اضطراب طيف التوحد: بين القوالب النمطية والواقع

د.عبير الشمري، زميل أبحاث في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة

الهيئة:  معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
اضطراب طيف التوحد: بين القوالب النمطية والواقع

اضطراب طيف التوحد هو شكل من أشكال اضطرابات النمو، واسع النطاق، يتميز بحدوث سلوكيات متكررة، ومواجهة تحديات في مهارات التواصل الاجتماعي. وغالبًا ما ترتبط الحالة بمشاكل طبية أخرى مثل اضطرابات الجهاز الهضمي، والقلق، والصرع. ويمتلك كل فرد مصاب باضطراب طيف التوحد نقاط ضعف وقوة فريدة، تتراوح بين التحديات الذهنية إلى القدرات الاستثنائية في الرياضيات والفنون، بالإضافة إلى البراعة اليدوية، وقوة الذاكرة، والدقة، والاهتمام بالتفاصيل.

وعلى الرغم من كونها حالة تستمر مدى الحياة، فقد تقل أعراض التوحد في مرحلة البلوغ إذا حصل الأفراد على الدعم والتدخل المناسبيَّن في سن مبكرة، وهو ما قد يساعدهم على العيش باستقلال والشعور بالاندماج بشكل أفضل داخل المجتمع. كما أن زيادة الوعي بالحالة تفتح الإمكانيات الخفية للأشخاص المصابين باضطراب طيف التوحد، وتتيح فرص عمل جديدة لهم.

ورغم أن الوعي العام باضطراب طيف التوحد قد تحسَّن خلال السنوات الأخيرة، لا يزال هناك سوء فهم لهذه الحالة على نطاق واسع. ويؤدي هذا الأمر، أحيانًا، إلى ظهور حالات من القوالب النمطية الضارة، التي تُلحق الضرر بالأفراد وكذلك أسرهم وأصدقائهم. وعلى النقيض من ذلك، لا يساهم الفهم الأفضل للتوحد في تبديد هذه المفاهيم الخاطئة فحسب، بل يساعد كذلك الأفراد المتضررين على اكتساب إمكانية الوصول إلى الدعم المناسب الذي يقدمه المجتمع على نطاق واسع.

وتشتمل بعض الخرافات الأكثر شيوعًا بشأن اضطراب طيف التوحد على ما يلي:

الأفراد المصابون باضطراب طيف التوحد يفتقرون إلى العواطف: هذا المفهوم غير صحيح تمامًا، حيث أن المصابين بالتوحد غالبًا ما يشعرون بالعواطف بشكل أكثر قوة من الآخرين. ومع ذلك، قد تبدو طريقة استجابتهم وتعبيرهم عن عواطفهم مختلفة عن معظم الأشخاص الآخرين. وهناك اعتقاد خاطئ آخر مفاده أن الأشخاص المصابين بالتوحد غير اجتماعيين، في حين أنهم في الواقع حريصون غالبًا على تكوين علاقات اجتماعية، ولكنهم يجدون صعوبةً في اكتساب المهارات الاجتماعية وأشكال التفاعل "النموذجية".

يحدث اضطراب طيف التوحد بسبب لقاحات التطعيم: لا يوجد دليل علمي يدعم وجود صلة بين التطعيمات التي يتلقاها الأطفال واضطراب التوحد. وقد سُحِبت دراسة نُشرت في عام 1998 زعمت وجود صلة بين اللقاحات واضطراب طيف التوحد، وأظهرت دراسات لاحقة أيضًا عدم وجود مثل هذا الارتباط.

يحدث اضطراب طيف التوحد نتيجة للتربية السيئة: ليس لأسلوب التربية أي علاقة بتطور اضطراب طيف التوحد. وقد افترضت نظرية قديمة تسمى "الأم الباردة" أن التوحد يحدث بسبب نقص الدفء العاطفي لدى الأمهات، ولكن ثبت أن هذه النظرية خاطئة تمامًا.

معدل انتشار اضطراب طيف التوحد تزايد خلال السنوات الأخيرة: هذا غير مرجح؛ فقد تكون الزيادات في الأرقام قد حدثت بسبب تحسّن الوعي العام ومعايير التشخيص.

والسؤال الشائع الذي يطرحه الناس هو ما الذي يتسبب بالضبط في حدوث اضطراب طيف التوحد. والإجابة المختصرة على هذا السؤال هي: لا أحد يعرف السبب الدقيق لحدوث هذا الاضطراب. وتشير الأبحاث إلى أنه من الوارد أن يحدث التوحد بسبب عوامل خطر مختلفة تتداخل مع النمو الطبيعي للمخ، بما في ذلك العوامل الوراثية والبيئية، ونمو الجهاز المناعي. ومع ذلك، في حين تشير الدراسات السابقة إلى دور اضطرابات الجهاز المناعي في حدوث التوحد، إلا أنه لم يتضح بعد ما الذي يؤدي إلى حدوث هذا الخلل المناعي في المقام الأول. والشيء الأكثر تأكيدًا هو أن التعرف على السبب الجذري لحدوث هذا الاضطراب مهم للتوصل إلى علاج فعال له.

وفي معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، تُجري فرق بحثية مختلفة من مركز بحوث الاضطرابات العصبية دراسات متعلقة باضطراب طيف التوحد، بالتعاون مع معاهد بحثية وطنية ودولية. وتجري الفرق بحوثًا تركز على انتشار اضطراب طيف التوحد وتشخيصه والمؤشرات الحيوية المتعلقة بالجينات. ويُجري المختبر الذي أعمل به بحثًا، بالتعاون مع مؤسسة حمد الطبية، حيث ندرس الأسباب المحتملة والآليات الرئيسية التي تتسبب في حدوث الاضطرابات المناعية لدى المصابين باضطراب طيف التوحد. ويتمثل الهدف النهائي لهذا البحث في التعرف على عوامل مناعية محددة في الدم ذات صلة وظيفية بحدوث هذا الاضطراب. ونأمل في نهاية المطاف في استهداف هذه العوامل المناعية كنهج علاجي جديد لعلاج اضطراب طيف التوحد.

وفي إطار جهوده الرامية لتعزيز المعرفة وتحسين الفهم باضطراب طيف التوحد، وإبراز أنشطته البحثية دأب معهد قطر لبحوث الطب الحيوي على عقد حملات توعية. وتشتمل هذه الفعاليات على أنشطة تعليمية وترفيهية، تُعقد في أماكن مثل مكتبة قطر الوطنية، ومراكز التسوق، والمدارس، والأماكن العامة الأخرى.

ملاحظة:
هذا المقال مقدَّم من إدارة الاتصال بجامعة حمد بن خليفة نيابةً عن الكاتب. والآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.