حلول لتحصين المناطق الجافة ضد الفيضانات

بقلم/ د. سعد شنّك

الهيئة:  معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة
د. سعد شنّك

تحدثُ الفيضانات عادةً في المناطق التي تشهد هطول أمطار غزيرة أو تلك التي تضم غاباتٍ كثيفة و/أو مناطق ساحلية، إلا أنّ دول مجلس التعاون الخليجي، المعروفة بمناخها الجاف وقلة هطول الأمطار فيها، أصبحت أكثر عرضة للفيضانات في الآونة الأخيرة، بسبب التوسع العمراني السريع، وقصور البنية التحتية للصرف الصحي، وتداعيات تغير المناخ التي يترتب عليها هطول أمطار غزيرة يصعب التنبؤ بها إلى جانب ارتفاع منسوب مياه البحر، هذا بالإضافة إلى طبيعة التضاريس وتكوين التربة وسوء إدارة المياه التي تزيد من خطر حدوث الفيضانات في هذه المناطق.

ووفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، الفيضانات في الأساس عبارة عن تدفق للمياه في المناطق التي لا تكون رطبة عادةً، مثل تدفق المياه من الأنهار أو الجداول أو القنوات إلى اليابسة بفعل الأمطار الغزيرة، ويمكن أن يستغرق هذا التدفق أيامًا أو أسابيع، وعلى النقيض من ذلك، تحدث الفيضانات الخاطفة (السيول) بفعل هطول الأمطار الغزيرة خلال فترة قصيرة، عادةً تكون أقل من 6 ساعات، وقد تنجم أيضًا عن خلل في السدود أو الحواجز المائية، أو الاندفاع المفاجئ للمياه من الرواسب أو السدود الجليدية، حتى في غياب الأمطار. وتُعتبر بلدان مثل سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة، التي تتسم ببيئتها الصحراوية وتتلقى في الغالب حوالي 100-300 ملم فقط من الأمطار سنويًا، أمثلة واضحة على المناطق ذات الهطول السنوي المنخفض للأمطار، أما في المملكة العربية السعودية وقطر، فالأمطار الغزيرة نادرة للغاية، ولكن عندما تهطل هذه الأمطار، غالبًا ما تكون شديدة وقصيرة الأجل، وتكون مناطق هذا النمط الجوي هي الأكثر عرضة للتأثر بالسيول.

وللتقليل من الأضرار الناجمة عن الفيضانات في المناطق الجافة، ينبغي أن نولي اهتمامًا دقيقًا للظروف الخاصة في هذه المناطق وأن نُبدي استعدادًا أفضل لمواجهة هذه الفيضانات. تنطوي إدارة الفيضانات تقليديًا على نهجين رئيسيين: الأول معماري والثاني غير معماري، ويتضمن النهج الأول حلولًا مثل الجدران المقاوِمة للفيضانات والجدران المضادة للتسونامي والسدود، وتُقام هذه الهياكل عادةً على طول الأنهار والمناطق الساحلية لاحتواء الفائض المائي ومنع تدفق المياه خارج مجرى الأنهار، وتؤدي هذه الهياكل دورًا محوريًا في حماية المنشآت عن طريق احتجاز الفائض من المياه وتشكيل مناطق مرتفعة فوق مستوى الفيضانات، مما يقلل من تأثير الفيضانات على الأحياء أو المدن المجاورة.

أما النهج غير المعماري، فيتبع حلولًا إضافية، إلى جانب التدابير المعمارية، للتخفيف من مخاطر الفيضانات، فعلى سبيل المثال، تتضمن استراتيجية التخطيط المدروس لاستخدام الأراضي إجراءاتٍ للحد من البناء في المناطق المهددة بالفيضانات، ومن التدابير غير المعمارية قيام الحكومات بحفظ وصيانة السهول الفيضية والمناطق الرطبة، وذلك من أجل حماية الموارد الطبيعية وتقليل مخاطر الفيضانات المحتملة وضمان سلامة المباني السكنية في المستقبل، وكذلك تُعتبر أنظمة الإنذار المبكر من أبرز التدابير التي يمكن اتخاذها للوقاية من مخاطر الفيضانات المفاجئة، حيث تطلق تنبيهاتٍ لحظية وتقدّم خطط استجابة فعالة، وتساهم هذه الأنظمة في إنقاذ حياة الأفراد الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الفيضانات مع تشجيع السكان على الاستعداد لحالات الطوارئ، حيث تُستخدم التكنولوجيا والبيانات الفورية خلال الأحداث الطارئة من أجل تسهيل عمليات الإجلاء والاستفادة من الموارد بسرعة وفعالية.

ومع ذلك، ينبغي إعادة النظم الطبيعية إلى حالتها الأولى بعد الفيضانات من خلال اتباع آليات مستدامة وطويلة الأمد، فغالبًا ما تترك الحلول التقليدية آثارًا كربونية بالغة بسبب المواد وعمليات البناء المستهلِكة للطاقة التي تستخدمها، وعلى العكس من ذلك، فإن التدابير غير العمرانية تقلل من الأضرار من خلال نقل الأفراد والممتلكات بعيدًا عن المناطق عالية الخطورة، مما يجعلها خيارًا أكثر فعالية.

ولتحقيق هذه الغاية، يواصل معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، استكشافَ استراتيجياتٍ مبتكرة لإدارة الفيضانات من شأنها أن تساعد في تفادي التحديات الناجمة عن هطول الأمطار في المناخات الجافة، وتشمل هذه الاستراتيجيات استخدام بنية تحتية خضراء، مثل أحواض الاحتجاز الحيوي والأرصفة القابلة للنفاذ والأسطح الخضراء، لمواجهة الفيضانات الشديدة. أحواض الاحتجاز الحيوي، التي تعرف أيضًا باسم حدائق الأمطار، هي عبارة عن مناطق منخفضة مصممة لتجميع ومعالجة مياه الأمطار، ومن خلال محاكاة العمليات الهيدرولوجية الطبيعية، تحتفظ هذه الأحواض بالمياه مؤقتًا وتسمح لها بالتسلل إلى الأرض، مما يقلل من كميات ومعدلات الجريان المائي، وبالتالي يخفف من خطر إغراق مياه الأمطار الغزيرة لأنظمة الصرف.

ومن الخيارات الواعدة الأخرى الأرصفة القابلة للنفاذ المصنوعة من مواد مثل الأسفلت المسامي والخرسانة النفاذة والأرصفة ذات الطوب المتعرج، حيث تسمح هذه المواد لمياه الأمطار بالتسرب مباشرة إلى الأرض، مما يقلل من الصرف السطحي، ويخفف من معدلات التدفق في ذروتها، ويساعد في تجديد المياه الجوفية، والذي بدوره يحدّ من احتمالية حدوث فيضانات في المناطق العمرانية ويخفف العبء الواقع على البنية التحتية لتصريف مياه الأمطار، وكذلك تعمل الأسطح الخضراء المغطاة بالنباتات والتربة على امتصاص واحتجاز مياه الأمطار، مما يقلل من الصرف السطحي خلال العواصف، حيث تعمل طبقات الغطاء النباتي والتربة على إبطاء تدفق المياه، فمنها ما يتبخر ومنها ما تمتصه النباتات، وبالتالي تنخفض كميات ومعدلات تدفق المياه المتجه إلى أنظمة التصريف.

وتشير بحوثٌ أجراها علماء بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة إلى فعالية هذه الأساليب، حيث أظهرت البحوث أن الجمع بين أحواض الاحتجاز الحيوي والأرصفة القابلة للنفاذ يحقق أكبر تخفيض ممكن في ذروة تدفق المياه لمختلف فترات التكرار (سنتان، 10 سنوات، 25 سنة، 100 سنة)، وتُبيّن النتائج أيضًا أن الأرصفة القابلة للنفاذ وحدها كانت الأقل فعالية في تخفيض تدفق المياه لجميع فترات التكرار، بينما أظهرت جميع ممارسات البنية التحتية الخضراء انخفاضًا بنسبة 100% في ذروة التدفق المائي لفترة التكرار البالغة سنتين، وتؤكد هذه النتائج على الإمكانات الهائلة لأنظمة البنية التحتية الخضراء المتكاملة في إدارة مياه الأمطار بفعالية والحد من مخاطر الفيضانات في المناطق العمرانية.

وهكذا، من خلال محاكاة العمليات البيئية الطبيعية، تنخفض معدلات الفيضانات العمرانية وسرعتها إلى حدٍ كبير، بينما تزداد المساحات الخضراء وتتحسن جودة المياه من خلال تعزيز تسريب مياه الأمطار إلى الخزانات الجوفية، ومن خلال دمج استراتيجيات البنية التحتية الخضراء المختلفة، والتخطيط الذكي لاستخدام الأراضي، وتوظيف أحدث التقنيات، يسعى معهد قطر لبحوث البيئة والطاقة إلى المساهمة في إنشاء مدن آمنة من الفيضانات وقادرة على التعامل مع آثار التغير المناخي وتعزيز التنمية المستدامة داخل دول مجلس التعاون الخليجي وخارجها.

تم نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في صحيفة (The Peninsula)، ويمكن الاطّلاع عليه كاملًا هنا.