قدّم فريق الأمم المتحدة المعني بمؤسّسات الأعمال وحقوق الإنسان تقريره الأخير أمام قادة العالم في الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ويستعرض التقرير، الذي يحمل عنوان "الصناعات الاستخراجية والانتقال العادل وحقوق الإنسان"، كيف يمكن للدول ومؤسسات الأعمال التعاون سويًا لضمان أن تقوم برامج انتقال الطاقة بحماية واحترام حقوق الإنسان وتعزيز الاستدامة.
وهذا التقرير هو الأحدث في سلسلةٍ من الجهود العالمية التي تشدد على حاجة الدول والشركات إلى مواءمة الجهود المستمرة الرامية إلى تحقيق الأهداف المتفق عليها دوليًا في مجال تغير المناخ، مع السياق الأوسع للاستدامة وحقوق الإنسان، ومن ضمن هذه الجهود قرار منظمة العمل الدولية حول الانتقال العادل، والمبادئ التوجيهية المنقحة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الخاصة بالشركات المتعددة الجنسيات بشأن السلوك التجاري المسؤول، وقرار اللجنة الإفريقية بشأن الأعمال وحقوق الإنسان.
واستجابةً لحالة الطوارئ الناجمة عن تغير المناخ، أعلنت العديد من الدول وشركات الأعمال في العالم عن برامج لانتقال الطاقة تهدف إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن تصميم وتنفيذ مثل هذه البرامج يتأثر بعوامل أخرى، مثل انعدام أمن الطاقة والاستيلاء على الأراضي والبطالة والإقصاء الاجتماعي ومخاطر النزاعات في العديد من أنحاء العالم، ومع تزايد كثافة ورقعة سياسات ومشاريع الطاقة النظيفة، فمن المتوقع أن يتضاعف الطلب العالمي بمقدار خمسة أضعاف على المعادن التي تؤدي دورًا أساسيًا في عمليات انتقال الطاقة، مثل الكوبالت والمعادن الترابية النادرة، وغيرها من المواد المُستخدمة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، إلى جانب البنية التحتية اللازمة لتطوير الطاقة المتجددة.
وقد أسفر الاندفاع نحو المعادن المستخدمة في الانتقال إلى الطاقة النظيفة عن زيادة حالات السرقة والاتجار غير المشروع بالمعادن والعبودية وعمالة الأطفال، ووفقًا لتقريرٍ صدر حديثًا عن منظمة العمل الدولية، هناك حالات عمل قسري لأطفال لا تتجاوز أعمارهم السابعة في مناجم الكوبالت الخطيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تُنتج أكثر من نصف إمدادات العالم من الكوبالت.
وفي عام 2010، دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدول إلى "حثّ مستوردي المنتجات المعدنية الكونغولية والقطاعات الصناعية التي تقوم بتجهيزها، وكذلك المستهلكين، على بذل العناية الواجبة" والتصدّي لانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، حيث تُسلط هذه التطورات الضوء على الحاجة الملحة إلى دمج برامج انتقال الطاقة مع حقوق الإنسان وضمانات الاستدامة، لتجنب أي انتكاسات في التقدم الذي تم تحقيقه على مر السنوات في العديد من أهداف التنمية المستدامة، خاصة تلك المتعلقة بالعمل اللائق، والقضاء على الفقر، وإتاحة الطاقة الحديثة للجميع.
يحتاج العالم بشكل عاجل إلى جدول أعمال لانتقال الطاقة يكون عادلًا وشاملًا ولا يترك أحدًا خلف الركب، كذلك يجب على الشركات والمستثمرين مواءمة برامج انتقال الطاقة وقرارات الاستثمار الخاصة بهم مع أهداف اتفاق باريس للمناخ، لا سيما تلك المتعلقة باحترام وتعزيز ومراعاة حقوق الإنسان عند اتخاذ إجراءات للتصدي لتغير المناخ، ويتطلب ذلك بذل العناية الواجبة في مجالي حقوق الإنسان والبيئة عند تصميم وتمويل وتنفيذ برامج انتقال الطاقة، فضلاً عن تحديد ومعالجة الآثار والمخاطر السلبية على الفور.
وهناك مبررات تجارية قوية للقيام بذلك، من حيث تجنب المخاطر وإدارة السُمعة والبعد عن الدعاوى القضائية المعقدة، كما يتطلب الانتقال العادل تغييرات منهجية تعزز أنماط الاستهلاك المستدام، وتعزز الوصول العادل إلى الطاقة النظيفة، وتعطي الأولوية لرفاهية الأفراد والحفاظ على الكوكب مع المراعاة الكاملة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.
وبينما تُشارك دول العالم في المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، هناك حاجة لأن يتم وضع مصالح واحتياجات الدول الغنية بالموارد الطبيعية، والسكان الأصليين، والشباب، والنساء، وغيرهم من الفئات المعرضة للخطر في صُلب المفاوضات، وكما يوصي فريق الأمم المتحدة المعني بمؤسّسات الأعمال وحقوق الإنسان: "يتعين على الدول المتقدمة حشد الموارد المالية والتقنية لمساعدة الدول الغنية بالموارد الطبيعية كجزء من جهد عالمي مشترك وتضامن دولي لإبقاء طموح انتقال الطاقة على المسار الصحيح"، ولتحقيق انتقالٍ عادلٍ وشامل، استنادًا لاتفاقية باريس، على الدول المتقدمة أن تأخذ زمام المبادرة في الجهود الرامية إلى تقليص تكاليف التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية الناتجة عن انتقال الطاقة في المجتمعات ذات الاقتصاد الهش والواهن.
وتؤدي مؤسسات التعليم العالي أيضًا أدوارًا حاسمة في تطوير دورات وبرامج مخصصة لتنمية القدرات بشأن الانتقال العادل للطاقة، كذلك تعتبر الدورات التدريبية المبتكرة حول كيفية إنشاء مشاريع استدامة محلية، والانتقال إلى وظائف في قطاع التكنولوجيا النظيفة، وتصنيع السيارات الكهربائية، واستخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، أمورًا أساسية لتسريع عملية الانتقال العادل والمُنتظم للطاقة.
وتعمل المؤسسات المعنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تلبية هذه المتطلبات، حيث تُظهر المؤتمرات الأخيرة التي عقدتها جمعية محاضري القانون البيئي في جامعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التزامًا متزايدًا على مستوى المنطقة بتعميق الوعي البيئي، فعلى سبيل المثال، تعتبر كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة في دولة قطر، إحدى البرامج المتعددة في المنطقة التي تقدم دوراتٍ متقدمة في القانون الدولي، وقانون الطاقة والبيئة، وقانون ريادة الأعمال، والأعمال التجارية، وحقوق الإنسان، ومن شأن هذا التركيز على التثقيف البيئي أن يعزز مجالات الابتكار القانوني والسياسي في سياق الانتقال العالمي المتسارع في مجال الطاقة.
الدكتور داميلولا اس. أولاوي، الحاصل على لقب كبير المحامين في نيجيريا، هو أستاذ في القانون يشغل منصبيْ أستاذ كرسي اليونسكو في القانون البيئي والتنمية المستدامة بكلية القانون في جامعة حمد بن خليفة، ورئيس فريق الأمم المتحدة العامل المعني بمؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان، وهو مؤلف كتاب "القانون البيئي في الدول العربية" الحائز على جائزة مرموقة، والصادر عن دار نشر جامعة أكسفورد عام 2022.