التميز تسلط الضوء على اليوم العالمي للسكري 2020
رؤية مقدمة من معهد قطر لبحوث الطب الحيوي
في خضم الجائحة العالمية الحالية التي نتجت عن تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، من المهم أن نركز على الحالات الطبية الشائعة والمعقدة الأخرى مثل مرضى السكري. يمثل ذلك في واقع الأمر أهمية كبيرة لمرضى السكري، نظرًا لأن هذا المرض، إلى جانب السمنة التي غالبًا ما تصاحبه، يزيد من خطر الإصابة الشديدة بفيروس كوفيد-19.
يعرف السكري بأنه اضطراب في التمثيل الغذائي، يفرض عبئًا طبيًا واجتماعيًا واقتصاديًا كبيرًا على مستوى العالم. وقد بلغ انتشار السكري معدلات وبائية على مستوى العالم، حيث يعاني منه 425 مليون شخص بالغ في المرحلة العمرية (20-79 سنة)، وهو ما يمثل 8.8٪ من سكان العالم البالغين. وتشير التوقعات الحالية إلى أن هذا الرقم سيرتفع إلى 629 مليون شخص بحلول عام 2045، مما سيؤثر على ما يقرب من 10٪ من السكان البالغين في جميع أنحاء العالم.
يعاني مريض السكري من ارتفاع نسبة السكر (الجلوكوز) في الدم بشكل مزمن، الناتج إما عن عدم كفاية في إنتاج الإنسولين من قبل خلايا بيتا البنكرياسية (داء السكري من النوع الأول)، أو زيادة في مقاومة عمل الإنسولين في أعضاء الجسم (داء السكري من النوع الثاني)، أو كليهما. وهناك العديد من العوامل المسببة لداء السكري، منها العوامل السلوكية والوراثية والجينية والبيئية (الشكل 1).
من العوامل التي قد تؤدي الى ارتفاع معدل الإصابة بالسكري في منطقة الخليج، السمنة وأنماط الحياة التي تتسم بقلة الحركة، مما يؤثر على جميع شرائح المجتمع من الشباب إلى كبار السِن. ومن العوامل التي يمكن أن تزيد من فرص إصابة أفراد المجتمع بداء السكري هي العوامل الوراثية، فالأشخاص الذين لديهم مصابين بالسكري بين أفراد أسرهم أكثر عرضة للخطر، لذلك، من الضروري بالنسبة لأولئك المعرضين للخطر اتباع النصائح الطبية فيما يتعلق بإجراء فحوصات السكري بصفة متكررة.
الشكل (1): التفاعل المعقد بين العوامل السلوكية والبيئية التي تؤثر على مسببات السكري ومضاعفاته الكبيرة ذات الصلة بالأوعية الدموية والأوعية الدموية الدقيقة ومرض الزهايمر (شكل من أشكال داء الخرف المرتبط بالسكري من النوع الثاني).
تعتبر الأمراض الفتاكة المصاحبة للأوعية الدموية المرتبطة بالسكري، مثل اعتلال شبكية العين، واعتلال الكليتين، والمضاعفات العصبية، وأمراض القلب، وتقرح الأقدام أو بترها، مكلفة للغاية ومن الصعب جدًا معالجتها، وتتسبب في زيادة أعداد الوفيات. كما يتعرض مرضى السكري أيضًا لخطر متزايد يتعلق بإمكانية الإصابة بالعديد من المضاعفات العصبية وأنواع معينة من السرطان.
المؤشرات الحيوية
أظهرت الدراسات الحديثة أنه يمكن الوقاية من السكري من النوع الثاني، إذا تم تحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة به مبكرًا. وفي الواقع، يمكن أن يؤدي تبني أنماط حياة صحية ترتكز إلى ممارسة الأنشطة الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، والحفاظ على وزن صحي، إلى منع أو تقليل أو تأخير الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
خلال المرحلة التي تسبق الإصابة بالسكري من النوع الثاني، يكون مستوى الجلوكوز في الدم أعلى من المعدل الطبيعي، ولكنه ليس مرتفعًا بما يكفي لكي يشخص على أنه حالة سكري من النوع الثاني. ومع ذلك، ولتحديد الأفراد المعرضين لخطر الإصابة به، هناك حاجة إلى تحديد خصائص بيولوجية قابلة للقياس، وهي تسمى بالمؤشرات الحيوية، التي يمكنها التنبؤ بتطور النوع الثاني من داء السكري.
يعني ذلك أن الأفراد الذين لديهم هذه المؤشرات الحيوية هم الأكثر عرضة للإصابة بالسكري من غيرهم الذين ليس لديهم تلك المؤشرات الحيوية. ويمكن تسجيل الأفراد الذين لديهم هذه المؤشرات الحيوية في برامج وقائية خاصة، حيث يتعين تعزيز الوعي لديهم بمخاطر الإصابة بالسكري، وضرورة تبني تدخلات مخصصة لمعالجة هذا الموقف.
من جانبنا، يركز أحد محاور أبحاثنا في مركز بحوث السكري، التابع لمعهد قطر لبحوث الطب الحيوي، على تحديد المؤشرات الحيوية الجينية والجزيئية الأكثر دقة التي تتنبأ بالسكري وإمكانية الإصابة به.
اكتشاف الأدوية المستهدفة والطب الدقيق
لا يوجد أي علاج في الوقت الحالي يمكنه منع الأسباب الكامنة وراء مقاومة الإنسولين التي تؤدي إلى تطور السكري من النوع الثاني. ونحن في مركز بحوث السكري نبحث في آليات مقاومة الإنسولين لتحديد أهداف جديدة لاكتشاف الأدوية. ونحن نواصل تدخلاً مستحدثًا آمنًا يتعلق بالعقاقير تم اكتشافه، مؤخرًا، وهو تدخل يبطل مقاومة الإنسولين في حالات السمنة، وربما أيضًا في المرحلة المبكرة من الإصابة بالسكري من النوع الثاني.
وهناك أيضًا دليل على أن مقاومة الإنسولين تضعف وظائف الرئة. وقد يزيد هذا من قابلية الإصابة بفيروس كوفيد-19. لذلك، نحن نعمل على اكتشاف إمكانية إعادة استخدام مكمل غذائي يمكنه أن يقوم بضبط مقاومة الإنسولين، بغرض تحسين صحة الجهاز التنفسي، وبالتالي تعزيز مقاومة الجسم لفيروس كوفيد-19.
وفي دراسة حديثة، اكتشفنا المؤشرات الحيوية لتقييم مخاطر تدهور وظائف الكلى في المستقبل. فقد يصاب مرضى السكري باعتلال كلوي سكري، وهو ما يعد أحد أكثر مضاعفات السكري إثارة للقلق، حيث يعاني ما يقرب من واحد من كل ثلاثة مرضى بالسكري من النوع الثاني من اعتلال كلوي سكري، يصاحبه ضعف في وظائف الكلى، مما قد يؤدي إلى الحاجة إلى غسيل كلوي. من خلال اختبار جديد يجرى باستخدام خوارزميات تشخيصية تستند إلى المؤشرات الحيوية، يمكننا تحديد المرضى المعرضين لخطر الإصابة باعتلال كلوي سكري في مراحل مبكرة جدًا. ومن هذا المنطلق، قد تحافظ المعالجة الدوائية المبكرة على وظائف الكلى وتمنع تطور اعتلال كلوي سكري مزمن في المستقبل.
العلاج بالخلايا الجذعية
مع تطور تقنيات الخلايا الجذعية، ظهر مفهوم محاكاة الطبيعة لإنتاج خلايا بيتا جديدة لمواجهة السكري، وهو علاج محتمل لمرضى السكري من النوعين الأول والثاني. تتمتع الخلايا الجذعية البشرية المحفزة بالقدرة على توفير مصدر غير محدود من خلايا بيتا البنكرياسية، على الرغم من الحاجة إلى بذل الكثير من الجهد للسماح بعلاج آمن وفعال.
يتمثل الهدف النهائي لبرنامج الخلايا الجذعية في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي في تهيئة الظروف لتطوير استراتيجيات علاجية جديدة لعلاج السكري. وفي هذا الشأن، يهدف فريق الدكتور عصام عبد العليم في مركز بحوث السكري إلى تحقيق هدفين رئيسيين: (1) فهم العوامل الوراثية الكامنة وراء تطور السكري باستخدام تقنية الخلايا الجذعية المحفزة، و(2) انتاج خلايا بيتا قادرة على أداء وظيفتها فيما يتعلق بإفراز الإنسولين من الخلايا الجذعية المحفزة لفائدة العلاج بالخلايا.
وقد وضع فريق الدكتور عبد العليم، مؤخرًا، بروتوكولات جديدة لإنتاج خلايا بنكرياسية سالفة وخلايا بيتا بنكرياسية قادرة على أداء وظيفتها. كما أعدّ الفريق العديد من خطوط الخلايا الجذعية المحفزة من مرضى قطريين وغير قطريين، يعانون من أشكال مختلفة من السكري (أحادية الجينات ومتعددة الجينات).
يمكن أن تقدّم الخلايا الجذعية المحفزة الخاصة بالمرضى معلومات أساسية حول مسببات المرض، وتوفر خلايا بيتا للعلاجات الشخصية. علاوة على ذلك، يمكن استخدام هذه النماذج لعمليات مسح واسعة النطاق تتعلق بفحص الأدوية المحتملة التي لها تأثير على خلايا بيتا وأهداف الاستجابة للإنسولين. وسيوفر ذلك منصة أساسية لفهم العوامل الوراثية للسكري التي يمكن ترجمتها في النهاية إلى علاج فعال.
من جانبنا، قمنا ببناء شراكات وعلاقات تعاون على المستويين الوطني والدولي، ومنها معهد أبحاث الخلايا الجذعية بجامعة هارفارد، ومؤسسة حمد الطبية، ووايل كورنيل للطب - قطر، ومركز سدرة للطب. ونظرًا للطبيعة المبتكرة للبحوث العلمية التي تجرى في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، فقد بادر الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي بتوفير التمويل للعديد من مشاريع المعهد؛ للمساعدة في التغلب على التحديات التي غالبًا ما تواجهها المختبرات في أجزاء أخرى من العالم.
الشكل (2): صورة تم الحصول عليها باستخدام مجهر فلوري تظهر إنتاج خلايا تشبه الجزيرة من الخلايا الجذعية المحفزة (خضراء: إنسولين؛ حمراء: جلوكاجون؛ زرقاء: دابي، وهي وصمة فلورسنت فلورية ترتبط بقوة بالحمض النووي بالنيكليوتيدات الذي يلوث نوى الخلايا).
المشاركون في هذه الدراسة:
المؤشرات الحيوية: د.عبد الإله الرضواني (عالم، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
اكتشاف الأدوية المستهدفة: د. بول ثورنالي (مدير مركز بحوث السكري، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
العلاج بالخلايا الجذعية: د.عصام عبد العليم (عالم، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
الرسوم التوضيحية: د. عصام عبد العليم ود. مانجولا نانداكومار (باحث مشارك أول، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
مراجعة النص العربي: د. هبة الصديقي (باحث زميل) ونائلة العقل (باحث أول مشارك)
المحررون: د. أدفيتي نايك (باحث ما بعد الدكتوراه، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)، د. ألكسندرا باتلر (باحث رئيسي، معهد قطر لبحوث الطب الحيوي)
لتصفح المراجع، يُرجى الضغط هنا.