم لشخص مريض. وفي البداية، كان معدل انتشار العدوى لفيروس كوفيد-19 يتراوح بين 2 و3 حالات، وكان قريبًا من 8 حالات في فيروس أوميكرون، أحدث نسخة متحورة من فيروس كوفيد-19. وبالمقارنة مع فيروس كوفيد-19، يُعدُ جدري القرود أيضًا أقل عدوى، حيث يبلغ معدل انتشاره أقل من حالة واحدة. وهذا هو سبب ثقة سلطات الصحة العامة في إمكانية احتواء مرض جدري القرود.
هل تطعيم الجدري فعال في الوقاية من جدري القرود؟
ينتمي كل من جدري القرود والجدري إلى عائلة الفيروسات الجدرية. وكان الجدري في يوم من الأيام وباءً تم القضاء عليه في الثمانينيات عبر حملة تلقيح عالمية ناجحة. وهناك عدة تقارير تفيد بأن التطعيم ضد الجدري يقي بنسبة 80-85٪ من حالات الإصابة بجدري القرود، وهو خبر سار. ومع ذلك، من المحتمل أن تكون المناعة محدودة لدى كبار السن والأشخاص الذين يتناولون مثبطات المناعة لعلاج أمراض أخرى. وعلى الرغم من أن أمريكا وأوروبا والدول الآسيوية قد أوقفت التطعيم الاعتيادي للأشخاص ضد الجدري، إلا أن لقاحات الجدري لا تزال تُنتج. وتمتلك العديد من البلدان مخزونًا من هذه اللقاحات لمكافحة الإرهاب البيولوجي والحرب البيولوجية والأبحاث. وإذا لزم الأمر، يمكن البدء في التطعيم، خاصة لأخصائيي الرعاية الصحية والأشخاص الذين يحتاجون إلى المزيد من الحماية؛ ومع ذلك، تعتقد منظمة الصحة العالمية أن التطعيم الشامل ضد جدري القرود ليس مطلوبًا.
كيف يمكن أن نحمي أنفسنا من مرض جدري القرود؟
على الرغم من أن خبراء الصحة يعتقدون أن مخاطر الإصابة بجدري القرود لدى عامة الناس منخفضة، إلا أن العديد من الاحتياطات يمكن أن تقلل من فرص الإصابة بالمرض. وتشتمل قائمة الاحتياطات المهمة على تجنب ملامسة الشخص المصاب بالأعراض، واستخدام الأقنعة أو المعدات الواقية عند الاقتراب من شخص مصاب بالأعراض والحفاظ على النظافة الجيدة والممارسات الجيدة داخل المنزل وخارجه.
وإذا كنت على اتصال وثيق بشخص يعاني من أعراض الإصابة بالمرض، أو كنت تشك في أن لديك أعراض الإصابة بجدري القرود، فيجب عليك أولاً عزل نفسك وطلب المساعدة الطبية والمشورة على الفور. ونظرًا لأن أعراض جدري القرود تتداخل مع أعراض أمراض أخرى مثل جدري الماء والهربس والزهري، فمن الضروري الحصول على تأكيد طبي. وإذا أكد الخبراء الطبيون إصابتك بجدري القرود وأعراض خفيفة للمرض، فمن المحتمل أن تتعافى في غضون 3-4 أسابيع.
* يشغل الدكتور محمد فرحان منصب أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب، والآراء الواردة فيه تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة