سد الفجوة بين الديون السيادية وحقوق الإنسان
- الصفحة الرئيسة
- غرفة الأخبار
- سد الفجوة بين الديون السيادية وحقوق الإنسان
بلغ الدين العام لليونان في يونيو من عام 2008 حوالي 252 مليار يورو، في حين بلغت نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 112%. ولم تكن اليونان قد تخلفت مطلقًا عن سداد أي مديونيات سابقة، وكانت الفوائد المفروضة على الاقتراض منخفضة نسبيًا. وباعتبار الاقتصاد اليوناني أحد الاقتصاديات المتقدمة في منطقة اليورو، تمتعت اليونان بجدارة ائتمانية جيدة وظلت ديونها ضمن الحدود المقبولة.
وعندما يتوفر للدولة مثل هذه الجدارة الائتمانية، وتحافظ على نسبة عجز محدودة في الموازنة، يقابلها توازن بين نسبة الدين مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي (أي الدين العام بالمقارنة بالناتج المحلي الإجمالي)، فإن حجم إجمالي الدين العام للبلاد لا يكون سببًا في حدوث أزمة مديونية. ومع دخول العالم دوامة الركود الاقتصادي، وجدت اليونان نفسها فجأة في خضم أزمة مالية طاحنة، نجمت - كما يُزعم في هذا الصدد - عن الإنفاق العام المفرط والعيش على مستوى "يفوق الإمكانات المتاحة".
وفي يونيو من عام 2015، أصدرت لجنة تقصي الحقائق حول الديون العامة في البرلمان اليوناني تقريرًا يوضح كيف ظل الدين العام في اليونان ثابتًا إلى حد ما في الفترة من 1993 إلى 2009. وأرجع التقرير أيضًا الزيادة في ديون البلاد بمقدار الثلثين إلى تسديد الفوائد (البسيطة والمركبة). وكان الارتفاع الحاد والملحوظً بدرجة أقل في ديون القطاع الخاص / ديون الاستهلاك بين عامي 2000 و2009. وبلغت نسبة الدين الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي ذروتها عند 129% في نهاية هذه الفترة. وبحلول هذه الفترة، كانت ديون البنوك الخاصة اليونانية والأوروبية قد بلغت قرابة 100 مليار يورو من الديون الخاصة، ولم تكن هذه الديون، مع ذلك، مستحقة على اليونان.
وقد أشار التقرير الصادر من هناك إلى أنه لتجنب إفلاس البنوك الخاصة التي تراكمت عليها هذه الديون (مع شراء البنوك الفرنسية والألمانية غالبية أسهم البنوك اليونانية المثقلة بالديون)، بالغت حكومات فرنسا وألمانيا واليونان في تقدير العجز في موازنة اليونان. عندئذٍ جرى إخراج اليونان من أسواق الإقراض العالمية، وخضعت للإشراف المالي من قبل صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي.
لقد كانت الغاية النهائية لهذه الحكومات، وفقًا للتقرير، هي كسب الوقت حتى تتمكن اليونان من تأميم الدين الخاص، وبالتالي تحويله إلى دين عام. ومع التحول إلى ديون "الدولة"، أُعيدت رسملة البنوك الخاصة فعليًا من خلال أموال دافعي الضرائب في دول الاتحاد الأوروبي، وبذلك تعيّن على اليونان ومواطنيها دفع تكلفة إعادة الرسملة.
فهل نجحت تدابير التقشف التي اتخذت لاحقًا؟ نترك لكم الحكم. ففي أعقاب إجراءات التقشف مباشرة، تقلص الناتج المحلي الإجمالي في اليونان بنسبة 25%، وارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 30%. وبحلول أواخر عام 2014، ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في اليونان إلى 190%. وقد خُصص من بين حزمة الأموال الممنوحة لليونان بموجب برنامج "الإنقاذ" خلال الفترة بين عامي 2010 و2014 ما يقل عن 8% للنفقات العامة والباقي لسداد الديون. ودفعت الدولة رسومًا كبيرة نظير هذه الخدمات (القانونية والمالية وغيرها)، إضافة إلى تراكم الفوائد.
وكانت الآثار المترتبة على حزمة إجراءات التقشف على حقوق الإنسان كبيرة، وظل المواطن يشعر بها حتى يومنا هذا. وبينما ارتفعت التكاليف المعيشية، وانخفضت الرواتب والمعاشات بنسبة تصل إلى 6%، فُرضت ضرائب جديدة أدت إلى انخفاض كبير في أسعار العقارات، ما أضطر الكثيرون إلى بيع ممتلكاتهم بأسعار متدنية بدرجة قياسية.
علاوة على ذلك، فرَضَت حزمة إنقاذ الاقتصاد اليوناني تدابير تقشفية تطلبت تخفيضًا كبيرًا في نفقات التعليم، وعدولاً عن صناديق التقاعد، وتطبيق رسوم جديدة على نظام الرعاية الصحية العامة. وقد حدث كل هذا في وقت كان معدل البطالة الحقيقية هو الأعلى في أوروبا.
وفي هذا الصدد، يطرح هذا السؤال نفسه: ما هو نطاق عمل الحكومة في خضم هذه الأزمات؟ يتعين على الدول الدائنة والمنظمات الدولية، التي تشارك فيها الحكومات مثل صندوق النقد الدولي، ضمان أن تتيح الشروط المفروضة على الدول المقترضة الفرصة لسداد الديون بشكل مستدام، حيث إنه من شأن السداد المستدام القائم على حقوق الإنسان أن يسمح بدوره للدولة المقترضة بالاحتفاظ بنفس المستوى من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لشعبها، وفي الوقت نفسه تحسين اقتصادها وتقويته. وهذا من شأنه أن يسمح للدولة المقترضة بزيادة الإيرادات (غير تلك التي تجنيها عبر الضرائب المباشرة) بالاحتفاظ بتصنيفها الائتماني العالمي، وجذب الاستثمارات دون رهن مواردها الطبيعية. وكذلك يمنع السداد المستدام بهذه الطريقة المحددة هجرة العقول والكوادر المتميزة أو الأصول إلى البلدان الأكثر ثراءً.
كتبه:
الدكتور إلياس بانتكاس، أستاذ القانون في كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، ومؤلف كتاب "الديون السيادية وحقوق الإنسان" (مطبعة جامعة أكسفورد 2018)، وكتاب "القانون العالمي لحقوق الإنسان وممارسته" (مطبعة جامعة كامبريدج، الطابعة الثالثة، 2020، ليئوت)، فضلاً عن ثمانية كتب أخرى نشرتها مطابع جامعة أكسفورد أو كامبريدج. عمل الدكتور بانتكاس عن كثب مع الخبير المستقل الحالي والخبير السابق في الأمم المتحدة بشأن تأثير الديون على حقوق الإنسان الأساسية، وينوي ترشيح نفسه لهذا المنصب في أوائل عام 2020 عندما يصبح المنصب شاغرًا.