تظهر الأبحاث التي أجرتها منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 60٪ من مستخدمي التبغ في العالم يرغبون في الإقلاع عن التدخين ولكن 30٪ فقط منهم تتاح لهم إمكانية الوصول إلى المستشارين والأدوات اللازمة للقيام بذلك. ويسلط اليوم العالمي للامتناع عن التدخين الذي يصادف تاريخ 31 مايو وحملته "الالتزام بالإقلاع عن التدخين" الضوء على مظاهر كفاحهم ويطرح السؤال المهم التالي: هل يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تحقيق ذلك الهدف؟
في هذا الحوار، يناقش كل من الدكتور ريان علي، الأستاذ في قسم تكنولوجيا المعلومات والحوسبة بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، والدكتورة دينا آل ثاني، الأستاذ المساعد في نفس القسم، الحلول المدعومة بالتكنولوجيا التي يطورونها والتي يمكن أن تعزز التغيير السلوكي الإيجابي، ولماذا يدعون إلى تبني نهج شامل وينظر بعين الاعتبار إلى الاعتبارات الثقافية عند تصميم التكنولوجيا.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز سلوكيات معينة تدعم الإقلاع عن التدخين وتحوله إلى عادة تدوم مدى الحياة؟
الدكتور ريان علي: تعتمد الأساليب الحالية للإقلاع عن التدخين على تقنيات مثل تحديد الهدف والحد من الأوضاع التي تشجع على التدخين، والمقابلات التحفيزية، والعلاج السلوكي المعرفي، وهو ما يتطلب وجود مستشار متمرس، فضلاً عن تعاون المدخن والتزامه. ومع ذلك، قد يعاني الناس من انتكاسة أو ربما يواجهون "تعافيًا مفاجئًا"، أي الاعتقاد مبكرًا بتحقيق هدف اتباع السلوكيات الصحية، خلال رحلة التعافي من السلوكيات التي تسبب الإدمان. ويساهم تبسيط الأمور والتهوين منها والإنكار في الفشل في التعرف على السلوكيات المسببة للمشاكل ومكافحتها.
وتكمن قوة التكنولوجيا في جمع بيانات السلوكيات الموضوعية التي يمكن أن تجعل عملية التعافي والإقلاع عن التدخين أكثر قابلية للتتبع والإدارة. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يحدث ذلك عبر أجهزة استشعار متصلة بولاعة أو سيجارة إلكترونية، لجمع بيانات حول وقت التدخين وموقعه وكميته. وباستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن معالجة البيانات نفسها لتصور سلوك المدخن، بما في ذلك كيفية ارتباط التدخين بالإشارات البيولوجية والروتين اليومي، عبر رصد التدخين في أوقات وأماكن معينة. ويُعدُ هذا الوعي السلوكي خطوة أساسية في عملية التعافي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالوقت الذي من المحتمل أن يدخن فيه الشخص بناءً على سلوكه السابق وكيفية تصرف مدخنين آخرين مشابهين في خطة التعافي. ويمكن أن يوصي كذلك باتباع استراتيجيات لإدارة الرغبة الشديدة والأنشطة البديلة بناءً على اهتمامات المستخدم والإطار الاجتماعي.
لقد أثبت التصميم التكنولوجي المتخصص والأساليب التفاعلية الجديدة في نقل المعلومات وتقديمها للأفراد نجاحًا في تعزيز أنماط الحياة المفعمة بالنشاط باستخدام الساعات الذكية مثل ساعة Fitbit. ويمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم وتقديم رسائل متخصصة مع مراعاة السياق في الوقت المناسب. ويمكن أن يأخذ محتوى الرسالة وتأطيرها في الاعتبار الشخصية والثقافة وعوامل نفسية واجتماعية أخرى. وباستخدام التكنولوجيا، يمكن للمستخدمين تصور رحلة التعافي من خلال واجهات تفاعلية وربما باعتبارها لعبة، مع وضع أهداف ومكافآت مرتبطة بالتنفس والنوم وحالة البشرة وحاسة الشم ومخاطر الإصابة بالسرطان. ويمكن للمستخدمين التعرف على نمط حياتهم دون تدخين من خلال المحاكاة والرسوم البيانية واللوحات المصورة التفاعلية.
يُرجى إخبارنا عن أدوات البحث والذكاء الاصطناعي المبتكرة التي تطورها مجموعة التكنولوجيا و السلوك البحثية في كلية العلوم والهندسة.
الدكتورة دينا آل ثاني: نحن نبحث عن طرق مبتكرة لجمع البيانات السلوكية وفهمها لاستخلاص استنتاجات حول الحالة الاجتماعية والعاطفية والفسيولوجية للمستخدمين. وتتضمن هذه البيانات المعلومات التي يبلغها الأشخاص عن أنفسهم وعن أقرانهم في العلاج الجماعي والإعدادات المتعلقة بمجموعة الأقران، والإجراءات عبر الإنترنت، والتطبيقات المستخدمة، ومتى يتم فحص هؤلاء الأشخاص. وتتضمن البيانات الأكثر تقدمًا الأنشطة البدنية والإشارات الحيوية التي تُجمع من خلال أجهزة الاستشعار الموجودة في الساعات والهواتف الذكية والتطبيقات الصحية. ويمكن أن تساعد هذه البيانات في تكييف الواجهات والمحتوى والتوصيات الأكثر ملاءمة للغرض والسياق والاحتياجات المتنوعة. ولبحثنا فروع مختلفة في هذا المجال الواسع، حيث يركز الفرع الأول على التحليلات السلوكية، أي معالجة البيانات لاستنتاج حالة المستخدم والسياق. ويركز الفرع الثاني، الذي يستخدم هذه الحالة والسياق لتصميم تقنيات مقنعة، على تغيير سلوك المستخدم والحفاظ عليه، مثل الالتزام بالإقلاع عن التدخين وممارسة الأنشطة البدنية. وثالثًا، فإننا ندرس الارتباط الإشكالي بالتكنولوجيا نفسها ونطلق عليه بشكل غير رسمي اسم "الإدمان الرقمي"، وندرس كيفية تصميم تكنولوجيا خالية من الإدمان وتمكين المستخدمين من تقليل حجم المشكلة. ويتميز بحثنا وفريقنا بأنه متعدد التخصصات، وتتواجد التكنولوجيا المقنعة والذكاء الاصطناعي في جميع الفروع. ونحن نحتاج إلى الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات والتنبؤ بالحالات، كما نحتاج لتهيئة تقنيات الإقناع وتخصيصها وجعلها أكثر شمولاً. وندرس كذلك الذكاء الاصطناعي القابل للتفسير، حيث نفسر كيف يمكن للتصميمات الرقمية المحددة والتفاعلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تغير قرارات الأشخاص. ونهدف إلى تعزيز مرونة المستخدمين إلى أقصى حد في مواجهة عمليات التلاعب عبر الإنترنت وجعل قراراتهم أكثر استنارة.
هل هذه المنتجات متاحة بالفعل للمستهلكين؟
الدكتور ريان علي: نحن نقدم الاستشارات للشركات والهيئات التنظيمية في قطر وعلى الصعيد الدولي، وقد أتيحت لنا الفرصة لعرض النماذج الأولية التي نطورها، مع تقديم أدلة لإثبات جدوى الفكرة، على العديد من المنصات الوطنية والدولية. فعلى سبيل المثال، ساهمنا في تطوير مجموعة من التطبيقات الصناعية التي تهدف إلى مساعدة مرضى السكري وإقناعهم بالالتزام بنمط حياة وخطط معينة. وفعلنا الشيء نفسه مع التطبيقات الأخرى التي تهدف إلى مساعدة المستخدمين على تقليل استخدامهم للألعاب عبر الإنترنت والهواتف الذكية عند اعتبارها مشكلة.
كيف تساهم الأهداف البحثية للمجموعة على نطاق واسع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة المتمثلة في تعزيز الصحة والرفاهية وتوفير التعليم عالي الجودة؟
الدكتورة دينا آل ثاني: نظرًا لأننا نعتبر اهتمام الإنسان ومواقفه وسلوكه من الموارد النادرة، فإننا نقدم تصميمات وأساليب تصميم للتكنولوجيا التي تساعد المستخدمين على تركيز انتباههم على النحو الأمثل، وتقليل التشتت وتحسين جودة التفاعل عبر الإنترنت. ونحن نستخدم تكنولوجيا الإقناع المدعومة بالبرمجيات لمساعدة الأشخاص على تحقيق عادات نمط حياة صحية والتعافي من العادات التي تسبب المشاكل. ورغم أن معظم الممارسات في تصميم التكنولوجيا تكون مدفوعة بالاحتياجات الصناعية، مثل زيادة الإنتاجية، فإن المتطلبات التي تتمحور حول الإنسان المتعلقة بالصحة النفسية وجودة الوقت والرفاهية من الأمور الأساسية لأساليبنا. ونحن نبحث أيضًا في مفهوم الرفاهية الرقمية، وهو التأكد من أن التكنولوجيا تساعدنا على الاستمتاع بأوقات رائعة، وتعزيز السلامة والارتباط والاستقلالية والشعور بالسيطرة والحد من المشاعر السلبية.
ما هي آفاق المستقبل وهل تتوقع ظهور أي تطبيقات جديدة أو متوسعة في المستقبل؟
الدكتور ريان علي: نحن نبحث وندعو إلى نموذج جديد لتطوير التكنولوجيا بحيث تتجاوز الشمولية القدرة على تلبية التنوع في المتطلبات من البرامج والقدرات المادية والمعرفية للمستخدمين. ونتطلع إلى تطوير تكنولوجيا تعاطفية تشمل أيضًا تنوع الأشخاص في حالتهم الاجتماعية والعاطفية، سواء كانت مؤقتة، أو في حالة مزاجية سيئة، أو مرتبطة بالسمات لكونها أكثر عرضة لضغط الأقران وتفتقر إلى احترام الذات. ونرى أن هذه التكنولوجيا ستكون خطوة تالية للتصميم الشامل. ونحن نبحث أيضًا عن تصميم تكنولوجيا أكثر شفافية تكون واضحةً لمستخدمها من حيث التأثير الأساسي والإقناع وتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة. ويتمثل هدفنا في زيادة الشمولية والشفافية والانفتاح على المستخدمين في التصاميم المستقبلية للتكنولوجيا.
الدكتورة دينا آل ثاني: بشكلٍ عام، غالبًا ما تكون تصميمات التكنولوجيا الواقعية غير حساسة للتنوع في الأعراف الاجتماعية وأنظمة القيم والثقافات المحلية. والأبحات التي تُجرى حول تصميم التكنولوجيا والتكيف مع منطقتنا من العالم نادرة جدًا ونادرًا ما يُنظر بعين الاعتبار إلى الثقافة العربية في تنوعها وتاريخها وثرائها. وغالبًا ما نلاحظ مظاهر التعارض مع الثقافة عند تصميم وسائل التواصل الاجتماعي الشعبية. ونحن، في كلية العلوم والهندسة، نعتقد أن التصميم الشامل الذي ينظر بعين الاعتبار إلى الأمور الثقافية يمكن أن يغير قواعد اللعبة ويؤدي إلى تطوير تصميمات أكثر صحة وفعالية، وفي المقام الأول عندما تسهل التكنولوجيا عملية التفاعل البشري، سواء داخل مؤسسة أو في سياق اجتماعي أقل اتسامًا بالطابع الرسمي.