ادعى البعض بأن نهاية جائحة كوفيد-19 قد تكون وشيكة، ليطرحوا أخيرًا بعض الأخبار الإيجابية بعد مرور أكثر من عامين على ظهور الفيروس لأول مرة.
ومنذ اكتشاف أول حالة إيجابية في نهاية عام 2019، أصيب أكثر من 460 مليون شخص حول العالم بفيروس كوفيد-19، وهو ما أدى إلى تسجيل أكثر من 6 ملايين حالة وفاة مرتبطة بالفيروس. وتعرضت الاقتصادات والشركات لضربة كبيرة، في حين أصبحت الصحة النفسية مصدر قلق أكبر بسبب استمرار تدابير الإغلاق والقيود لشهور طويلة.
وكانت منظمة الصحة العالمية قد أعلنت عن تحول فيروس كوفيد -19 إلى جائحة خلال شهر مارس 2020، ونحن نتوق الآن جميعًا لاختفائه وتلاشيه، ولكن ما مدى ثقتنا في تعلمنا للدروس المستلهمة من التجربة التي عايشناها على مدار العامين الماضيين؟ وهل سنكون مستعدين بشكل أفضل عند حدوث الجائحة العالمية المقبلة؟
يعتقد باحثون في معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي دورًا رئيسيًا في الاستعداد للجائحات المنتظر حدوثها في المستقبل والاستجابة لها.
ويفتخر معهد قطر لبحوث الحوسبة، أحد معاهد البحوث الوطنية الثلاثة في جامعة حمد بن خليفة، باحتوائه على مرافق بحثية حديثة ومركز بيانات يمكّنه من إنتاج أبحاث متميزة ذات صلة بالاحتياجات المحلية والعالمية. ويسعى المعهد إلى أن يصبح كيانًا عالميًا رائدًا لأبحاث الحوسبة في المجالات التي سيكون لها تأثير إيجابي على حياة المواطنين والمجتمع.
ويُجري المعهد أبحاثًا مبتكرة ومتعددة التخصصات في مجال الحوسبة التطبيقية تتناول الأولويات الوطنية. ومن بين نقاط القوة الرئيسية لهذه الأبحاث الخبرات الكبيرة للمعهد في مجال الذكاء الاصطناعي. فقد اعتُمد المخطط الذي طوره معهد قطر لبحوث الحوسبة ليصبح استراتيجية قطر الوطنية للذكاء الاصطناعي في عام 2020، كما يضم المعهد مركز قطر للذكاء الاصطناعي.
وذكر الدكتور سانجاي تشاولا، مدير الأبحاث في مركز قطر للذكاء الاصطناعي، أن البيانات التي جُمعت على مدار العامين الماضيين يمكن أن تكون ذات قيمة لا تقدر بثمن في معالجة الجائحة التالية. وقال: "منذ تفشي فيروس كوفيد-19، ظهرت كميات كبيرة من البيانات، بالإضافة إلى إحصاءات عن أنماط انتقال الفيروس والعدوى. وطُورت العديد من نماذج التنبؤ بالعدوى وتوقع انتشاره منذ بداية الجائحة، ويمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي التعلم من جميع البيانات التي ظهرت للحصول على تنبؤ أفضل بتفشي الفيروسات في المستقبل. وسيساهم هذا الأمر في تمكين صناع القرار من الاستعداد والتدخل في وقت مبكر على أمل الحد من تأثير الفيروسات والأوبئة في المستقبل."
ورغم أنه من غير الممكن التنبؤ بمكان ظهور الجائحة التالية، فإن فيروس كوفيد-19 قد ترك بصمة رقمية هائلة. ومن أجل الاستعداد لمواجهة الجائحة المقبلة، يمكن للباحثين المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي استخلاص أنماط تنبؤية وتعليمية مفيدة بهدف تحسين الاستجابة لهذه الجائحات. وقد تعاملت الدول المختلفة مع الجائحة بشكلٍ مختلف. فعلى سبيل المثال، كانت الاستجابة في السويد مختلفةً تمامًا عن تلك التي حدثت في أستراليا. وهناك معلومات مفصلة متاحة الآن لتحديد الظروف المناسبة لتنفيذ سياسات الاستجابة للجائحات.
ومن بين المجالات التي يمكن للذكاء الاصطناعي التأثير فيها على السياسات البت في عمليات الإغلاق، وما إذا كانت هناك حاجة إلى تطبيق الإغلاق الكامل، وتحديد المناطق التي ستُطبق القيود عليها إذا لم يكن الأمر كذلك. ونظرًا لتوافر بيانات محددة، يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تصميم المزيد من عمليات الإغلاق المناسبة. فعلى سبيل المثال، أظهر بحث أجراه معهد قطر لبحوث الحوسبة أن دمج المعلومات المتعلقة بحركة المرور في النماذج الوبائية يؤدي إلى تحسين فهمنا لكيفية انتشار المرض على الأرجح. وكمثال محدد، عندما يهبط مريض مصاب بالفيروس في مطار حمد الدولي، يُظهر عمل المعهد أن أجزاء مختلفة من قطر ستتأثر بشكل مختلف بناءً على حركة المرور.
ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي أيضًا في التنبؤ بالأدوية التي قد تمتلك القدرة على معالجة الجائحة. وقال الدكتور محمد سعد، عالم أبحاث في مركز قطر للذكاء الاصطناعي: "يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية لتحليل الأدوية على المستوى الجزيئي ويمكن أن تقدم هذه الأدوات مزايا في مراحل مختلفة من عملية تطوير الأدوية، مثل فحص الأدوية وتصميمها."
وأضاف: "يمكن استخدام هذه الأدوات للتنبؤ بالخصائص الفيزيائية والكيميائية والنشاطات الحيوية والسمية وبنية البروتين المستهدف والتفاعلات مع البروتينات المستهدفة لجزيئات الدواء على سبيل المثال لا الحصر. وقد أظهرت هذه الأدوات الكثير من الإمكانات للتنبؤ بسلوك الدواء عبر توفير تحليل أفضل لسمات الأدوية، والتخلص بشكل أسرع من المركبات المرشحة، واختيار المركبات الرئيسية المحتملة إلى جانب تقدير الامتصاص، والتوزيع، والتمثيل الغذائي، والإفراز، والسمية للعقاقير المرشحة."
ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي كذلك في تطوير علاج للجائحات في المستقبل. وبالمقارنة مع عملية اكتشاف الأدوية المرشحة التقليدية التي كانت تستغرق من أربع إلى خمس سنوات، يمكن للذكاء الاصطناعي خفض هذه المدة إلى أقل من عام. وفي حالة الجائحات المستقبلية، تؤدي عملية إعادة توظيف الأدوية دورًا رئيسيًا في تحديد طرق العلاج والأدوية المناسبة لعلاج الأمراض في وقت قصير.
ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في الربط بين أجزاء مختلفة من المعلومات. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تساعد تقنيات التعلم الآلي في العثور على أنماط ربط بين التركيب الكيميائي للدواء وبنية البروتين (مثل البروزات البروتينية) للفيروس. وهذا أمرٌ ممكنٌ لأن هناك مستودعًا كبيرًا (قاعدة بيانات) من الأدوية الموجودة والفيروسات المعروفة المتاحة.
وقال الدكتور إحسان الله، باحث ما بعد الدكتوراه في مركز قطر للذكاء الاصطناعي الذي قاد مشروع إعادة توظيف الأدوية: "اختبر الإطار الذي طوره المركز بشكل مستقل عددًا من الأدوية لعلاج فيروس كوفيد-19، والكثير منها في طور الإعداد للحصول على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية. وقد حصل دواءان محتملان اكتشف إطار إعادة توظيف الأدوية الذي طوره المركز فعاليتهما في علاج فيروس كوفيد-19، وهما دواء بريلاسيدين1 ودواء ريتونافير2 (المصنف ثانيًا في هذا الإطار)، على اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وقبول استخدامهما في علاج فيروس كوفيد-19."
وأضاف: "من وجهة نظري، أعتقد أن التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي يتمتعان بإمكانيات هائلة في مجال إعادة توظيف الأدوية، ليس فقط لعلاج الجائحات ولكن للطب الشخصي والأمراض الحالية مثل الأورام السرطانية."