المتة أم مشروبات الطاقة: هل هناك آثار على الصحة؟
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- المتة أم مشروبات الطاقة: هل هناك آثار على الصحة؟
يحظى الشاي العشبي "المتة" بشعبية متزايدة، ويعود الفضل في ذلك جزئيًا إلى نجوم كرة القدم مثل ليونيل ميسي، وأنطوان جريزمان، ونيمار، وهاري كين، حيث ما تزال مشاهدة لاعبي كرة القدم الذين يدخلون أرض الملعب وهم يحتسون من "قرعة المتة" المتميّزة تثير الاهتمام بالفوائد الصحية لهذا الشاي - خاصةً آثاره المنبّهة، وخصائصه المضادة للأكسدة.
ما الذي يميّز مشروبات المتة عن نظيراتها المشهورة مثل مشروبات الطاقة المطروحة في السوق؟ وما سبب الاهتمام المتزايد بها؟
حقائق سريعة
المتة أو ما يُسمى أيضًا "يربا ماتي"، هو شاي عشبي من أمريكا الجنوبية يُحضَّر من الأوراق المجففة لنبات المتة (Ilex paraguariensis)، الذي يُزرع في مناطق صغيرة من الأرجنتين، وباراغواي، والبرازيل.
وتشمل عملية إنتاج المتة مجموعة من الخطوات تتضمن تحميص الأوراق والسيقان الطازجة عند درجة حرارة عالية تصل إلى 500 درجة مئوية، وتعتيقها، ونخلها. ويُحضَّر الشاي عادةً عن طريق نقع الأوراق المجففة في الماء الساخن بدرجة حرارة 65-80 درجة مئوية لبضع دقائق. ثم يُحتسى من قرعٍ مجوف باستخدام قش "مصفاة" من الفولاذ المقاوم للصدأ يعرف باسم "بومبيلا" (bombilla).
ويحظى شاي المتة برواجٍ في بلدان مثل سوريا وأجزاء من لبنان. ويكتسب استهلاك هذا المشروب حاليًا زخمًا متزايدًا في جميع أنحاء العالم، وقد سُجّل أول استهلاكٍ له في وقت مبكر من القرن السادس عشر. وزُرعت نبتة المتة واستُهلكت كمشروب لأول مرة من قبل السكان الأصليين لغواراني الذين سكنوا أجزاءً من باراغواي الحالية، والأرجنتين، والبرازيل، وأوروغواي، وبوليفيا.
تركيبة الشاي
دُرست التركيبة الكيميائية لشاي المتة بتمعّن، ومن المعروف أن العديد من المكونات الرئيسية تلعب أدوارًا مهمة في الفسيولوجيا الطبيعية للبشر، وفقًا للدكتور كبير بيسواس، الأستاذ المساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة. ويتكوّن الجزء الأكبر من مشروب المتة من الكربوهيدرات (81%)، والبروتينات (4%)، والدهون (1%)، بالإضافة إلى عناصر غذائية أخرى. ومع ذلك، فإن المكوّنات الرئيسية المفيدة للصحة تشمل مجموعة متنوعة من المستقلبات الثانوية مثل قلويدات البيورين، والبوليفينول، والتربينات، والمعادن، والفيتامينات، التي يمكن إيجاد أغلبها في مشروبات أخرى مثل الشاي الأسود العادي.
وتُعتبر نبتة المتة غنية بقلويدات البيورين الرئيسية مثل الكافيين، بنسبة تتراوح بين 1 و2% من الوزن الجاف، والثيوبرومين، أقل من 1% من الوزن الجاف. ويحتوي فنجان شاي المتة على حوالي 80 مليجرام من الكافيين، وهي نفس الكمية الموجودة في فنجان القهوة.
كما تحتوي المتة على حمض الكلوروجينيك باعتباره البوليفينول المهيمن، وهي فئة من المكونات المعروفة بأنها توفّر العديد من الفوائد الصحية بما في ذلك خصائصها المضادة للأكسدة. ويأتي طعم المرارة لنبتة المتة من مادة السابونين الكيميائية، التي تحتوي على معادن رئيسية مثل البوتاسيوم، والكالسيوم، والمغنيسيوم، والفوسفور، والفيتامينات C، وB1، وB2، وB6.
الآثار المنبّهة
يُعتبر التأثير المنبّه لمشروب المتة أحد الأسباب الرئيسية وراء زيادة شعبيته، حيث كان هذا المشروب معروفًا لسكان أمريكا الجنوبية الأصليين الذين كانوا رائدين في استهلاكه. ويُعزى الجزء الكبير من هذا التأثير المنبّه إلى وجود مادة الكافيين القابلة للذوبان في الماء، والمعروفة بتخفيف الإجهاد النفسي والجسدي، وتقوية الذاكرة، وتحسين التركيز الذهني، وتقليص مدة الاستجابة، واليقظة من خلال مفعولها على القشرة الدماغية للإنسان. وعلى وجه التحديد، تمنع مادة الكافيين ارتباط الأدينوزين بمستقبلاته، مما يؤدي إلى زيادة إطلاق الأسيتيل كولين، وهو ناقل عصبي نشط في عدة مواقع بالجهاز العصبي المركزي، بالإضافة إلى الوصلات العصبية العضلية.
ومن المعروف أيضًا أن مادة الكافيين تحفز القلب والعضلات، وتعزز الأيض، وامتصاص الأكسجين. ويؤدي ذلك بدوره إلى تأثيرات أيضية مختلفة بما في ذلك الشبع، وفقدان الطاقة على شكل حرارة (التوليد الحراري)، والتخلّص من الدهون (الأكسدة).
ومع ذلك، يقول الدكتور بيسواس: "من المهم التنويه هنا بأن التركيبة الكيميائية النهائية لمشروب المتة (وأي مشروب آخر من هذا القبيل) قد تختلف بحسب طريقة تجهيز الأوراق والسيقان المحصودة وإعدادها. ويمكن أن يؤدي تحضير المشروب بعد الإضافة المتكررة للماء إلى زيادة تركيز الكافيين (حتى 260 مجم لكل مشروب مقدّم)، مما قد يؤدي إلى آثار سلبية. ومع ذلك، يُنصح باستهلاك مشروب المتة بانتظام كمادة منبّهة دون التعرّض للتوتّر، الذي قد ينجم عن استهلاك القهوة في بعض الحالات".
خصائص مضادة للأكسدة وفوائد أخرى
يُعزى التأثير المضاد للأكسدة لشرب شاي المتة إلى وجود العديد من مركبات البوليفينوليك، مع تأثيرات مشابهة لتلك الخاصة بمضادات الأكسدة الاصطناعية مثل بوتيل هيدروكسي تولوين، أو مستخلصات الشاي الأخضر. وقد ثبت أن الخصائص المضادة للأكسدة تساهم في حماية القلب عن طريق منع بيروكسيد الدهون، وتأخير تطور تصلب الشرايين (سماكة الشرايين)، وتعزيز استرخاء الأوعية الدموية.
كما ثبت تأثير مشروب المتة الإيجابي على إنقاص الوزن والمساعدة في التحكم في السمنة، من خلال زيادة الأيض، وأكسدة الدهون، وفقدان الطاقة الناتج عن المواد الكيميائية مثل الميثيل زانثين. وفي ذات الوقت، يمكن أن يكون لها تأثيرات مضادة لمرض السكري عن طريق خفض مستويات السكر في الدم، والتصاق جزيئات السكر بالأجسام البروتينية، أو عن طريق التخفيف من مضاعفات الأوعية الدموية المرتبطة بمرض السكري.
بينما يكتسب مشروب المتة حاليًا اهتمامًا واسعًا في جميع أنحاء العالم، فإن توافر العديد من الرياضات البديلة، ومشروبات الطاقة التي تعد مصدرًا شائعًا للطاقة السريعة والمرطبات، يثير التساؤل حول كيفية مقارنة مشروب المتة بها. وكما هو مذكور أعلاه، يوفّر مشروب المتة جميع فوائد الكافيين دون ظهور أعراض التوتّر. وبشكل عام، فإن فوائده الصحية المحتملة تتجاوز دوره كمشروب منبّه.
مقارنة المتة بمشروبات الطاقة الأخرى
تحتوي مشروبات الطاقة عادةً على كميات عالية جدًا من الكافيين (تصل إلى 200 مجم لكل مشروب) والسكر، بالإضافة إلى مكونات أخرى مثل الفيتامينات، والتوراين، والكارنيتين أو الأحماض الأمينية الأخرى. وقد تحتوي أيضًا على مصادر أخرى للكافيين مثل الجينسنغ والغرنا. وبينما اكتسبت مشروبات الطاقة شعبية هائلة، يأتي استهلاكها مصحوبًا ببعض المشاكل الصحية. على سبيل المثال، يمكن أن تسبب المستويات العالية من الكافيين التوتّر، والقلق، وفرط النشاط، والأرق، وزيادة معدل نبضات القلب، بالإضافة إلى آثار صحية خطيرة أخرى. علاوة على ذلك، فإن كميات السكر المرتفعة تتجاوز المستوى اليومي الموصي به، وخاصة بالنسبة للمرضى الذين يعانون من السكري، ويمكنها أن تسهم في زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، وخاصة بين الأشخاص قليلي الحركة الذين لا يمارسون أنشطة بدنية باستمرار. وعادة لا ترتبط هذه الآثار الصحية الضارة بمشروب المتة، مما يجعله الخيار المفضل لدى الكثيرين.
الكافيين وخصائصنا الجينية
هناك سؤال آخر يطرح نفسه حول مشروب المتة، أو أي مشروب طاقة آخر، وهو تأثير اختلاف الخصائص الجينية بين مختلف الشعوب البشرية. كما هو مبين، فإن جميع الفوائد الصحية لمشروب المتة تأتي من بعض المكونات الكيميائية مثل الكافيين أو البوليفينول الموجودة في المشروب. ويحدث تأثير هذه المكونات عادة من خلال نشاط بروتينات معينة ناتجة عن خصائصنا الجينية. ويمكن للتغيرات أو التحوّرات الجينية المساهمة في امتصاص الجسم للمكونات الكيميائية لمشروب المتة أن تجعل الشراب غير فعّال.
وعندما يتعلق الأمر بدراسة الاختلافات الجينية، فإن كلية العلوم الصحية والحيوية تتبوّأ مكانة رائدة في مجال إجراء البحوث عالية الجودة، والقابلة للتنفيذ، التي تعتمد أيضًا على إمكانية وصول دولة قطر المتزايدة إلى التكنولوجيا الجينومية التي توفّر ثروة من البيانات لتقييم المخاطر الصحية المحتملة. وتعتبر دراسة الاختلافات الجينية البشرية باستخدام تقنيات حسابية وتجريبية مختلفة لفهم آلية المرض الأساسي من أبرز مجالات عمل كلية العلوم الصحية والحيوية، والتي يمكن للأطباء استخدامها لتحليل الاختلافات الجينية وتفسيرها والاستفادة من تلك البيانات لاحقًا في تقديم خدمات استشارية متخصصة للمرضى.
أما بالنسبة لمشروب المتة، فيمكن لأي شخص الاستمتاع بفوائده، وليس فقط نخبة الرياضيين مثل ميسي ونيمار الذين يهتمون بالحفاظ على مستوى عالٍ من الأداء الرياضي.
واختتم الدكتور بيسواس بالقول: "بشكل عام، يبدو أن مشروب المتة هو بديلٌ ممتازٌ لمشروبات الطاقة الأخرى. ومع ذلك، يجب أن يُستهلك بشكلٍ معتدل. وأيضا، سيكون من الحكمة استشارة الطبيب قبل البدء في شرب شاي المتة، خاصة بالنسبة لأي شخص يعاني من أمراض مزمنة".
*يشغل الدكتور كبير بيسواس منصب أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة. وتهدف أبحاثه إلى تطوير منصات تجريبية لتمكين الفهم الأساسي والتشخيص والتدخل العلاجي في مجال صحة الإنسان ومكافحة الأمراض.