الإنسان كيف نستأنف البطولات الرياضية بأمان في ظل انتشار فيروس كوفيد-19؟
الدكتورة كاميلا سوارت والدكتور طارق الأنصاري*
ألحق انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) آثارًا بالغةً على الأحداث الرياضية والترفيهية في جميع أنحاء العالم، حيث عُلِّقت البطولات الكبرى أو أُجِّلت إلى أجل غير مسمى، وأُلغيت في بعض الحالات. ولكن مع تسطيح بعض الدول لمنحنى الإصابة بالفيروس، تدارست الهيئات والأطراف المعنية أفضل الطرق الممكنة لاستئناف البطولات الرياضية والفعاليات الترفيهية، واتفقت الآراء على أن هذه المنافسات يجب أن تُلعب خلف أبواب مغلقة. ومع ذلك، هناك العديد من التحديات اللوجستية والعملية والتنظيمية التي يمكن أن تعترض هذا التوجه.
وقد أمعن خبراء من برنامج ماجستير العلوم في إدارة الأنشطة الرياضية والفعاليات، بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، التفكير في الطريقة المثلى لاستئناف البطولات الرياضية المحلية من حيث التنظيم، والاعتبارات اللوجستية، وحضور المشجعين، وجميع الجوانب الأخرى ذات الصلة، بطريقة تضمن صحة وسلامة جميع الأطراف المعنية.
ومن الواضح جدًا أن جائحة كوفيد-19 قد تركت تأثيرًا واسع النطاق على مستوى العالم، ويظهر هذا التأثير جليًا في قطاع الرياضة والفعاليات الرياضية على وجه الخصوص. وفي محاولة للحد من انتشار الفيروس، والتوافق مع تدابير التباعد الاجتماعي، شهدنا إلغاء أو تأجيل أو إعادة جدولة الفعاليات الرياضية الكبرى في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بطولة ويمبلدون المفتوحة للتنس، وبطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم (يورو 2020)، وطواف فرنسا الدولي للدراجات، وسباقات الجائزة الكبرى للفورميلا 1، وأولمبياد طوكيو 2020، على سبيل المثال لا الحصر.
ونظرًا للأهمية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية للرياضة في مجتمعاتنا، تكافح الحكومات والأطراف المعنية لمواجهة التحديات التي قد تعترض التوجه الرامي لاستئناف الأنشطة الرياضية حتى على المستوى المحلي. وحيث أن الفعاليات الرياضية تجمع ما بين مجموعات كبيرة من الناس، والرياضيين، والمسؤولين، والجماهير، ووسائل الإعلام، ومنظمي هذه الفعاليات، ومؤسسات التوريد ذات الصلة في هذا العالم الذي يزداد ترابطًا بشكل مستمر، يتمثل التحدي الأساسي لاستئناف هذه الفعاليات في ضرورة التخفيف من خطر انتشار الفيروس في الملاعب الرياضية.
وقد شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة الماضية عودة بعض البطولات الرياضية، حيث اقتصرت المشاركة في سباق ماراثون طوكيو على 200 عداء من عدائي النخبة، بعد أن كان السباق قد اجتذب 300 ألف مشارك خلال العام الماضي. وبدأت منافسات دوري البيسبول الكوري الجنوبي بدون مشجعين، وعادت أندية كرة القدم في أوروبا إلى التدريب الفردي أو في مجموعات صغيرة، واستؤنف الدوري الألماني أيضًا بدون مشجعين.
ومن أجل استئناف الفعاليات الرياضة على نطاقٍ أوسع، تبرز الحاجة لوضع أطر عمل وطنية تهتدي بآراء مسؤولي الصحة العامة، بالتشاور مع الجهات المعنية في قطاع الرياضة لتسهيل العودة الآمنة للأنشطة الرياضية. وقد جرى التشديد على أهمية تقييم مخاطر الأحداث الرياضية بما يتماشى مع توصيات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بالتجمعات الجماهيرية.
ويُنصح كذلك بأن يكون لدى المؤسسات أو الأندية الرياضية مسؤولٌ محدد يتولى المسؤولية عن تقييم مخاطر فيروس كوفيد-19، وأن تشتمل وظائف هذا الشخص على الاضطلاع بالمسؤولية عن فحص أعضاء الفريق والمسؤولين باستمرار لتجنب انتشار الفيروس، لا سيّما من حاملي الفيروس عديمي الأعراض.
وفي إطار هذا الرصد والتقييم، يجب اتخاذ القرارات بشكلٍ متكررٍ حول ما إذا كان ينبغي المضي قدمًا لاستئناف الفعالية الرياضية من عدمه، وإن حدث ذلك، فما هي التدابير التي يجب تطبيقها، واستراتيجيات الحد من المخاطر والتواصل مع الجمهور.
بالنسبة لإدارة الفريق، قد يعني ذلك توعية الرياضيين بالمخاطر، وتقييم التزام مقرات وأماكن التدريب بتدابير التباعد الاجتماعي. وقد يتعرض بعض الرياضيين لخطر أكبر، مثل الرياضيين من متحديي الإعاقة، وقد يحتاجون إلى تطبيق اعتبارات خاصة. ومن المهم أيضًا أن تكون فرق الدعم الطبي على دراية ببروتوكولات التعامل مع حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19، وضمان إجراء الفحوصات المستمرة، واتباع تدابير تتبع المخالطة عند الضرورة، بالاشتراك مع مسؤولي الصحة العامة.
ويجب أن تستجيب المؤسسات والأندية الرياضية أيضًا لتقلبات الأوضاع في مجتمعها المحلي، وقد تحتاج إلى تكييف استراتيجيات استئناف البطولات الرياضية التي ينصح بها مسؤولو الصحة العامة.
بالمثل، يجب التفكير في وضع خطط للطوارئ في حالة اندلاع موجة ثانية من العدوى. ويتعين مراعاة نوع الرياضة، أي الرياضات الجماعية في مقابل الرياضات الفردية، والرياضات التي تتطلب احتكاك اللاعبين في مقابل الرياضات التي لا تتطلب هذا الاحتكاك، وما إذا كانت المنافسات الرياضية تجري في قاعات مغطاة أو في ملاعب مفتوحة، بالإضافة إلى مراعاة عمر المشاركين.
وفيما يتعلق بمنافسات الناشئين، يجب إيلاء اهتمام خاص لتدابير التباعد الاجتماعي للآباء، وربما حتى تقليل أو تقييد حضورهم. ويوصى باتباع نهج تدريجي، من التدريب الفردي إلى التدريب في مجموعات صغيرة، ثم التدريب في مجموعات أكبر، بالإضافة إلى التدرج في ممارسة التمارين التي لا تتطلب احتكاك اللاعبين إلى التمارين التي تستدعي ذلك. ويجب توخي الحذر بخصوص المشاركة في التدريب على المعدات الرياضية، ويجب الالتزام بتدابير النظافة الصارمة.
وحتى في ظل عدم حضور المشجعين لمتابعة الفعاليات الرياضية، لا تزال هذه الفعاليات تواجه تحديات لوجستية، وخصوصًا فيما يتعلق بالقيود المفروضة على السفر. فعلى سبيل المثال، يُطلب من المسافرين الدوليين القادمين إلى المملكة المتحدة عزل أنفسهم لمدة 14 يومًا. ومع تأكيد تنظيم البلاد لفعاليتين رياضيتين خلال الموسم المقبل، لا يزال منظمو سباقات الفورميلا 1 يحاولون الحصول على استثناء من التقيد بهذا القرار، حيث تتواجد سبعة من الفرق العشرة المشاركة في السباق بالمملكة المتحدة، وهو ما سيشكل كابوسًا لوجيستيًا ليس فقط لطواقم الفرق المسافرة، بل أيضًا للسيارات التي يتعين عليها العودة إلى المصانع للخضوع للصيانة اللازمة في حالة تعرضها لحوادث.
وفيما يتعلق بجميع المنافسات الرياضية، يعني عدم حضور المشجعين لمشاهدة المباريات في الملاعب خسارة إيرادات المباريات من مبيعات التذاكر وخدمات الضيافة. ومع ذلك، فإن أكبر خسارة يمكن أن تتعرض لها البطولات والأندية هي حقوق البث التلفزيوني، وهو عامل يدعم الحاجة إلى إجراء المباريات والفعاليات الرياضية خلف الأبواب المغلقة للحفاظ على الدخل المرتبط بها. وبدون الدخل الناتج عن مبيعات الحقوق الإعلامية، لن تتمكن روابط الدوريات الرياضية من توزيع الأموال على الأندية، وهو ما سيؤدي إلى تعرض تلك الأندية لخسائر مادية واقتصادية فادحة.
وحيث أن فيروس كوفيد-19 يُعتبر قوة قاهرة، تتفاوض المؤسسات الرياضية مع هيئات البث التلفزيوني لإيجاد حلول مفيدة للطرفين في مواجهة التحديات الحالية، على الرغم من المستنقع القانوني. ورغم أنه من المرجح أن تكون هناك زيادة في استهلاك وسائل الإعلام لهذه الفعاليات، فقد كشف الفيروس اعتماد المؤسسات الرياضية المفرط على إيرادات البث.
ليس هناك شك في أن الرياضة ستظل سمة أساسية مميزة للمجتمع، رغم أننا سنحتاج إلى إعادة التفكير في كيفية التعاطي معها. ومن المحتمل أن نشهد مصادر دخل أكثر تنوعًا، مع تحقيق الرياضات الإلكترونية والافتراضية للنمو، وهو ما سيمكِّن المشجعين من متابعة هذه الرياضات على الهواء مباشرةً، دون التواجد فعليًا في الملاعب والاستادات.
ويجب أيضًا أن نستعد لعودة الفعاليات الرياضية بطريقة تراعي فيها جميع الأطراف المعنية تدابير إدارة المخاطر. وقد يعني ذلك إعادة التفكير في استخدام الملاعب بشكل مختلف. ومع استئناف المزيد من الفعاليات الرياضية، سنستمر في تعلم الدروس، والابتكار، والتكيف مع الأوضاع بطريقة تحافظ على الصحة العامة، مع تطوير قطاع فعاليات رياضية أكثر مرونة في الوقت نفسه.
* تشغل الدكتورة كاميلا سوارت منصب أستاذ مشارك في قسم الإدارة الهندسية وعلوم القرار بكلية العلوم والهندسة في جامعة حمد بن خليفة، ويشغل الدكتور طارق الأنصاري منصب أستاذ مساعد في القسم.
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.