اليوم العالمي للمياه: تحديات المياه الجوفية في دولة قطر

تماشيًا مع شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام، 'جعل غير المرئي مرئيًا'، تناقش الدكتورة جيني لولر، مدير أول في مركز أبحاث المياه بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، تحديات المياه الجوفية التي تواجه دولة قطر

الهيئة:  معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة
شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام هو جعل غير المرئي مرئيًا.

قبل الخمسينيات من القرن الماضي، عندما أُنشئت أول محطة لتحلية مياه البحر، كانت المياه الجوفية هي المصدر الوحيد لمياه الشرب والري؛ فقد كان سكان دولة قطر يعتمدون على الآبار التي يُستخرج منها المياه العذبة لتلبية جميع احتياجاتهم المائية. وعلى غرار البلدان القاحلة والصحراوية الأخرى، تتميز بيئة قطر بنقص موارد المياه العذبة المتجددة مثل الأنهار والبحيرات، إذ أن طبقات المياه الجوفية التي تحتوي على موارد المياه الجوفية العذبة الطبيعية في قطر محدودة للغاية. ويتراوح عمق منسوب المياه الجوفية بين أقل من متر واحد بالقرب من الساحل إلى أكثر من 70 مترًا في بعض المناطق.

نقص موارد المياه الجوفية

منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، لم تُعوض إمدادات المياه الجوفية في قطر بنفس درجة استخراجها، وهو ما يعني أن جودة هذه المياه تتراجع بمرور الوقت بسبب استنفاذ مخزون المياه العذبة، وسحب مياه البحر من تحت الأرض لسد هذه الفجوة. وقد صُنفت قطر باعتبارها واحدة من أكثر الدول التي واجهت شُحًا مائيًا في العالم خلال عام 2019، بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار وتراجع مستويات المياه الجوفية العذبة، ووصول موارد المياه الطبيعية المتجددة إلى ما دون مستوى خط الفقر المائي بكثير. 

ويقدر حجم استخراج المياه الجوفية بحوالي ثلاثة إلى خمسة أضعاف معدل التغذية الطبيعية، حيث ارتفع الإجمالي السنوي لاستخدام المياه في الزراعة من 140 مليون متر مكعب في عام 1990 إلى 296 مليون متر مكعب في عام 2016. ومع ذلك، ظل استخراج المياه الجوفية للأغراض الزراعية دون تغيير تقريبًا حيث استقر عند نفس المستوى منذ عام 2005 (226 - 230 مليون متر مكعب سنويًا) مع تغطية الطلب الإضافي على المياه عن طريق مياه الصرف الصحي المعالجة منذ عام 2004. وفي حين أن مياه الصرف الصحي المعالجة لا تُستخدم في العادة لري المحاصيل الزراعية، إلا أنها تستخدم في زراعة الأعلاف التي تُستخدم لتغذية الحيوانات.

تحلية مياه الري

يشير تحليل مخاطر الري، وهي وسيلة لقياس جودة المياه المستخدمة لري المحاصيل التي تُجرى على مختلف الآبار الموجودة في جميع أنحاء قطر، إلى أن ما يصل إلى 95٪ من عينات المياه غير مناسبة للري الزراعي، وأن أكثر من 60٪ من الآبار تتسم بمستويات ملوحة من المحتمل أن تسبب أضرارًا للزراعة.

ولذلك، تكون هذه المياه مناسبة فقط لزراعة المحاصيل شديدة التحمل للملوحة. وقد اكتُشف أن 34% من مياه الري ذات مخاطر عالية للغاية من حيث درجة الملوحة ومخاطر متوسطة من حيث مستوى الصوديوم، وأنها غير مناسبة للري في جميع أنواع التربة تقريبًا.

وبسبب هذا التحدي الناجم عن ملوحة المياه الجوفية، تحتاج المزارع إلى إنشاء نظام تحلية في الموقع لكي تتمكن من استخدام مياه الآبار. وعادةً ما يتم ذلك من خلال نظام التناضح العكسي الغشائي. وعلى غرار أنظمة تحلية مياه البحر التي توفر المياه للمنازل والشركات في قطر، يجب إضافة مواد كيميائية مثل مضادات التكلس إلى مياه الآبار لمساعدة النظام على العمل بشكل صحيح بمرور الوقت. وتسمى النفايات الناتجة عن هذه العملية باسم "المحلول الملحي"، الذي يحتوي على أملاح وملوثات أخرى ومواد كيماوية أُزيلت من مياه الآبار. ويشكل المحلول الملحي مشكلة بيئية صعبة لدولة قطر. وبالنسبة لمحطات تحلية مياه البحر، يُصرف المحلول الملحي بالقرب من الشاطئ، ولكن بالنسبة للمزارع التي لا يوجد فيها طريقة واضحة للتخلص من هذا المحلول، يمثل المحلول الملحي مشكلة أكبر.

جهود الاستدامة

إذًا، كيف يمكن إدارة المياه الجوفية في قطر بشكل مستدام؟ تعمل مؤسسة كهرماء بدأب على إعادة تأهيل وتفعيل أكثر من 300 بئر تغذية موجودة في جميع أنحاء قطر، لزيادة التغذية المباشرة لنظام الخزان الجوفي في البلاد من الأمطار وبالتالي تحسين حالة المياه الجوفية وزيادة توافرها لتعزيز الأمن المائي. وفي الوقت نفسه، تكثف المؤسسة من الجهود الرامية لحفر وتطوير حوالي 60 بئراً لإعادة التغذية والحقن والمراقبة بهدف تعزيز التغذية المباشرة إلى منطقة التخزين وزيادة إنتاجية نظام الخزان الجوفي من المطر. ولا تبدو إدارة التغذية للخزانات الجوفية بالعملية السهلة أو البسيطة في قطر بسبب الطبيعة الكلسية لخزانات المياه الموجودة تحت سطح الأرض، لكن إدارة مشاريع المياه في مؤسسة كهرماء خصصت 2.6 مليار ريال قطري لمشاريع في عام 2019 بهدف تحسين مناطق تخزين المياه الجوفية وزيادة التغذية إلى نظام خزانات المياه الجوفية.

والقضية الأكثر خطورة من انخفاض جودة المياه الجوفية هي قضية هبوط الأرض بسبب التغيرات في منسوب المياه الجوفية. وبالنسبة لدولة تتميز بالانبساط والانخفاض الكبير لأراضيها على غرار قطر، يمكن أن تؤثر التغيرات في الأراضي بالفعل على التحولات الجارية على طول ساحل قطر، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم أي مشكلات تتعلق بارتفاع منسوب مستوى سطح البحر عبر تغيير مستوى الأرض أيضًا. ويمكن أن تساعد الأبحاث التي تُجرى في معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، في حل هذه المشكلات. وقد دخل برنامج علوم الأرض بالمعهد في شراكة مع مختبر الدفع النفاث الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) للتعاون في إجراء مشروع دراسة الأسطح القاحلة المدارية والصفائح الجليدية الذي يهدف إلى استخدام الأقمار الصناعية للمساعدة في رسم خرائط للمياه الجوفية وهبوط الأرض والتغيرات التي لحقت بمستوى سطح البحر في هذه المنطقة وخارجها.

وفي الوقت نفسه، يعمل المعهد على تطوير خيارات أفضل لإدارة المياه الزراعية والمياه المالحة، وهو ما يمكن أن يساعد في حماية المياه الجوفية والبيئة. ويمكن أن تساهم البحوث التي تدرس إمكانية السماح بزراعة المزيد من المحاصيل باستخدام كميات أقل من المياه، وتحسين نظام الصوبات الزراعية أو خيارات توظيف البيئات الأكثر برودة في الزراعة المغطاة في إطالة موسم زراعة المحاصيل وتقليل العبء على نظام المياه الجوفية.

*الدكتورة جيني لولر هي مدير أول في مركز أبحاث المياه بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة بجامعة حمد بن خليفة.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.