الإنسان الطريق متعدد الأوجه لتعافي مرضى كوفيد-19 من الفيروس
الدكتور أيمن الحاج زين
في وقت كتابة هذه المقالة، كان أكثر من مليون شخص في جميع أنحاء العالم قد تعافوا من إصابتهم بفيروس كوفيد-19. وتشير إحصائيات أخرى إلى أن حوالي 85٪ من المرضى الذين يعانون من أعراض خفيفة يتعافون في غضون أسبوعين، ودون الحاجة إلى دخول المستشفى. ومع ذلك، لا توجد مسيرتان متشابهتان تمامًا للاسترداد الكامل للصحة، لا سيَّما عندما يتعلق الأمر بالأشخاص الذين يحتاجون للأسف إلى علاج مكثف لفيروس كورونا المستجد.
وتشير التقارير السريرية القادمة من الصين وإيطاليا إلى أن 50٪ من المرضى الذين أُدخلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم بفيروس كوفيد-19 لا يحتاجون إلى أي إجراء آخر عند التعافي، بينما يحتاج 45٪ منهم إلى تدخل طبي أو اجتماعي منخفض المستوى، مع احتياج 5٪ إلى إعادة تأهيل أكثر تركيزًا. وبشكلٍ عامٍ، كلما طالت الفترة التي يعاني فيها الفرد من أعراض الفيروس، استغرقت فترة التعافي وقتًا أطول.
ويُعتبر مرضى كوفيد-19 الذين يعانون من الالتهاب الرئوي الحاد، والمرضى الذين قضوا بعض الوقت في وحدات العناية المركزة من الأمثلة الواضحة في هذا الصدد. وتُظهر الأدلة السريرية أن هذه العدوى تتطور في بعض الأحيان إلى متلازمة ضيق التنفس الحادة، حيث تمتلئ الأكياس الهوائية للرئتين بالسوائل. وعلاوة على ذلك، رغم تعافي الغالبية العظمى من المرضى، يصاب البعض بتليف الرئة وتندبها، وهو ما يؤدي إلى حدوث مشاكل في التنفس على المدى البعيد. وعند الخروج من المستشفى، يُنصح المرضى بالامتناع عن ممارسة التمارين الشاقة بسبب الضرر الذي لحق برئتيهم وعضلاتهم التنفسية. وفي إطار عملية تعافيهم، يشجع الأطباء مرضى الالتهاب الرئوي على أداء تمارين التنفس، وينصحونهم بالتوقف عن التدخين.
وتُقدم كلتا الحالتين لمحة عن شكل رحلة استعادة المرضى، الذين يعانون من أسوأ آثار فيروس كوفيد-19، لصحتهم بالكامل. وعادةً ما تبدأ عملية إعادة التأهيل في المستشفى، حيث تركز على الحدّ من الفقدان السريع للوزن، والضعف اللاحق الناجم عن هزال العضلات مع دخول الجسم في أزمة بفعل نقص التهوية. وفي معظم الحالات، يُقاس التعافي بمدته التي قد تستمر لعدة أشهر، ويتخلله نوبات من التعب، وضيق التنفس، وتراجع النشاط.
وفي الوقت الحالي، لا توجد بيانات سريرية تُظهر حالة التعافي على المدى البعيد من فيروس كوفيد-19. وإلى أن يتوصل الأطباء إلى هذه البيانات، يمكن استخدام الدراسات السابقة المتعلقة بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم المرتبطة بالفيروس التاجي (SARS-CoV) لأغراض المقارنة. وتشير هذه الدراسات إلى أنه على الرغم من استعادة المرضى للوظائف الطبيعية للرئة في غضون عام واحد، إلا أن قدرتهم على ممارسة الرياضة ظلت أقل من عامة السكان، وهو أمر يمكن أن يُعزى إلى أسباب غير تنفسية مثل ضعف تكيف العضلات. ووفقًا لذلك، يمكننا استنتاج أن المرضى الذين يتعافون من الحالات الشديدة من الإصابة بفيروس كوفيد-19 يحتاجون إلى متابعة برامج تمارين وعلاج طبيعي متدرجة.
وعندما يتعلق الأمر بالدعم الغذائي، لا يُوجد نظام غذائي معين يُنصَّح مرضى كوفيد-19 باتباعه. وللمساعدة على التعافي، يجب على الأفراد مع ذلك التأكد من تناولهم لخمس حبات من الفاكهة والخضراوات على الأقل يوميًا، مع زيادة معدل تناولهم للبروتين لتحسين صحتهم ورفاهتهم، وتعزيز خصائص شفاء الجسم. ويوفر البروتين مصادر قيّمة لإصلاح العضلات التي تضعفها أعراض كوفيد-19 أو فترات التهوية القسرية.
وقد خضع بعض مرضى كوفيد-19 للعلاج بتناول جرعات عالية من فيتامين "سي" في الوريد، على أمل تسريع وتيرة الشفاء، رغم عدم وجود أدلة علمية مقنعة على فعالية هذا الإجراء. ومع ذلك، يتسق القيام بذلك مع الدراسات البحثية السابقة عن فوائد مكملات فيتامين سي لعلاج التهابات الجهاز التنفسي الحادة. ويمتد هذا أيضًا إلى نقص فيتامين سي الناجم عن الإسقربوط، وهو مرض غالبًا ما يترك المرضى عرضة للالتهاب الرئوي.
وقد شرع زهي يونغ بنغ، أستاذ طب الرعاية الحرجة بمستشفى زهونغنان الصيني، في إجراء دراسة سريرية عشوائية مناسبة لتحديد ما إذا كانت الجرعات العالية من فيتامين سي مفيدة لعلاج حالات الإصابة الشديدة بفيروس كوفيد-19. ومن المتوقع نشر نتائج هذه الدراسة في شهر سبتمبر من العام الحالي.
ويوفر تفشي فيروس (SARS-CoV) كذلك رؤية ثاقبة حول مشاكل الصحة النفسية التي من المحتمل أن تصيب مرضى كوفيد-19. وتشير الأبحاث السابقة إلى أن ثلثي المرضى المصابين بالفيروس كانوا قد عانوا من أعراض الاكتئاب، والقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، في العام التالي لشفائهم من الإصابة بهذا الفيروس. وعندما يتعلق الأمر بفيروس كوفيد-19، يُعتقد أن المرضى الذين قضوا فترات طويلة على أجهزة التهوية الميكانيكية يكونون عرضةً للهذيان والاضطرابات النفسية الأخرى. وحدد الأطباء المتخصصون الإصابة العصبية، والاستخدام المفرط للبنزوديازيبينات، والمهدئات الأخرى لقمع السعال أثناء التهوية، باعتبارها محفزات محتملة للإصابة بتلك الاضطرابات.
وبناءً على ذلك، ستكون ضرورة الاستفادة من خدمات الصحة النفسية سمة أساسية للعديد من المرضى الذين يتعافون من فيروس كوفيد-19. وتشتمل خيارات العلاج على تناول الأدوية، والعلاج الإدراكي، بالإضافة إلى تقنيات الهاتف المحمول. وتشتمل تلك التطبيقات على تطبيقٍ اختبرته البروفيسور كاثرين هوغ، طبيبة الرعاية الرئوية الحرجة وزملاؤها في جامعة واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية. وسيُقدم هذا التطبيق، بمجرد تشغيله، نصائح لمرضى كوفيد-19 حول التركيز الذهني، ومهارات التكيف الحياتية الأخرى بعد مغادرة المستشفى.
ومن المرجح أن تكون رحلة المريض المصاب بفيروس كوفيد-19 من العلاج إلى الشفاء التام طويلة ومتعددة الأوجه. وتنطبق نفس القاعدة كذلك على العلاج الذي تقدمه مؤسسات الخدمات الصحية، حيث يركز مقدمو الرعاية الصحية في العادة على أفضل طريقة لعلاج المرضى في مرحلة ما بعد الشفاء من الأعراض الحادة والخروج من المستشفى. ويشتمل "مزيج" العلاج المثالي لمرضى كوفيد-19، الذين يواصلون مرحلة تعافيهم في المنزل، على إعادة تأهيل الجهاز التنفسي، والعلاج الطبيعي، والاستشارات الغذائية، بالإضافة إلى دعم الصحة النفسية أثناء استعادتهم للصحة البدنية.
يشغل الدكتور أيمن الحاج زين منصب أستاذ مساعد بكلية العلوم الصحية والحيوية في جامعة حمد بن خليفة.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.