بقلم: الدكتور أيمن الحاج
يُعتبر الصيام المتقطع خطة غذائية تحد من تناول الشخص للطعام والشراب في أوقات معينة من اليوم أو الأسبوع للمساهمة في فقدان الوزن، وتتنوع أنماط الصيام من حيث المدة والتكرار، مع وجود نمطين شائعين يتضمنان تناوب فترات الصيام لمدة 24 ساعة مع تناول الطعام بشكل طبيعي وإعداد نظام لتناول الطعام لمدة ثماني ساعات مع الصيام لمدة 16 ساعة أخرى، حيث تؤكد العديد من الدراسات التي أجريت على الإنسان والحيوان الفوائد العلاجية للصيام المتقطع، والتي تشمل زيادة طول العمر، وانخفاض وزن الجسم وكتلة الدهون، والأداء الصحي لجهاز القلب والأوعية الدموية.
وتتضمن الأبحاث السابقة مراجعة منهجية لعشرين دراسة سريرية تستكشف تأثير الصيام المتقطع على عوامل الخطر المتعلقة بالقلب والأيض لدى المرضى الذين يعانون من متلازمة الأيض، وقد وجدت هذه الدراسات أن محيط الخصر والدهون الثلاثية وجلوكوز البلازما أثناء الصيام وتركيز الكوليسترول الضار وضغط الدم الانقباضي والانبساطي قد تحسنت بشكل ملحوظ مع الصيام المتقطع، كما أن الحفاظ على هذه العوامل تحت السيطرة يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. فضلًا عن ثبوت أن الصيام المتقطع يُقلل من مستوى أعراض الالتهاب في الدم، مثل الهوموسيستين وبروتين سي المتفاعل (CRP)، كما يؤثر انخفاض هذه العلامات، إلى جانب انخفاض مستويات الدهون، على تطور لويحات تصلب الشرايين.
ولا تزال الجهود المبذولة لإثبات وجود صلة إيجابية مباشرة بين الصيام المتقطع وتطور أمراض القلب قيد البحث، حيث تراكمت معظم أفكارنا من الدراسات التي أجريت على الحيوانات، والتي أظهرت أن الفئران أو الجرذان التي تم إخضاعها لنظام غذائي يعتمد على الصيام كل يوم، انخفض حجم احتشاء عضلة القلب بعد تحريضها على احتشاء عضلة القلب مقارنةً بمعايير أخرى لا تعتمد على الصيام. وقد ارتبط انخفاض الاحتشاء بتحسن البقاء على قيد الحياة واستعادة وظائف القلب، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن التأثيرات المفيدة للصيام المتقطع على أمراض القلب تحدث من خلال آليات وقائية على المستوى الخلوي وتعزيز استجابة الخلية ضد الإجهاد عن طريق التخلص من المكونات التالفة داخل الخلايا "الالتهام الذاتي" وتوليد ميتوكوندريا جديدة، ويشترك البشر على الأرجح مع الحيوانات في هذه الآليات.
ويعتبر شهر رمضان من أكثر أنماط الصيام المتبعة على نطاق واسع، حيث يمتنع المسلمون في جميع أنحاء العالم عن الطعام والشراب من الفجر إلى غروب الشمس، وتشير العديد من الدراسات البحثية إلى أن الصيام المتقطع طوال الشهر الكريم يقلل من عوامل مخاطر القلب والأوعية الدموية لدى الأفراد الأصحاء والبدناء، وتشمل هذه النتائج (دراسة لندن الرمضانية) التي نُشرت في عدد 2021 من مجلة جمعية القلب الأمريكية، والتي تُسلط الضوء على الآثار المفيدة لصيام رمضان على ضغط الدم بشكل مباشر، ناهيك عن التغيرات الإيجابية في الوزن وكتلة الدهون، كما وجدت دراسة إكلينيكية سابقة فحصت آثار صيام رمضان على أعراض قصور القلب المزمن أن حوالي 92% من المرضى لم تحدث لديهم أي تغيرات أو تحسنت أعراضهم بينما ساءت الحالة لـنحو 8% المتبقية، وعلى الرغم من أن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات السريرية الأخرى تدعم فكرة أن الصيام المتقطع آمن لمعظم المرضى الذين يعانون من أمراض القلب المزمنة والمستقرة، إلا أنه ينبغي عليهم طلب المشورة الشخصية من مقدمي الرعاية الصحية قبل اتباع أي شكل من أشكال الصيام.
وفي الواقع، تم إجراء جميع الدراسات السابقة على الإنسان والحيوان لفترات قصيرة، حيث لم يتم تقييم تأثير الصيام المتقطع على المدى الطويل، ومع ذلك، تشير دراسة سريرية جديدة أجرتها جامعة جياو تونغ في شنغهاي إلى أن تحديد وقت تناول الطعام والشراب بثماني ساعات يوميًا ثم الصيام لمدة 16 ساعة، يرتبط بارتفاع خطر الوفاة بسبب أمراض القلب خلال فترة متابعة متوسطها ثماني سنوات، وتستند النتائج إلى تحليل دراستين استقصائيتين لـنحو 20 ألف شخص بالغ يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية والتي تناولت بالتفصيل ما تناولوه من طعام على مدار 24 ساعة.
وعلى الرغم من اهتمام وسائل الإعلام العالمية لهذه الدراسة، إلا أن لها حدودها، بما في ذلك اعتمادها على تناول الطعام المُبلغ عنه ذاتيًا، وهي ممارسة عرضة لتحيزات التذكر لدى المشاركين. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تضمين عوامل الخطر الحاسمة مثل السمنة أو فرط كوليسترول الدم والتفاصيل المتعلقة بنوعية الأغذية في وجبات المشاركين في التحليل، وباستخدام هذه المعلومات، يمكن تحديد ما إذا كانت كثافة العناصر الغذائية قد تكون تفسيرًا بديلاً للنتائج المرصودة بشأن الفترة الزمنية لتناول الطعام. فبدون ذلك، لا يمكننا أن نعزو بشكل قاطع التباينات في الوفيات المرتبطة بأمراض القلب فقط إلى طول فترة تناول الطعام، وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من التجارب السريرية لاستخلاص استنتاجات أكثر قوة حول تأثير الصيام المنتظم على خطر الإصابة بأمراض القلب على المدى الطويل، كما أنه من المهم أيضًا أن تحدد الدراسات المستقبلية فترة الصيام المثالية، وما إذا كان سيتم استخدام هذه الأنظمة الغذائية كمدخل للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.
*الدكتور أيمن الحاج زين، أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية، بجامعة حمد بن خليفة.
*جميع الأفكار والآراء الواردة في المقال تعبر عن المؤلف، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.