بقلم بيان خالد والدكتور محمد إفرين توك
اليوم العالمي للشباب
نحتفل باليوم العالمي للشباب في الـ 12 من أغسطس من كل عام. وكما قال السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "الشباب في مقدمة الركب لبناء مستقبل أفضل لنا جميعًا. وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن الحاجة الماسة للتغيير والتطوير الذي يسعون من أجله، ومن هنا يجب أن نشاركهم بشكل أكبر في هذه الجهود."
يُذكرنا هذا اليوم بأهمية الحفاظ على أمل الشباب الذي لا غنى عنه، لدوره في تشخيص التحديات المستقبلية وتحديد التدخلات في مراحلها المختلفة، وهذا ما أثبتته الجائحة على مدار العامين الماضيين. نحن لا نحتاج فقط إلى مرونة أكثر كتلك التي يتحلى بها الشباب، ولكن إلى موقف استشرافي بشأن تصميم مجتمعات إنسانية أكثر عدلاً وشمولاً واستدامة لنا جميعًا. لذلك ليس من المستغرب أن يكون موضوع هذا العام لليوم العالمي للشباب حول "الابتكارات الشبابية لصحة الإنسان والكوكب".
عزم الشباب
كان يُنظر سابقًا للشباب على أنهم عبء نظرًا لافتقارهم للخبرة، ولكن تغيرت النظرة وأصبحوا جزءًا مهمًا من المعادلة، فهم لا يشاركون فقط في صنع القرارات والعمل العالمي فضلاً عن المشاركة السياسية وإطلاق المبادرات الاقتصادية، بل هم جزء لا يتجزأ منها. إذ يحتاج القادة وصناع القرار في كافة المستويات إلى دور الشباب لتعزيز الإرادة المشتركة والتعاون لبناء عالم أفضل، ولا غنى عن مساهمتهم في وضع جداول الأعمال على المستويات الوطنية والعالمية.
وبينما تواجه دولة تركيا الحرائق المأساوية، ويواجه الفلسطينيون عمليات ضم الأراضي، ويعاني مسلمو الإيجور في مخيمات الاعتقال الجماعية، إلى جانب العديد من الكوارث العالمية الأخرى، نرى بأن الشباب هم من يدفعون نحو العمل واتخاذ الإجراءات اللازمة، فهم يستفيدون من شغفهم وطاقاتهم وما لديهم من حافز كبير على التحول نحو الفضاء الرقمي، مؤثرين بذلك على الرأي العام العالمي ومطالبين باتخاذ التدابير اللازم.
اليوم وأكثر من أي وقت مضى، تتعاظم قوة وتأثير منصات وسائل التواصل الاجتماعي والخبراء الذين يستخدمونها، حيث يصلون إلى جماهير أوسع، ويتبوؤون مواقع ذات قوة وتأثير. ويميل الشباب لسماع آراء غيرهم من الشباب أكثر من أي فئة أخرى، لذلك هم الشريحة التي تشكّل عالمنا الذي نعيش فيه ولا يجب التقليل نهائيًا من دورهم.
توطين أهداف التنمية المُستدامة
يعتبر تغيير "العالم" هدف بعيد المنال ويصعب تحقيقه، إلا أن تبسيط هذا الهدف الكبير الخاص بتغيير العالم إلى أهداف صغيرة وأكثر واقعية ويمكن تحقيقها من شأنه أن يبث مزيد من روح الأمل والتحفيز، خاصة وأن التغييرات الصغيرة تقودنا في نهاية المطاف إلى تأثيرات كبرى.
وتركز أهداف التنمية المستدامة اليوم والنقاشات المتعلقة بها على القضايا الخاصة بالتوطين. فعندما يركز الشباب جهودهم على معالجة أهداف التنمية المستدامة في مجتمعاتهم، خاصة في ظل التحديات الجديدة التي فرضتها جائحة كوفيد-19، يساهم في عملية تحقيق تلك الأهداف بسهولة أكثر، وتعتبر المبادرات الطلابية في علمية التوطين من بين أوجه التوطين التي تتلقى اهتمامًا كبيرًا.
دور "مجلس المبدعين" في تسخير أفضل ما لدى الشباب لخدمة العالم
نسعى في "مجلس المبدعين" إلى الجمع بين الشباب لطرح أفكارهم حول إعادة تصور إنسانية ما بعد كوفيد-19، بدءًا من مجتمعاتهم. والمجلس هو منصة تعمل تحت مظلة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، لإشراك الطلاب في الأنشطة الخاصة بأهداف التنمية المستدامة. كما يعتبر فضاءً للقادة الشباب من حول العالم يطلقون فيه العنان لإبداعاتهم وأفكارهم المبتكرة بهدف المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال تنظيم العديد من ورش العمل والبرامج التعليمية والفعاليات.
ومن بين هذه الفعاليات برنامج "تصميم الوضع الطبيعي بعد كوفيد-19" الذي استمر لمدة شهر، وسعى إلى العمل مع الشباب واستكشاف الطرق التي يمكن من خلالها تطوير منتجات وخدمات وأفكار لأنظمة (حلول) ذات تأثير وقابلة للتطبيق لمعالجة قضية معينة تندرج تحت أهداف التنمية المستدامة وتصميم نموذج أولي لها.
وبعد النجاح الذي حققه هذا البرنامج في نسخته الأولى، طورنا برنامجًا جديدًا تحت عنوان "تصميم إنسانية ما بعد كوفيد-19" ليكون نسخة مكثفة بشكل أكبر من البرنامج السابق. وركزنا من خلاله على ثلاث قيم أساسية هي: التعارف، والتعاون والتراحم. ومثلّت بالفعل فضاءً تعليميًا ابتكاريًا مترابطًا ومتعدد الأوجه للتعاون في تصميم واقع جديد، وإنسانية جديدة تنتظرنا فيما بعد الجائحة، إذ كانت فرصة لعرض التحديات المشتركة التي نواجهها بالرغم من الاختلافات المكانية بيننا والحاجة للعمل العالمي الجماعي.
وكجزء من برنامج "تصميم إنسانية ما بعد كوفيد-19"، شارك الشباب في فعالية استمرت على مدار يومين بعنوان "عهد"، صاغوا فيها تعهدهم لتصميم عالم أفضل من خلال دمج أهداف التنمية المستدامة في حياتهم ومجتمعاتهم المحلية.
كما استضاف مجلس المبدعين حلقة نقاشية لمدة يومين بعنوان "IslamGenZ" مع متحدثين بارزين ومعروفين، للتأكيد على القوة التي يتمتع بها الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وسعت هذه الندوة والنقاشات التي تضمنتها إلى تأسيس منتدى لفهم تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المجتمع المسلم.
وختامًا، ستوفر النسخة القادمة من مجلس المبدعين بعنوان "العلم والإيمان والابتكار من أجل الكرامة الإنسانية" فرصة للباحثين الشباب والمتخصصين ورواد الأعمال والمبتكرين الذين يطمحون إلى التخطيط والمشاركة والعمل على أساس علاقة الترابط بين كل من العلم والإيمان والابتكار، للاستجابة للتحديات العالمية التي تقوض التماسك الاجتماعي والكرامة الإنسانية.
وتشترك كل هذه البرامج والفعاليات في تركيزها على الشباب ودورهم الأساسي في التغيير، وقد كان لمجلس المبدعين دورًا مؤثرًا في مساعدة الشباب حول العالم للاستفادة من بوصلة أخلاقية في متابعة نشاطاتهم وأهدافهم، كما قدمت برامجنا هذه الأدوات بطرق مبتكرة وتجريبية، متيحةً الفرصة للشباب للتعرف على التفكير التصميمي، والتقنيات الأخرى للابتكار حول إنسانية ما بعد الجائحة بطريقة أخلاقية وقيمية وشاملة.
حاجة الشباب إلى التوجيه
على الرغم من تفوق شباب اليوم على التوقعات بمدى تأثيرهم وتفانيهم وإنجازاتهم في تصميم إنسانية أفضل، إلا أنهم لا يستطيعون القيام بذلك وحدهم، ولا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة دونهم كذلك، ومع ذلك من الضروري أن تقدّم الأجيال السابقة لهم الإرشاد والتوجيه.
فالقيادة بدون توجيه محفوفة بالمخاطر. وهنا يأتي دور "مجلس المبدعين"، وغيره من المنصات الشبيهة، لسد الفجوة بين الشباب والأجيال الأكبر سنًا، لتوجيه شغفهم وطاقاتهم بطريقة تعود بالنفع على الجميع. وبهذا يمكننا إطلاق العنان للإمكانات العظيمة للشباب من أجل تغيير العالم وتطويره.
كتبه:
بيان خالد، زميل أبحاث بكلية الدراسات الإسلامية، والدكتور محمد إفرين توك، الأستاذ المشارك والعميد المساعد لمبادرات الإبداع والتقدم المجتمعي وأستاذ الإسلام والشؤون الدولية بكلية الدراسات الإسلامية، ومؤسس "مجلس المبدعين".
ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب، والآراء الواردة فيه تعكس وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.