معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ونظرة عامة على جائحة فيروس كورونا

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ونظرة عامة على جائحة فيروس كورونا

16 أبريل 2020

لا تُعتبر الفيروسات التاجية جديدة على الإنسان، فقد اُكتشفت هذه الفيروسات التاجية التي تصيب الإنسان لأول مرة في الستينيات من القرن العشرين. إذن، ما الذي يُميز فيروس سارس-كوفيد-2 أو كما يُسمى فيروس كورونا (كوفيد-19)؟ ففي ظل التغطية الإعلامية الهائلة، وهذا الكم الضخم من المعلومات المتاحة حول هذا الموضوع، لا يسع المرء إلا أن يغرق في خضم هذا البحر الواسع من التفاصيل. ففي إطار معالجة هذه القضية، استهل باحثو معهد قطر لبحوث الطب الحيوي عملية تستهدف تحديد المعلومات الخاطئة، وتزويد المجتمع بمعلومات علمية موثّقه، فضلاً عن المستجدات المتعلقة بفيروس كورونا. إضافة إلى ذلك، يقدم خبراء معهد قطر لبحوث الطب الحيوي هذا الأسبوع لمحة عامة عن فيروس كورونا.

معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ونظرة عامة على جائحة فيروس كورونا
معهد قطر لبحوث الطب الحيوي ونظرة عامة على جائحة فيروس كورونا

يأتي كوفيد-19 على قائمة أكثر الموضوعات شيوعًا في الأخبار ومنصات التواصل الاجتماعي الحوارات اليومية، وهو اختصار لفيروس كورونا المستجد الذي ظهر في عام 2019. يسبب هذا الفيروس، الذي تحول إلى جائحة عالمية، متلازمة الجهاز التنفسي الحادة والمزمنة، وهو معروف أيضًا باسم "فيروس ووهان". ومع ذلك، فإن أوبئة أو جائحة مثل كوفيد-19 ليست جديدة علينا. فقد أصابت الأوبئة الفيروسية البشر على مرّ التاريخ، وقد وقع أحد هذه الأوبئة في وقت مبكر من الفترة بين عامي 165-180م، عند تفشي "الطاعون الأنطوني" في عهد الإمبراطورية الرومانية. كما شهد القرن العشرون بعض الأوبئة المعروفة مثل أنفلونزا الخنازير، والإيبولا، وسارس، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

الوبائيات

فيروسات كورونا هي عائلة كبيره من فيروسات الحمض النووي  الريبوزي، التي تُعد مصدرًا لأمراض متعددة، تتراوح ما بين نزلات البرد الشائعة إلى أمراض أكثر شدة وخطورة، مثل: متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ومتلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الوخيم (سارس). وقد اُشتق اسم الفيروس من الكلمة اللاتينية "كورونا" التي تعني التاج أو الهالة، حيث يبدو الفيروس تحت المجهر الإلكتروني وكأنه جسم صلب منتفخ وبصليّ الشكل، على سطحه بروتينات شوكية تشبه الهالة الشمسية. وتعد فيروسات كورونا ذات أصل حيواني، ما يعني أنها تنتقل بين الحيوانات ومنها إلى البشر. وهناك تشابه جيني وراثي بين فيروس كورونا-19 وسارس–كوفيد-1 بنسبة 80%، في حين ان هذا التشابه مع فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية يبلغ ما نسبته 50% (1,2) .

 

الشكل التوضيحي لفيروس كورونا-19

 

وقد تم الإبلاغ عن أول حالة مصابة بفيروس كورونا-19 في مدينة ووهان الصينية في منتصف ديسمبر 2019، مصدرها سوق للمأكولات البحرية والحيوانية (3) . وفي وقت لاحق من ذاك العام، انتشر كوفيد-19 بشكل كبير في الصين، ثم إلى بقية أنحاء العالم مع تأكد إصابة 2,951,000 حالة بالفيروس، و126,782 حالة وفاة نتيجة له في 210 دولة من ضمنها 3,428 حالة إصابة مؤكدة في قطر و 7 حالات وفاة، وفقًا لبيانات 15 أبريل 2020 .(4) وقد ذكر جوان وآخرون (Guan et al) أن دراسة أجريت في الصين أوضحت أن 1.9% فقط من مجمل 1,099 مريضًا مصابًا بفيروس كورونا كان لديهم تاريخ من الاتصال المباشر مع كائنات برية مثل الخفافيش، في حين أن معظم الحالات الأخرى على الأرجح جاءت نتيجة لانتقال الفيروس من شخص مصاب لآخر، سواء من خلال الاتصال المباشر أو الرذاذ الصادر من الجهاز التنفسي، الذي ينتشر من خلال السعال أو  العطاس. و قد تمّ أيضا اكتشاف فيروس كورونا-19 في الجهاز الهضمي، من خلال فحص عينات البراز، اللعاب، أو البول، الأمر الذي يستدعي إجراء المزيد من الدراسات لتوضيح كل الطرق المحتملة للعدوى بهذا الفيروس (6) .

تشمل الأعراض الشائعة لفيروس كورونا-19 الحمى والسعال وصعوبة في التنفس وفقدان حاسة التذوق، وفي الحالات الأكثر خطورة، تمتد إلى التهاب رئوي ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة، وفشل وظيفي في العديد من أعضاء الجسم، انتهاء بالموت. ووفقًا لأحدث تقديرات صادرة عن منظمة الصحة العالمية، يمكن للإنسان المصاب أن تظهر عليه أعراض المرض خلال خمسه أو سته أيام بعد التعرض للفيروس كمعدل وسطي علما أن احتماليه ظهور الأعراض تتراوح ما بين يوم إلى 14 يومًا.   الأخطر من ذلك، أن أعداد كبيره من المصابين لا تظهر عليهم أعراض المرض، ومع ذلك يساهمون في انتشار الفيروس ونقله إلى أشخاص أُخر (7) . ووفقًا للمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فإن كبار السن (الفئة العمرية التي تزيد على 80 عامًا) و المصابين بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري، والسمنة، وأمراض الجهاز التنفسي، وارتفاع ضغط الدم (8,9)هم الأكثر عرضه لخطر الوفاه جراء الإصابة بالفيروس.

الخيارات الحالية لتشخيص فيروس كورونا

منذ تشخيص أول حالة مصابة بفيروس كورونا في ديسمبر 2019، تُستخدم عبارة "النتيجة إيجابية" بشكل شائع، وقد حثت منظمة الصحة العالمية دول العالم على تطوير قدراتها بشأن عمليات اختبار الفيروس (10) . لا شك أن القدرة على التعرف السريع على المصابين بفيروس كورونا أمر حاسم لسببين: أولاً، من أجل الحصول على صورة واضحة وتقديرات حقيقية لحجم الجائحة. والسبب الثاني هو نتيجة للسبب الأول، فيما يتعلق بفهم أنماط انتقال الفيروس، وكيفية اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تفشي العدوى، وخاصة في حالة الأشخاص المصابين الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض أولم يتم تشخيص حالتهم بعد الذين قد ينشرون العدوى دون إدراك (13-10) .

يُحدد الأطباء مدى احتياج المريض لإجراء فحص كورونا بناءً على ظهور أعراض سريرية مثل: الحمى والسعال والإرهاق (14-15) . واعتمادًا على البروتوكولات المطبقة بكل دولة على حدة، قد يفكر الأطباء في الوبائيات المحلية، سواء كان المريض على اتصال وثيق بشخص ثبت بالتشخيص أنه مصاب بفيروس كورونا، أو كانت لديه تجارب سفر حديثة إلى مناطق بها عدوى مستمرة بفيروس كورونا. ومن أجل تشخيص كوفيد-19، يأخذ أخصائي التحاليل عينات تتضمن بشكل أساسي مسحة من الأنف والحلق، وقد يجمع أيضًا عينات إضافية من اللعاب والدم. كما يجب أن يكون نقل العينات من العيادة إلى المختبر بغرض التحليل سريعًا، مع توفير التبريد اللازم للحفاظ على هذه العينات.

وقد عملت غالبية الدول على توسيع قدراتها التشخيصية لكوفيد-19، ووفقًا لتوصيات وإرشادات الفحوصات المختبرية للمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، يتوفر نوعان من الاختبارات، نتناولهما بالتوضيح في ما يلي (16) .

تفاعل البوليميراز المتسلسل اللحظي للنسخ العكسي 

هذا هو الاختبار القياسي الذهبي الذي يتصدر عملية تشخيص كوفيد-19. ويعتمد هذا الاختبار على سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تكشف وجود المادة الوراثية للفيروس. إنه إجراء مختبري شائع، يوفر نتائج موثوقة، شريطة أن تُجمع العينة بشكل صحيح. ويتسم هذا الاختبار بحساسيه ونوعيه عاليتين، بمعنى أن نسبه الخطأ في التشخيص صغيره. يستخدم هذا الاختبار للكشف عن الإصابات الحديثة والنشطة (الحمل الفيروسي العالي)، ولا يمكن إجراؤه إلا في المختبرات المجهزة بالمعدات المتخصصة (17) .

اختبارات التشخيص السريع 

تبدو اختبارات الفحص السريعة الخيار المفضل لأغراض التشخيص على نطاق واسع. وفي الوقت الحالي، تستخدم بعض من هذه الاختبارات السريعة، ولكن هناك قائمة طويلة ما زالت قيد الدراسة والتطوير وبانتظار الموافقات التشريعية. وتنقسم هذه الفحوصات إلى فئتين: إما الكشف عن المكونات الفيروسية في العينات المأخوذة من البلعوم والأنف (المسحة) (المستضد) أو الكشف عن الأجسام المضادة في الدم التي تظهر كاستجابة من جهاز المناعة البشري في الحماية ضد الفيروس (18) . وتعتبر الاختبارات السريعة منخفضه التكلفة، سهله الاستخدام، يمكن إجراؤها خلال فتره قصيره (10-45 دقيقة) ولا تحتاج إلى كوادر عالية الكفاءة مقارنةً باختبار تفاعل البوليمراز المتسلسل، الذي يستغرق حوالي أربع ساعات. ومع ذلك، فإن الاختبارات السريعة لها حساسية نوعيه أقل للكشف عن فيروس كوفيد-19، حيث أن العدوى بالفيروسات الأخرى قد تعطي أيضًا نتيجة إيجابية، على عكس الحال فيما يتعلق بالاختبارات الجزيئية (19, 20) .

هل اقتربنا من التوصل لعلاج مرض فيروس كورونا؟

أقرت إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخرًا، وبشكل طارئ ومثير للجدل، استخدام الاعتماد الخاص باثنين من أدوية الملاريا، هما: كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين، بناءً على بيانات تتعلق بفوائد سريرية ملحوظه لدى مرضى فيروس الكورونا. ففي 20 مارس 2020، منح استخدام دواء هيدروكسي كلوروكين المضاد للملاريا مع المضاد الحيوي أزيثروميسين في بعض التجارب السريرية ا أملاً بسيطًا للعالم في مكافحة كوفيد-19. وأفاد علماء من مدينة مرسيليا بفرنسا عن اختفاء الفيروس بنسبة 100% في مسحات مأخوذة من البلعوم والأنف لدى ستة مرضى بعد ستة أيام من تعاطي توليفة هيدروكسي كلوروكين وأزيثروميسين(21) ، ومع ذلك، لم يستمر بصيص هذا الأمل طويلاً. فبعد عشرة أيام، أفادت مجموعة أخرى من العلماء في باريس عن عدم وجود أي دليل على نشاط مباشر مضاد للفيروس، أو أية فائدة سريرية لدى المرضى ممن يعانون من أعراض كوفيد-19 الحادة. فقد أظهرت الدراسة أنه بالرغم من تقديم العلاج لمده سته أيام، لا يزال ثمانية من أصل عشرة مرضى يعانون من الفيروس (22) . تظل كلتا الدراستين محدودتين بعدد المرضى المسجلين والذين جرى تقييم حالتهم من أجل مجرد الحصول على استفادة قصيرة الأمد، وهي جوانب مهمة عند تقييم صحة ملاحظات التجارب السريرية. لذلك، لا يوجد حتى يومنا هذا علاج مثبت بالبراهين العلمية لفيروس كوفيد-19. 

ومع ذلك، يعمل العلماء حول العالم، بلا هوادة وبوتيرة غير مسبوقة، لتطوير "علاج فعال" لهذا المرض. وحتى الآن، يُنظر بعين الاعتبار في العديد من النُهج المحتملة، كما يتضح في (بالملخص الوارد الجدول 1) التقدم السريع في البحث عن طرق علاجيه ضد فيروس كورونا. تشمل هذه النهج: منع اندماج / دخول كوفيد-19 في الخلايا البشرية، وتعطيل تكرار كوفيد-19، وكبح جماح الاستجابة الالتهابية المفرطة، والعلاج ببلازما ولقاحات النقاهة، فضلاً عن الجمع بين الطب الصيني التقليدي والطب الغربي. بالإضافة إلى ذلك، هناك عدد من التجارب السريرية جارية لاختبار سلامة وفاعلية الأدوية المحتملة.

ملخص

تناولنا هذا الأسبوع وبشكل موجز جائحة فيروس كورونا، ونُهج التشخيص المتاحة، وقدمنا عينة من السباق العالمي المحموم مع الزمن لتحديد والوصول إلى علاج فعال ضد هذا الفيروس الخطير. وفي المنشور القادم، سنتناول بالتحليل المتعمق لكل هذه الموضوعات بمزيد من التفاصيل. لذا ندعوكم لمتابعتنا وترقب المزيد حول هذا الموضوع.

المساهمون في هذه الدراسة:

الوبائيات: د. يوشي كوباياشي ود. فيجاي جوبتا؛ التشخيص: د. سلام سلوم أسفر؛ العلاج: د. أبو صالح محمد معين؛ التوضيح: د. أدفيتي نايك ؛ المحررون: د. أدفيتي نايك  ود. الكسندرا بتلر

للرجوع للمصادر، يُرجى الضغط هنا