هل حان الوقت لإلزام شركات الخليج بالإفصاح عن بياناتها المناخية؟

هل حان الوقت لإلزام شركات الخليج بالإفصاح عن بياناتها المناخية؟

31 يوليو 2024

بقلم/ د. كيهندي فوليك اولاي

د. كيهندي فوليك اولاي
د. كيهندي فوليك اولاي

اعتمدت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، بعد عاميْن من المشاورات، قواعد تُلزم الشركات بتحديث وتوحيد معلوماتها المتعلقة بالمناخ ومشاركتها مع المستثمرين والجمهور، وأقرّت الهيئة أنه يتعيّن على الشركات، اعتبارًا من 28 مايو 2024، تقديم معلومات عن المخاطر المتعلقة بالمناخ التي أثرت أو من المحتمل أن تؤثر بشكلٍ جوهري في استراتيجياتها التجارية أو نتائج عملياتها أو وضعها المالي في بيانات التسجيل والتقارير السنوية، ولكن قامت الهيئة بتعليق الالتزام بهذه القواعد مؤقتًا في انتظار نتائج عدة دعاوى قضائية رُفعت في المحاكم الأمريكية بهذا الخصوص.

وعلى الرغم من الانتقادات التي طالت الدعوة إلى تطبيق هذه القواعد الإلزامية، إلا أنّ هذه القواعد تعتبر جزءًا من التوجه العالمي لمعايير الإفصاح عن المعلومات والمخاطر المتعلقة بالمناخ، وبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على استضافة قطر لأول مؤتمر للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي عام 2012، حان الوقت للتساؤل عما إذا كان ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتبع النهج نفسه وتفرض على الشركات أن تُفصح عن تأثيرها المناخي، والإجابة المختصرة هي أنه على الرغم من أهمية اتباع أفضل الممارسات الدولية، إلا أن الإفصاح الإلزامي غير ضروري في الوقت الحالي.

وبدءًا من حرائق الغابات في نيو مكسيكو، إلى الجفاف في فيتنام، ودرجات الحرارة المرتفعة والفيضانات العارمة في الصين، أصبح واضحًا أنّ هناك حاجة ماسة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تغير المناخ. خلال العقد الماضي، وبالتوازي مع التوجه العالمي نحو تحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، باتت الأنظار تتجه بشكلٍ متزايد نحو دور الشركات في تغير المناخ، فعلى سبيل المثال، يُظهر تقريرٌ صدر مؤخرًا أن 57 شركة في قطاع النفط والغاز والفحم والأسمنت مسؤولة عن 80% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الأحفوري في العالم، فمن خلال عملياتها وأنشطتها المختلفة، تطلق الشركات غازات الدفيئة التي تتسبب في مفاقمة ظاهرة الاحتباس الحراري. وعلى الرغم من أن الشركات المدرجة في البورصة كانت دائمًا تركز بشكلٍ أساسي على زيادة ثروة المساهمين، إلا أننا نرى الآن تحولًا نحو الشركات التي تهتم بمصالح جميع الأطراف المعنية وتتبنى أهدافًا أشمل تضم الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

وقد أدى التركيز المتزايد على الشركات أيضًا إلى تصاعد النزاعات المتعلقة بتغير المناخ وارتفاع في عدد المساهمين الناشطين في مجال الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، والذين يسعون إلى تغيير سياسات الشركات المتعلقة بتغير المناخ من خلال حصصهم الاستراتيجية، ففي يونيو 2024، أَسقط قاضٍ أمريكي دعوى رفعتها شركة "إكسون موبيل" ضد أحد هؤلاء المساهمين، والذي اتهمته الشركة باستخدام استراتيجية "حصان طروادة" لتعطيل عملياتها لمدة 11 عامًا من خلال بيان الوكالة، وفي سبتمبر الماضي، رفضت محكمة بريطانية عليا محاولة منظمة "كلايمت إيرث" غير الحكومية رفع دعوى قضائية فرعية ضد مديري شركة "شِل" متهمةً إياهم بالإخفاق في التعامل مع مخاطر تغير المناخ بالشكل اللائق.

وتثير هاتان القضيتان تساؤلًا حول ما إذا كان المساهم العادي في شركة مُدرجة في دول مجلس التعاون الخليجي سيأخذ بعين الاعتبار مدى إفصاح الشركات عن معلوماتها المتعلقة بتغير المناخ عند اتخاذ قراراته الاستثمارية. وإضافةً إلى قواعد الإفصاح التي وضعتها هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، ستَفرض قوانين جديدة في كاليفورنيا على الشركات الخاصة ذات الإيرادات الضخمة تقديم معلومات عن تأثيرها المناخي بدءًا من عام 2026، وكذلك يفرض توجيه الاتحاد الأوروبي للعناية الواجبة بشأن استدامة الشركات، الذي تم اعتماده في مايو 2024، التزاماتٍ على الشركات الكبيرة فيما يتعلق بالآثار السلبية لأنشطتها على حماية البيئة، ووفقًا لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، فإن قواعد الإفصاح عن الآثار المتعلقة بتغير المناخ تأتي استجابةً لطلب المستثمرين للحصول على معلوماتٍ أكثر وضوحًا وموثوقية حول الآثار المالية للمخاطر المتعلقة بالمناخ، وعلى الرغم من أن الآثار القانونية لهذه القواعد ستستغرق وقتًا حتى تدخل حيز التنفيذ، إلا أنه من الواضح أنها ستزيد من تعرض الشركات المُدرجة لدعاوى المساهمين ومخاطر تنظيمية أخرى، بالإضافة إلى تكاليف تشغيلية وتنفيذية كبيرة.

وفي حين أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانت بؤرًا خصبة للنزاعات المتعلقة بتغير المناخ بين المساهمين في السنوات الأخيرة، لا يمكن قول الشيء نفسه عن دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يرجع ذلك إلى أن العديد من الشركات في هذه الدول مملوكة لعائلات ولها هيكل مركزي للملكية، ومع ذلك، أصدرت لجنة أسواق المال الخليجية، في يناير 2023، معايير موحدة للشركات المُدرجة للإفصاح عن المعلومات المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، حيث تضم تلك المعايير مقاييسَ للإفصاح عن الانبعاثات الجوية الفعلية أو المقدّرة الناتجة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر عن استهلاك الشركات للطاقة.

وعلى الرغم من اعتماد مقاييس لجنة أسواق المال الخليجية، إلا أن الالتزامات المتعلقة بالإفصاح تختلف بين الدول الأعضاء، فمنذ عام 2021، ألزمت هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات العربية المتحدة جميع الشركات المساهمة العامة المدرجة في البورصة، والبالغ عددها 130 شركة، بنشر تقرير سنوي للاستدامة يفصح عن الآثار والالتزامات والسياسات المتعلقة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة، وعلى العكس من ذلك، تنص المادة 39 من قانون حوكمة الشركات والكيانات القانونية المدرجة في السوق الرئيسية على أن تقوم الشركات المدرجة في بورصة قطر بدورها في تنمية المجتمع والحفاظ على البيئة من خلال المشاركة الفعالة والمسؤولة في نظام المسؤولية الاجتماعية للشركات.

إن مسألة الاختيار بين الإفصاح الإلزامي أو الطوعي للشركات هي تحدٍّ ستواجهه الهيئات التنظيمية حول العالم بشكل متزايد، فبالنسبة لهيئات تنظيم الأوراق المالية، التي تقع على عاتقها مسؤولية حماية المستثمرين والحفاظ على استقرار أسواق رأس المال، ستكون التطورات الأخيرة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمثابة تجربة عملية لتقييم تأثير الإفصاح عن المعلومات البيئية على ثقة المستثمرين وجهود التخفيف من آثار تغير المناخ، وفي ظلّ ذلك، على الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي أن تضع هذا في حُسبانها وتتجنب اتباع نهج "العمل يسري كالمعتاد"، كما ينبغي أن تصبح الاعتبارات المتعلقة بتغير المناخ جزءًا أساسيًا من عمليات تقييم المخاطر التجارية واتخاذ القرارات.

** د. كيهندي فوليك اولاي تعمل أستاذًا مساعدًا في القانون التجاري في كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة.

** الأفكار والآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن الكاتبة، ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي للجامعة.