أسئلة وأجوبة سلاسل الإمدادات والأنظمة اللوجيستية لدولة قطر: ثقة راسخة رغم انتشار فيروس كورونا
الدكتور فرانك هيمبل، كلية العلوم والهندسة بجامعة حمد بن خليفة
نوَّعت دولة قطر من سلاسل إمداداتها العالمية منذ بدء الحصار الجائر المفروض عليها في عام 2017. هل ساهم هذا الأمر في تمكين البلاد من التكيف مع الوضع الحالي لفيروس كورونا بشكلٍ أفضل؟
ساهمت الجهود التي بذلتها دولة قطر لمواجهة آثار الحصار المفروض عليها منذ عام 2017 في إعداد البلاد بشكل جيد جدًا للتعامل مع فيروس كورونا، رغم أنه يتعين علينا أن نرى أن تلك الأزمة الدبلوماسية والوضع الراهن لفيروس كورونا لهما سياقات مختلفة تمامًا. فقد كان الحصار يستهدف عزل قطر "من الخارج" وفصلها بقوة عن جيرانها، في حين يمكننا أن نرى أن الدول تختار عزل نفسها "من الداخل" في الوضع الراهن؛ للحد من انتشار فيروس كورونا وحماية سكانها على الصعيد العالمي.
ولكن آثار هذَّين الحدثين متشابهة، لا سيَّما من منظور الخدمات اللوجيستية وسلاسل الإمدادات. وقد تعاملت قطر مع ظروف الحصار بشكلٍ جيدٍ للغاية، وهو ما ساهم في تعزيز الأمن اللوجيستي والغذائي لدولة قطر في الوقت الراهن، حيث بات لدى البلاد الآن قاعدة إمدادات أكثر تنوعًا، قياسًا بتلك التي كانت موجودة منذ ثلاث سنوات. ففي حين كانت أربع دول فقط تستأثر بأكثر من 90% من واردات دولة قطر من الحليب ومنتجات الألبان قبل شهر يونيو 2017، بات هناك الآن أكثر من 24 دولة تشكل قاعدة الإمدادات. وفيما يتعلق بمنتجات الألبان، حققت دولة قطر الاكتفاء الذاتي، وبدأت في تصدير منتجاتها المحلية إلى الخارج. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت دولة قطر أقل اعتمادًا الآن على أي دولة بعينها لتأمين إمداداتها من السلع الأساسية. ففي حين كان يمكن لدولة واحدة أن تكون المصدر الرئيسي لأكثر من 30% من وارداتها من السلع الأساسية في سنوات ما قبل الحصار، أصبحت أحجام الواردات تُدار اليوم على نحوٍ استراتيجي، لضمان بقاء معدل الاعتماد على دولة مورِّدة واحدة أقل دائمًا من 30%. ولم يعد الاعتماد على مصدر واحد لتأمين الواردات خيارًا مقبولًا، وهو ما يخفف بشكلٍ فعالٍ من المخاطر المتعلقة بتأمين سلاسل الإمدادات ويقلل من التبعية. ثالثًا، بات هناك فائض أكبر في الإمدادات بالنسبة لبضائع معينة. فعلى سبيل المثال، إذا حدث نقص في الإمدادات من لحوم الأبقار الأسترالية، تؤمِّن دولة قطر الإمدادات من مصادر أوروبية والعكس صحيح. وقد ساهمت تلك الاستراتيجيات المتعلقة بتنويع مصادر الإمدادات بشكلٍ كبيرٍ في تقليل المخاطر الإجمالية المرتبطة بسلاسل الإمدادات الخاصة بدولة قطر.
هل لا يزال من الممكن أن نتعرض لحالات نقص في الإمدادات الغذائية أو الطبية أو إمدادات السلع الأساسية الأخرى مع انتشار فيروس كورونا؟
في عالم العولمة، من المستحيل تقريبًا لأي دولة أن تعيش بمعزل عن الدول الأخرى. وتتمثل المشكلة التي تواجه العالم الآن، مع انتشار فيروس كورونا، في الارتفاع الكبير لأعداد الأشخاص المصابين بالفيروس. وفي ظل هذا الارتفاع المتسارع، قد يستغرق الأمر وقتًا للتعرف على المشكلة، وجمع المعلومات، والتحقق منها، وإعادة تقييمها، قبل أن يصبح من الممكن التصرف بالشكل الأمثل. هذه هي الطبيعة البشرية، ولكن تلك الحقيقة تساهم في إبطاء عملية اتخاذ القرار، مع ما قد يترتب عليها من تبعات وتكاليف كبيرة للتأخير في هذا الصدد. وفي ظل الانتشار السريع للفيروس، يمكن أن نشهد الآلاف من الأمراض المعدية الأخرى مع كل يوم تأخير إضافي يسبق عملية اتخاذ القرار. ونتيجة لذلك، فقد يتعين أن تكون التدابير الضرورية مختلفةً في كل مرة.
وفيما يتعلق بكل ما سبق ذكره، تتمتع دولة قطر بوضع متميز جدًا بفضل تعاملها المبكر مع هذا الوباء بطريقة مسؤولة للغاية. وقد اتخذت قطر خطوات جريئة ليس فقط لاحتواء انتشار الفيروس، بل إنها عززت تمامًا من سلامة سلاسل إمداداتها، وأمن أنظمتها اللوجيستية، لضمان التوريد اليومي غير المتقطع لجميع السلع الحيوية.
وكانت دولة قطر قد دشَّنت المخازن الاستراتيجية للأمن الغذائي بمنطقة أم الحول في عام 2017. ويشتمل هذا المشروع، التابع لميناء حمد البحري، الذي أُنشئ بالشراكة مع هيئات صناعية رائدة من ألمانيا وإيطاليا وسويسرا، على مرافق للتخزين، وصوامع، ومستودعات، ومرافق لمعالجة وتصنيع وتنقية الأرز، والسكر، وزيوت الطعام. وأنشأت قطر كذلك مرافق تخزين لـ 22 نوعًا محددًا من الموارد الغذائية وغير الغذائية بهدف ضمان توافرها لمدة تتراوح ما بين ستة شهور على الأقل وحتى عدة سنوات. وإجمالًا، يمكن القول إن الإمدادات الغذائية والطبية وغيرها من الإمدادات الأساسية آمنة خلال المستقبل المنظور. وتراقب الدولة كذلك جودة هذه المنتجات وأسعارها، وهو ما يساهم في مكافحة ارتفاع الأسعار والممارسات الاحتكارية.
ما هي التعديلات التي فرضها انتشار فيروس كورونا على استراتيجيات دولة قطر لتخفيف المخاطر المرتبطة بسلاسل الإمدادات، إن وجدت؟
ذكر البنك الدولي أن الواردات الغذائية لدولة قطر، قياسًا بنسبتها ضمن إجمالي واردات البلاد من البضائع، كانت أقل نسبيًا من واردات الدول الأخرى في المنطقة. وتمتلك قطر قدرات إنتاجية خاصة قادرة على تأمين الإمدادات الضرورية، مع تطبيقها لسياسات، وإجراءات، وتقنيات متخصصة لضمان سلامة سلاسل إمداداتها. وقد وفر القطاع الزراعي في دولة قطر العديد من السلع والخدمات للسوق المحلية. واليوم، تجاوزت البلاد مرحلة الاكتفاء الذاتي في الحليب ومنتجات الألبان والدواجن. وتساهم جميع هذه الأمور في توفير مناخ محلي مواتٍ يعزز من مكانة قطر. بالإضافة إلى القدرات التخزينية المذهلة لدولة قطر على الصعيد العالمي، فقد أنشأت البلاد كذلك طرقًا بحريةً متنوعة، وعززت من قدراتها في مجال الشحن الجوي، للاستمرار في ربط قطر بالأسواق العالمية. وفي الواقع، لا يبدو أن فيروس كورونا قد أجبر البلاد على إجراء أي تعديلات على استراتيجياتها حتى الآن.
ما هي المشاكل اللوجيستية التي يمكن أن تحدث بسبب وضع وبائي مثل الوضع الذي نشهده الآن؟ وما هي القدرات الموجودة لدى دولة قطر للتعامل مع هذه التحديات؟
تدفقات سلاسل الإمدادات في قطر مستقرة، ولكن الأمر لا يتعلق بتأثر البلاد بفيروس كورونا فحسب، حيث تشهد البُنى التحتية اللوجيستية الكبرى مثل الموانئ البحرية والمطارات حول العالم انخفاضات حادة في الكميات التي تتداولها وتعالجها. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى حالات ازدحام وعدم توافر للمعدات، وهو ما قد يعيق بالتالي عملية النقل من دول المنشأ التي قد تتوقف إذا تطلب الأمر وضع العمال هناك في الحجر الصحي. ومع النظر إلى جميع هذه الأمور بعين الاعتبار، يفرض فيروس كورونا لهذا السبب الكثير من التحديات اللوجيستية. وفي هذا السياق، تتمتع دولة قطر بوضعٍ متميزٍ كذلك، حيث تمتلك البلاد قدرات فائقة في مجال الشحن الجوي، مع تمتع شركة الخطوط الجوية القطرية للشحن بمكانة رائدة على الصعيد العالمي. وهناك دائمًا خيارًا وإمكانية لتحويل الاهتمام من حركة المرور البحرية إلى التركيز على الاستفادة من قدرات الشحن الجوي، والعكس صحيح، إذا ما اقتضت الحاجة ذلك.
في ضوء انتشار فيروس كورونا، ما هي الدروس التي يمكن تعلمها لجعل سلاسل الإمدادات أكثر أمانًا وتأهبًا لمواجهة التحدي الصحي العالمي المقبل؟
سيكون من الضروري جدًا تحقيق المزيد من التقدم في تعزيز القدرات والرؤية الاستراتيجية فيما يتعلق بأنظمة التحذير المبكر. وفي هذا السياق، تبرز أهمية وضع أنظمة متقدمة للتنبؤ والنمذجة من أجل ضمان توافر إمدادات غير متقطعة وتخزين "ذكي" للمواد والسلع الأساسية بالنسبة لجميع الدول. وبالتركيز على دولة قطر، فقد أظهرت البلاد نقاط قوة رائعة في التعامل مع الوباء الحالي. وفي الحقيقة، يمكن لمواطني دولة قطر وسكانها أن يثقوا في قدرتهم على العيش في قطر خلال تلك الفترات الاستثنائية.