تأليف: الدكتور يوسف بشر
تشارك دولة قطر والدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي حاليًا في الجهود المبذولة لتقليل اعتمادهم على الهيدروكربونات لتحقيق النمو الاقتصادي، ويشرح الدكتور يوسف بشر الأستاذ المشارك بكلية العلوم والهندسة، كيف يمكن للخطوات التي يتم اتخاذها حاليًا، وفي المستقبل، لتتبوأ المنطقة مكانتها كمركز للطاقة المتجددة والوقود النظيف.
ومع تزايد المخاوف بشأن تأثير الوقود الأحفوري على كوكبنا، فضلًا عن الدعوات المتكررة للدول المنتجة للنفط والغاز لبذل جهد أكبر للتخفيف من تغير المناخ والتحديات البيئية ذات الصلة، وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي التي تشارك حاليًا في الجهود الوطنية للحد من الاعتماد على الهيدروكربونات لتحقيق النمو الاقتصادي، وهو ما يفسره تصدُر دول مجلس التعاون الخليجي في الجهود العالمية للوصول إلى انبعاثات صفرية.
وحتى نصل لتحقيق ذلك الهدف، لا ينبغي الاستهانة بالجهد المطلوب لتحقيق هذا التحول بنجاح، حيث يستمر الوقود الأحفوري في تزويد كل قطاع من القطاعات الاقتصادية بدول مجلس التعاون الخليجي بالطاقة، مما يجعله مصدرا مهما لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وكما هو الحال، تمثل الهيدروكربونات 99٪ من استهلاك الطاقة الأولية في دول مجلس التعاون الخليجي، في حين أن مساهمة مصادر الطاقة المتجددة لتلبية احتياجات الطاقة في المنطقة قيد التقدم. ومع ذلك، أمضى مجلس التعاون الخليجي العقد الماضي في محاولة لسد هذه الفجوة من خلال بدء الجهود لتطوير مصادر الطاقة المتجددة مع الوفاء بالتزاماته باتفاقية باريس.
وتتميز دول مجلس التعاون الخليجي بأحد أفضل مستويات أشعة الشمس في العالم، وقد استثمرت بكثافة في قدرات الطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة، حيث تعد الطاقة الشمسية سمة أساسية من سمات الاستراتيجية الوطنية للبيئة وتغير المناخ في دولة قطر والتي تهدف إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25٪ وزيادة توليد الطاقة غير الغازية (المتجددة) بنسبة 20٪ بحلول عام 2030، ولدعم ذلك، تم تشغيل محطة الخرسعة للطاقة الشمسية في أكتوبر 2022 والتي لديها القدرة على إنتاج 800 ميجاوات من الطاقة الشمسية، وبناء على الاستخدام واسع النطاق للحافلات الكهربائية خلال بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، تخطط المؤسسة العامة للكهرباء والماء في قطر (كهرماء) لتركيب ما يصل إلى 1000 محطة شحن للسيارات الكهربائية بحلول نهاية العقد لتعزيز منظومة النقل الأخضر.
ورغم وجود موارد من طاقة الرياح والتي تعتبر أقل قوة من أوروبا وأجزاء أخرى من العالم، إلا أنه لا تزال هناك فرص كبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من قدرات الرياح في الداخل والخارج. وحاليا، لا توجد محطة تجارية لإنتاج الطاقة من الرياح في قطر، وذلك على الرغم من وجود أمثلة قريبة يمكن الاستلهام منها، مثل منشأة محطة الشقايا لطاقة الرياح في الكويت (القادرة على توليد 10 ميجاوات)، ومحطة هرويل لطاقة الرياح في سلطنة عُمان (50 ميجاوات)، ومحطة دومة الجندل في المملكة العربية السعودية (400 ميجاوات).
وفضلًا عن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بالقدرة على تطوير مصادر متجددة أخرى، مثل موارد الطاقة الحيوية، حيث يمكن استخدام النفايات الغذائية والزراعية والنفايات الحضرية لتوليد الطاقة، ويتم حاليا إنشاء أكبر محطة لتوليد الطاقة من النفايات في العالم بمنطقة الخليج، حيث ستنتج ما يقرب من 1.9 مليون طن من النفايات، التي يمكن استخدامها لإنتاج 215 ميجاوات ساعة سنويًا. علاوة على ذلك، يمكن أيضا استخدام مياه الصرف الصحي الفائضة الناتجة عن محطات تحلية المياه والصناعات الكيماوية لتوليد الطاقة النظيفة عبر التحليل الكهربائي العكسي القائم على الأغشية أو التقنيات المتقدمة مثل نظام التناضح العكسي بالضغط (PRO).
ومع ذلك، وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته دول مجلس التعاون الخليجي لتحسين استخدامات إمكانات الطاقة المتجددة في المنطقة، فلا يزال هناك عمل يتعين القيام به، وعلى رأسه البحث والتطوير الإضافي لدعم نشر هذه التقنيات على نطاق واسع، وقد يكون الوقود النظيف مثل الهيدروجين أحد الطرق لسد الفجوة بين القدرة الإنتاجية والطلب، ويمكن أن يؤدي تصدير الهيدروجين، الذي تنتجه عُمان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، دورا مهما في تغذية صادرات قطاعات الطاقة والنقل والصناعة في المنطقة. ورغم ذلك، فإن استخدام الغاز الطبيعي في الإنتاج يثير مخاوف بشأن مساهمة الهيدروجين الرمادي في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وتعتبر الأمونيا خيارا واعدا آخر، لاسيما لتوليد الطاقة في خلايا الوقود وأنظمة النقل والتبريد، حيث تتكون من جزيئات الهيدروجين والنيتروجين، ولا توجد انبعاثات كربونية مباشرة عند حرق الأمونيا أو استهلاكها، كما أن لديها خصائص تخزين أفضل من الهيدروجين مما يسمح بالتعامل معها بسهولة، وقد أعلنت قطر بالفعل عن خطط لإنشاء أكبر منشأة للأمونيا الزرقاء في العالم والتي يمكن أن تنتج ما يصل إلى 1.2 مليون طن سنويًا عند اكتمالها، حيث يمكن أن تكون الأمونيا الزرقاء (مع احتجاز الكربون) بمثابة بديل لصادرات الغاز الطبيعي المسال مما يزيد من استدامة الاقتصاد القطري.
وتجدُر الإشارة إلى أن إنتاج الأمونيا الزرقاء، مثل الهيدروجين، يتطلب أيضا الغاز الطبيعي كمادة وسيطة (مدخلات)، مما يجعل كلاهما خطوة انتقالية لصناعات خالية من الانبعاثات الكربونية، ويمكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة "النقية" المستمدة من البحر والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لإنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا، مما يجعل سلسلة التوريد الكاملة مستدامة قدر الإمكان، ومع ذلك، سيستغرق هذا وقتا وبحثا وتطويرا.
وهناك عقبات أخرى تمنع دول مجلس التعاون الخليجي من الاعتماد السريع على الانتقال لاستخراج الطاقة من الهيدروجين والأمونيا، حيث يشكل عدم وجود سعر تنافسي للإنتاج، ولاسيما من المصادر المتجددة، مشكلة خاصة بسبب الافتقار إلى المرافق المناسبة، فلا تزال البنية التحتية الضرورية مثل محطات تعبئة الهيدروجين وخطوط الأنابيب قيد الإنشاء إلى حد كبير، والتكنولوجيات اللازمة للتغلب على هذه المشاكل متاحة بسهولة، والأمر متروك الآن لدول مجلس التعاون الخليجي لاستخدامها، حيث يوفر القيام بذلك العديد من مسارات الانتقال النظيف التي يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على الجهود الإقليمية لمعالجة تغير المناخ، وتنمية وسائل الاستدامة الشاملة، وتحسين استراتيجيات الحد من انبعاثات الكربون.
يعد الدكتور يوسف بشر أستاذًا مشاركًا في قسم التنمية المستدامة في كلية العلوم والهندسة، بجامعة حمد بن خليفة.