تأليف/ د. هشام حمودي
يواصل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، تحقيق إنجازاتٍ نوعية، فقد نجح برنامج بحوث التكنولوجيا الإحلالية (Disruptive Technology) في المعهد هذا العام في الحصول على مجموعةٍ من براءات الاختراع في مجالات تحويل الطاقة والأجهزة الإلكترونية المتطورة، في خطوة فاصلة نحو تحقيق تأثيرٍ ملموس استنادًا إلى مخرجات البحث العلمي.
البحوث الاستراتيجية والملكية الفكرية
إن مواءمة نتائج البحوث مع المردود المنشود على المستوى الأكاديمي وعلى مستوى السوق أمر ضروري لتعزيز الاقتصاد القائم على المعرفة، وعلى مدار العقدين الماضيين، تجلّت أكثر أهمية الترخيص الابتكاري في الفِكر التجاري الحديث، فعلى سبيل المثال، تجني شركة المؤسسة الدولية للحواسيب (IBM) ما قيمته أكثر من مليار دولار سنويًا من الترخيص في صناعة الإلكترونيات، وفقًا لشبكة "تيك تارغت"، مما يُبرز أهمية وجود استراتيجيات مدروسة لبراءات الاختراع.
وفي عام 2019، أعد برنامج بحوث التكنولوجيا الإحلالية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة استراتيجيةً للملكية الفكرية تستند إلى دراسة شاملة تقدّم تحليلًا عالميًا للسيناريوهات والاتجاهات والحلول الحالية المتعلقة بالتقنيات المختلفة في مجالات الطاقة والإلكترونيات، وقد أثمر هذا التخطيط الاستراتيجي عن منح أربع براءات اختراع أمريكية دائمة، وتقديم ثلاثة طلبات لبراءات اختراع دائمة وخمس براءات اختراع مؤقتة.
وفي مجال التكنولوجيا المتقدمة، الذي يتسم بالتنافسية العالية والتطور السريع، تعتبر الإدارة الاستراتيجية للبحث العلمي والملكية الفكرية أمرًا بالغ الأهمية، ويعتمد النجاح في نهاية المطاف على القدرة على اقتراح وتطوير تقنيات غير مسبوقة، وهو ما يتطلب أساليب بحث استراتيجية. إن وجود استراتيجيات قوية للملكية الفكرية مهم للإبحار في القطاع التكنولوجي البالغ الصعوبة والتعقيد.
التغلب على قيود الصناعة بالابتكار الاستراتيجي
وعلى الرغم من التقدم السريع الذي يشهده قطاع الإلكترونيات، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة بسبب القيود الفيزيائية للمواد على المستوى النانوي، مما يحد من إمكانية تصغير الأجهزة الإلكترونية وزيادة كفاءتها، وإضافةً إلى ذلك، غالبًا ما تفشل عمليات التصنيع التقليدية في تلبية متطلبات الدقة والتكلفة والاستدامة البيئية، وإدراكًا لهذه التحديات، يركز برنامج التكنولوجيا الإحلالية في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بشكل استراتيجي على تطوير التقنيات التي تقدم حلولًا مبتكرة.
إن الفرص المتاحة في السوق للتقنيات التي يبتكرها المعهد قوية، وذلك نظرًا لحداثتها واستقرارها التشغيلي وكفاءتها وتكلفتها المعقولة واستدامتها البيئية، ومن أبرز الإنجازات التي حققها المعهد هو الحصول على براءة اختراع دائمة لجيل جديد من تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد المصممة خصيصًا لتطبيقات تحويل الطاقة وصناعة الإلكترونيات، حيث أظهر المعهد قدرة عالية على تطوير طابعة ثلاثية الأبعاد تعتمد على التجميع الجزيئي، وهي طريقة رائدة تدمج بسلاسة بين التجميع الذاتي الجزيئي وتكنولوجيا التصنيع المضافة.
تمثل طابعة معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة ثلاثية الأبعاد قفزة نوعية مقارنة بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد التقليدية، والتي غالبًا ما تكون محدودة بنوعية المواد التي تستخدمها والدقة التي يمكن أن تحققها، فعلى النقيض من التقنيات التقليدية، تدمج الطابعة الجزيئية ثلاثية الأبعاد التي ابتكرها المعهد بين مبادئ التجميع الذاتي الجزيئي وتكنولوجيا التصنيع المضافة، مما يسمح بابتكار مواد معدنية/عضوية هجينة ذات خصائص فريدة من نوعها، وتعد هذه التقنية أسرع وأكثر دقة وفعالية من حيث التكلفة، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطوير الإلكترونيات المتقدمة وأجهزة الاستشعار وغيرها من الأجهزة.
ومن أبرز الابتكارات التي قدمها المعهد في مجال الملكية الفكرية هو تطوير جيل جديد من تقنيات الطباعة الحجرية المباشرة باستخدام الإلكترونات والأشعة الضوئية، مستفيدًا من المواد التي تُنتجها الطابعة ثلاثية الأبعاد التي طوّرها المعهد. هذه التقنية المتطورة تتغلب على عيوب الطباعة الحجرية التقليدية، والتي تُعتبر مكلفة وتواجه تحديات متعلقة بالدقة والإنتاجية على المستوى النانوي. ومن خلال توظيف المواد الفريدة التي تنتجها الطابعة، يُتيح المعهد نهجًا مبتكرًا لرسم الهياكل النانوية، مما يمهد الطريق للجيل القادم من الأجهزة الإلكترونية.
وإن براءات الاختراع التي حصل عليها برنامج التكنولوجيا الإحلالية في مجال تصنيع خلايا الطاقة الشمسية المبتكرة تُبرز بوضوح التركيز الاستراتيجي لهذا البرنامج، فمن خلال توظيف تقنية التجميع الذاتي للبُنى الأساسية، يطرح معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة طريقة ميسورة التكلفة لإنتاج خلايا شمسية خالية من العيوب، مع تحكم دقيق في الشكل والبنية البلورية.
الشراكات العالمية والرؤية المستقبلية
أبرمت جامعة حمد بن خليفة مؤخرًا شراكة بحثية مع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) لتطوير نظام متكامل يعتمد على تقنية الطباعة الجزيئية ثلاثية الأبعاد ذاتية التجميع في التطبيقات العملية، وتعليقًا على هذه الشراكة الوطيدة، قال الدكتور يوسف تومي، مدير مختبر أبحاث الميكانيكا الإلكترونية بالمعهد: "إن خبرة معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة في مجال المواد والتصنيع النانوي تنسجم تمامًا مع قدرات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مجالات الميكانيكا الإلكترونية والروبوتات والأتمتة، وإن العمل في مجالات تكنولوجية غير مستكشفة، مثل المواد المطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد، يتيح مزايا تنافسية كبيرةلبرنامج التكنولوجيا الإحلالية، وهذا النهج الرائد من شأنه إعادة تعريف المعايير في صناعات الإلكترونيات والطاقة، إضافةً إلى فتح أبوابٍ جديدة للملكية الفكرية وإتاحة المزيد من الفرص التنافسية مستقبلًا".
الاتجاهات المستقبلية والأهداف الاستراتيجية
واستشرافًا للمستقبل، يواصل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التزامه بتطوير مبادراته في مجال البحث والابتكار، وستركز المرحلة القادمة من برنامج التكنولوجيا الإحلالية على استثمار تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي واستكشاف تطبيقاتها في مختلف الصناعات، وتشمل التطبيقات المحتملة اكتشاف المواد، حيث يمكن للتصنيع الدقيق على المستوى الجزيئي أن يحدث ثورة في إنتاج الأجهزة الجديدة.
ومن خلال الابتكار الاستراتيجي والإدارة الحكيمة للملكية الفكرية والشراكات العالمية، فإن المعهد في طور تحقيق إنجازاتٍ هامة تَعِد بإعادة تشكيل مستقبل التكنولوجيا والمساهمة في بناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة.
** الدكتور هشام حمودي عالم أول في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة.
** تنشر إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة هذا المقال بالنيابة عن مؤلفه، والأفكار والآراء الواردة فيه تعبر عنه ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.